دمشق | قبل نحو أربع سنوات ونيف، غادرت آخر شركة نفط غربية الأراضي السورية متأثرة بالعقوبات التي فُرضت على دمشق، وبالتهديدات الأمنية التي باتت تلاحق تدريجياً موظفيها وخبرائها العاملين في الحقول الرئيسية المنتجة للنفط، والمتمركزة أساساً في المنطقة الشرقية للبلاد.
ومع سيطرة المجموعات المسلحة على اختلاف تسمياتها ومرجعياتها على حقول النفط والغاز، واستثمار بعضها بطرق بدائية وتدمير بعضها الآخر، طويت صفحة إمكانية عودة الشركات النفطية الغربية أو بالأحرى فقد الأمل على المدى القريب أو المتوسط، وتحول بذلك اهتمام الحكومة السورية من إعادة تشغيل الآبار والحقول واستثمارها إلى «هم» استعادة السيطرة عليها، وهو هدف استلزم إلى الآن ما يصل إلى قرابة خمس سنوات من العمليات العسكرية، وإلى تضحيات بشرية ومادية كبيرة. ويبدو أن الطريق لا يزال في منتصفه مع استمرار وجود الحقول الرئيسية المنتجة للنفط والغاز خارج سيطرة الحكومة، وتحديداً شرقي نهر الفرات، حيث يكمن «معظم إنتاج البلاد من النفط خلال سنوات ما قبل الأزمة»، بحسب ما يؤكد مصدر في وزارة النفط السورية.

تتوقع دمشق أن تحقق بعد أربع سنوات أعلى طاقة إنتاجية لها من النفط


ومهما كان الزمن اللازم لاستعادة تلك الحقول، فإن الاستراتيجية «المتفائلة» التي وضعتها وزارة النفط أخيراً، والانفتاح الواسع الذي تبديه البلاد للتعاون مع شركات الدول «الحليفة والصديقة» للاستثمار في هذا القطاع، يطرحان تساؤلات مهمة عن مصير الاتفاقيات والمشاريع التي جمعت دمشق بكبريات شركات النفط العالمية طوال العقود الماضية، والخيارات المطروحة للتعاطي مع هذا الملف.
يكشف مصدر مسؤول في وزارة النفط والثروة المعدنية لـ«الأخبار» عن استراتيجية الحكومة للتعامل مع هذا الملف، فيؤكد «احترام سوريا لجميع الاتفاقيات والعقود الموقعة سابقاً مع شركات النفط الأجنبية، وحرصها على صيانة حقوقها»، وهي ستكون «منفتحة على التعاون مجدداً مع هذه الشركات وغيرها لتنمية القطاع النفطي واستثماره بما يحقق المصلحة الوطنية، ولا سيما أن البلاد مقبلة على مرحلة إعادة إعمار ضخمة».
وحول مطالبة البعض بطرد الشركات الغربية وإيقاف أي تعاون مستقبلي معها بالنظر إلى مواقف دولها من الأزمة السورية، يحرص المصدر على توضيح نقطتين: الأولى أن هناك «اتفاقيات تحكم العلاقة مع هذه الشركات، وبالتالي فإن أي إخلال بمضمونها وبنودها يعني الذهاب إلى المحاكم الدولية»، والنقطة الثانية أنه بموجب تلك الاتفاقيات فإن «من غير الممكن السماح لأي جهة أن تحل محل عمل الشركات الغربية، وهناك فرص استثمارية أخرى واسعة ستكون متاحة أمام شركات الدول الحليفة والصديقة الراغبة في دخول السوق السورية».
وقبيل فرض أوروبا وواشنطن عقوباتهما على قطاع النفط مع بدايات الأزمة، كانت توجد على الأرض السورية نحو 14 شركة أجنبية، منها 5 شركات كانت تعمل في مجال الاستكشاف هي: شل، بتروكندا، موريل بروم، لون انيرجي، واينا، و7 شركات كانت تعمل في مجال الإنتاج هي: شل، توتال، بتروكندا، اينا، غالف ساندز، اي بي ار، تاتنفت، فضلاً عن شركتين صينيتين هما: الشركة الوطنية الصينية وشركة ساينوبك لوم.
ووفقاً للتقديرات الرسمية، فإن إنتاج هذه الشركات كان يصل يومياً قبل الأزمة إلى نحو 100 ألف برميل نفط يومياً، ونحو 7 ملايين متر مكعب من الغاز.


القوة القاهرة

في المقابل، لا تعوّل الشركات الغربية كثيراً على عودتها قريباً إلى السوق السورية، فطالما أن «القوة القاهرة» التي أجبرتها على مغادرة البلاد لا تزال قائمة، فهي ستكون مضطرة إلى انتظار تحول سياسي دولي يفضي إلى تعليق العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على قطاع النفط، بحسب ما يؤكد خبير نفطي كان يعمل مع إحدى تلك الشركات.
الخبير، الذي تحدث لـ«الأخبار» مفضلاً عدم ذكر اسمه، أشار إلى أن آفاق التعاون بين الشركات والحكومة السورية كانت كبيرة حتى مع بدايات الأزمة، بدليل أن إحدى الشركات وقعت عقداً للاستكشاف والتنقيب عن النفط في منطقة «التنف»، إضافة إلى مشاريع أخرى. وأضاف أن مرحلة ما بعد استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا «يمكن أن تشهد تعاوناً بين مختلف الشركات والحكومة السورية، وبين الشركات نفسها الروسية والصينية والغربية أسوة بما هو حاصل في بعض دول المنطقة، ففي النهاية الشرق لا يمكنه الاستغناء عن الغرب، والغرب لا يمكنه أن يتجاهل الشرق».
وحرصت الشركات مع تعليق أنشطتها الاستثمارية على تصفية حقوق جميع عامليها من السوريين عبر منحهم تعويضات مالية مجزية، ونقل البعض منهم إلى فروع أخرى إقليمية ودولية. وبحسب ما يذكر مدير برامج سابق في إحدى تلك الشركات، فإنه جرى توقيع العاملين على ورقة لا تلزم الشركات في حال عودتها إلى البلاد بإعادة توظيفهم تحت أي مسمى، مشيراً في حديثه إلى «الأخبار» إلى أن عمل هذه الشركات في سوريا كان يتصف بالربحية العالية، إذ لم تكن تكلفة إنتاج برميل النفط الواحد تتجاوز ثلاثة دولارات بعد الانتهاء من عملية حسم مخصصات الاستهلاك للتجهيزات والمعدات، والعائدة ملكيتها لمؤسسة النفط الحكومية، وتالياً فلا يمكن الحديث عن تعرض هذه الشركات لخسائر مباشرة جراء تعليق عملها في سوريا، لا بل إن المصدر في وزارة النفط يؤكد أن هذه الشركات لم تتعرض عملياً حتى لخسائر غير مباشرة، وذلك بالنظر إلى توقف معظم الحقول عن الإنتاج، فالمجموعات المسلحة لم تتمكن من الاستفادة إلا من الحقول الذاتية الإنتاج، مقدراً نسبة ما تم إنتاجه بطريقة غير مشروعة بما لا يتجاوز 12%.

نصف الطريق الآخر!

وبغض النظر عن مصير العقوبات وإمكانية عودة الشركات الغربية من عدمها، فإن الحكومة وضعت منتصف العام الماضي استراتيجية وطنية، أعلنت من خلالها البدء باستعادة الطاقة الإنتاجية للبلاد من الحقول القائمة، إذ توقعت أن تحقق البلاد بعد أربع سنوات من هذا العام أعلى طاقة إنتاجية لها من النفط، والمقدرة بنحو 310 آلاف برميل يومياً، بينما سيشهد عام 2020 ذروة الإنتاج من الغاز النظيف المتاح للمستهلكين والمقدّر بنحو 24,8 مليون متر مكعب. وهذه التقديرات ستكون رهناً باستعادة الدولة سيطرتها على حقول الإنتاج الرئيسية.
ووفق البيانات الرسمية، فإن «وحدات الحماية» الكردية (ومن ضمنها قوات «قسد») تسيطر حالياً على ثلاثة حقول رئيسية في المنطقة الشرقية، كانت تنتج قبل الأزمة مجتمعة نحو 350 ألف برميل نفط يومياً، ونحو 7 ملايين متر مكعب من الغاز، وهذه الحقول هي: حقول نفط وغاز الحسكة (الرميلان)، وكانت تنتج قبل الأزمة نحو 145 ألف برميل نفط يومياً، ونحو مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، والتقديرات تشير إلى أن إنتاجها الحالي يصل إلى نحو 50 ألف برميل يومياً.
ــ حقول نفط وغاز الجبسة (الشدادة)، وكانت تنتج قبل الأزمة نحو 80 ألف برميل نفط يومياً، ونحو مليون متر مكعب غاز طبيعي يومياً، والمعلومات تشير إلى أن إنتاجها متوقف حالياً.
ــ حقل العمر الذي كان ينتج نحو 125 ألف برميل نفط يومياً قبل الأزمة، ومعمل كونوكو للغاز وكان ينتج نحو 5 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، وهما متوقفان عن الإنتاج.