طوال الشهور الماضية، كان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم يقوم بمهمة التنسيق والتواصل مع السلطات السورية والأردنية بشأن إعادة فتح معبر «نصيب» أمام الجميع. مهمّة ابراهيم لم تأت عبر تكليف رسمي، وإنما بالتشاور مع رئيس الجمهورية ميشال عون وأطراف محلية وعربية تنظر إلى حيوية هذا المعبر لمرور السلع والأفراد من لبنان وسوريا إلى الأردن والعراق ودول الخليج، وبالاتجاه المعاكس أيضاً. مع استعادة السلطات الرسمية السورية سيطرتها على هذا المعبر البري الحيوي، تكون الظروف الموضوعية لمهمة ابراهيم قد انتهت، فيصبح السؤال عما ستفعله الحكومة اللبنانية لإعادة استعمال هذا المعبر؟
لن تكون هناك أي صعوبة في الاستنتاج بأن استعمال معبر نصيب لتصدير السلع والبضائع اللبنانية إلى دول الخليج والعراق والأردن، يمر حكماً بالتواصل مع السلطات الرسمية السورية. التطبيع بين البلدين أمرٌ حتمي لاستعمال المعبر. الحلول الترقيعية لم تعد متاحة. ما يُنقل عن اللواء ابراهيم، أنه لن يقبل بمهمة غير مستندة هذه المرة إلى تكليف رسمي من رئيس الجمهورية أو من الحكومة اللبنانية، أما القيام بمهمات غير رسمية «فأمر غير وارد»، فضلاً عن أن السوريين ليسوا في هذا الوارد أيضاً.
إذاً، فتح معبر «نصيب» أمام الصادرات اللبنانية، بعد سنوات من الإقفال، لم يعد قابلاً للحياة عبر تنسيق «من تحت الطاولة». فالسلطات السورية لم يكن لديها هامش كافٍ من المناورة في الملفات المشتركة مثل التنسيق الأمني واستجرار الكهرباء والنازحين السوريين في لبنان، أما في موضوع حركة الصادرات اللبنانية نحو الخليج، فإن الأمر مختلف. السوريون يعلمون أهمية معبر «نصيب» للبنان. هو الممر البرّي الوحيد لتجارة لبنان الخارجية، وبالتحديد مع دول مجلس التعاون الخليجي والعراق والأردن. السوق السورية تصبح أكثر جدوى عند فتح الممر، ولا سيما أن السلطات السورية فرضت على المستوردين اللبنانيين الاستحصال على إجازة مسبقة للاستيراد.
مجموع ما يمكن لبنانَ أن يصدّره عبر «نصيب» يصل إلى نحو 800 مليون دولار


تنبع أهمية معبر «نصيب» من كونه يشكّل ممرّاً لأكثر من 550 ألف طن من المنتجات الزراعية اللبنانية، تصل قيمتها إلى 300 مليون دولار، ولمنتجات صناعية تقدر قيمتها بأكثر من 500 مليون دولار. مجموع ما يمكن لبنانَ أن يصدره عبر «نصيب» يصل إلى نحو 800 مليون دولار، أي ما يوازي 30% من مجمل الصادرات اللبنانية. ويتطلب التصدير عبر هذا المعبر بين خمسة أيام وسبعة أيام لوصول البضائع إلى مقصدها، وهي أقل مدّة متاحة للمنتجين اللبنانيين للوصول إلى الأسواق المذكورة في الخليج. في المقابل، يتطلب وصول البضائع من لبنان عبر الخطوط البحرية 10 أيام كحدّ أدنى، ويمكن أن يتجاوز الـ 30 يوماً.
إقفال معبر «نصيب» في نيسان 2015 كانت له نتائج سلبية كبيرة على المصدرين اللبنانيين. لم يطل الأمر قبل أن تظهر حقيقة أساسية: ليس هناك بديل إلا الخط البحري الذي يزيد كلفة التصدير بأكثر من 40%. يومذاك، اضطرت الدولة اللبنانية الى أن تخلق الخط البحري المدعوم، من دون أن تتمكن من تجاوز مشكلة المدة التي يتطلبها وصول البضائع. عملياً، هناك خطان بحريان: الأول، وهو خط غير مدعوم يمكن استعماله لنقل البضائع عبر الحاويات (كونتينر)، والثاني تدعم كلفته الدولة لنقل الشاحنات المحمّلة بالبضائع عبر عبارات «رورو». وبحسب رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم الترشيشي، فإن الدولة تدعم «التصدير البحري بكلفة 25 مليار ليرة سنوياً بلا أي جدوى فعلية. كنّا نصدّر عبر الخط البرّي نحو 550 ألف طن من السلع الزراعية، بينما نصدّر اليوم عبر الخطّ البحري أقل من 350 ألف طن. هذه الخسارة توازي 100 مليون دولار سنوياً».
لا تتوقف معاناة المزارعين عند هذا الحد، يضيف الترشيشي: «ذقنا الويل في هذه السنوات الثلاث التي كان فيها معبر نصيب مغلقاً. عدا عن الفرق في مدة وصول البضائع إلى مقصدها، هناك مشكلة تتعلق بتحميل البضائع على الباخرة. لا يمكن التحكّم بوتيرة الكميات المصدرة على عكس البرّ، إذ إن البضائع تصل مع بعضها البعض في وقت واحد وتغرق السوق. بواسطة الخط البحري، يجب على الجميع الالتزام بوقت واحد، ما يزيد من تنافسيتهم مع بعضهم البعض في أسواق خارجية. أما على الطريق البرّي، فقد كنا نحضر الشاحنات بشكل يومي لتلبية الحاجات من دون إغراق السوق، فضلاً عن أن البضائع لا تخسر من جودتها بسبب مدة الوصول».
في النتيجة، يخلص الترشيشي إلى أن المزارعين اللبنانيين «فقدوا زبائنهم في أسواق الخليج والعراق والأردن. هذه الأسواق أسّسناها، واليوم نتعرض لمنافسة شرسة فيها. فتح معبر نصيب أمر ضروري للمزارعين اللبنانيين. يجب على الدولة اللبنانية أن تتفاوض وبسرعة مع الدولة السورية لتأمين فتح المعبر أمام صادراتنا».
بالنسبة إلى الصناعيين، لا يختلف الأمر كثيراً. بحسب نائب رئيس جمعية الصناعيين، زباد بكداش، فإن فتح معبر نصيب أمام الصادرات اللبنانية «فيه مصلحة لنا». يعتقد بكداش أن أحد أهم أسباب تراجع الصادرات اللبنانية هو إقفال معبر نصيب قبل ثلاث سنوات. «كانت لدينا فرصة توصيل الشحنة إلى باب الزبون، لكننا اليوم خسرنا ذلك. قبل الحرب في سوريا، كانت كلفة التصدير لا تتجاوز نصف ما هي عليه حالياً. فتح المعبر يسهّل التواصل التجاري مع الخليج».