تونس | لا أحد في تونس ينكر، للأسف، أنّ أجمل بنايات العاصمة، ومدينة بنزرت، وبعض مدن الشمال الغربي، شيّدها الاستعمار الفرنسي. لا تزال بعض الكنائس الفخمة التي أقيمت أثناء الاحتلال الفرنسي لتونس قائمة بكل نقوشها وزخرفاتها، وإن كانت أغلبها مهجورة، ما عدا كاتدرائية تونس العاصمة التي تحمل اسم (St Vincent de Paul) والتي تحوي مركز «أسقفية تونس». على أيّ حال، فجميع المشرفين عليها من جنسيات غير تونسية، فرنسيّون تحديداً. وهي محاطة بالمباني في منتصف الجزء القديم من تونس العاصمة. تقام في هذه الكنيسة المراسم الدينية التي تشهد «قداسان أيام الآحاد».
الأول باللغة الإيطاليّة، والثاني بالفرنسيّة. عملياً، ينحصر عدد المشاركين في هذه المراسم اليوم بالعشرات، يتوزعون بين أوروبيين وأفارقة. لكننا لا نتحدث عن الكنائس وحسب. لدينا «شارع قرطاج»، نهج «أم كلثوم»، «لافايات، مونفلوري، ساحة باستور، الباساج، وساحة برشلونة» وكلها في قلب العاصمة. أحياء سكنية عرفت بتأثرها بالعمارة الفرنسيّة، وحافظت غالبية المباني فيها على طابعها وأسمائها، وإن تغيّر سكانها، وغيروا بدورهم من هويّتها العمرانيّة (بعض التونسيين يقولون شوّهوها). كما أن أكبر الأبنية التي تستغل كإدارات وبلديات أو مراكز بريد، والتي إذا دخلتها شدتك أسقفها العالية، وحجارتها الضخمة، والرخام المنقوش الذي يزينها،هي فرنسيّة. مركز البريد في العاصمة، الذي سمي باسم «شارل ديغول»، شيّد على طريقة «الآرديكو» (Art deco) و«الفيكتوريان» (Victorien) و«الآسمونيان» (Asmonéen)، وهذا شائع في العمارة الفرنسيّة. كذلك فإنّ آثار المستعمر حاضرة وأنت تتابع نزولاً، إلى المدينة العتيقة، التي حافظت على طابعها. جولة صغيرة ستكون كافية لاكتشاف أسماء بإيحاء فرنسي، في العديد من شوارعها وأزقتها. فنهج «الحلوف» مثلاً، الذي يربط بين نهج جامع الزيتونة ونهج القصبة بقلب المدينة العتيقة، والذي تغير اليوم ليصبح نهج «القصابين» (أي الجزارين)، اكتسب اسمه الأول حين أقامت فيه بعثات قنصلية في فترة الاستعمار الفرنسي. ففي هذا النهج، كان جزارون يبيعون لحم «الحلوف» (الخنزير) لسكان المنطقة من الأجانب. لكن بلدية تونس ارتأت، منذ سنوات قليلة أن تغير اسم هذا النهج، من نهج «الحلوف» إلى نهج القصابين، لما يسببه من حرج لسكانه المتدينين.
الكثير من المعالم شارفت على الاندثار، والسبب ليس ثقافياً، أو حرباً على آثار الكولونياليّة. السبب باختصار هو الإهمال. إذ يكفي المرور قرب بلدية شارع قرطاج لكي يعتريك الحزن. المعلم الفني، الكبير والنادر، يُرمّم على نحوٍ عبثي، فيه اعتداء صارخ على الفن، وعلى المخزون الثقافي والتراثي الذي كان يجسّده.