إعداد مريم مرتضى
في 1914 نشرت صحف بيروت أخباراً مفادها أن «أغنياء بيروت» يريدون إنشاء شركة عقارية تتولى هدم الأبنية القديمة في المدينة، لإعادة بنائها على النسق المعماري الأوروبي من توسيع الطرق وترتيب الأرصفة. ولم يكذب الأغنياء خبراً، ففي 1915، كما يذكر عارفون بتاريخ المدينة، نظمت بلدية بيروت احتفالاً حضره والي بيروت العثماني آنذاك، بكر سامي بك، و«رؤساء الأديان»، وكبار المأمورين والأعيان، واستخدمت البلدية في هذا الاحتفال معولاً، استعمله الوالي العثماني، لهدم أول حجر من بناء برسم الهدم، من أبنية أسواق بيروت القديمة في وسطها.

تقرر حينذاك أن يكون عرض الشوارع الجديدة عشرين متراً. ومن ثمّ شقت الطرقات، بعد دخول الفرنسيين إلى لبنان، فأطلق على الشوارع الحديثة أسماء المندوبين السامين الفرنسيين الذين حكموا لبنان بعد انهيار السلطنة العثمانية. كانت الشوارع، التي تسمّى غالباً (الحارات)، والمحلات (جمع محلة، أي مناطق)، والزواريب البيروتية إبان الحكم العثماني، تسمى بأسماء ساكنيها من العائلات والطوائف، أو باسم القادة والأمراء، كما تبرز سجلات المحكمة الشرعية في بيروت، ومنها على سبيل المثال: حارة البربير، حارة درويش، حارة عبد القادر قرنفل، حارة اليهود، حي الباشورة، حي كرم الزيتون، شارع فخر الدين، زاروب الرشيدي، زاروب سابا، زاروب العراوي، زاروب المجذوب، زاروب الشيخ ناصر... لكن الاستعمار خلط الأوراق. في بيروت القديمة إبان الحكم العثماني، في نهاياته تحديداً، ازداد عدد الوافدين إلى بيروت الجديدة، من الولايات الشامية، من حرفيين وما شابه، وكانت الأسواق تسمى بحسب المهن التي تشتهر بها. كما أن المدينة القديمة كانت محاطة بالأبراج والأبواب، على نسق ليس أوروبياً أبداً، وهنا كانت تُرى الأفران والبساتين والمزارع والبرك، والثكن العسكرية (السرايات)، والجوامع والزوايا والكنائس والمعالم الدينية، والحمامات والخانات والساحات والمدارس والمعاصر والموانئ والمقاهي. هذه المعالم العمرانية اتخذت لها تسميات محلية في غالبيتها، ولم تدخل التسميات الأجنبية إلا إبان فترة الانتداب الفرنسي. وفي أحيانٍ كثيرة، تجاوزت التسمية رغبات المستعمر نفسه، وما زالت تتجاوزه، في الذاكرة التي تفترش قصصها على شوارع المدينة: هنا مدينة جنرالات الحربين العالميتين.

غورو 1996

كان قائداً عسكرياً «شرساً»، قاد جيش بلاده في الحرب العالمية الأولى، وكان من أصحاب النظرية العسكرية القائمة على «الهجوم حتى الإبادة». كان غورو أيضاً قائد القوات الفرنسية في معركة ميسلون الشهيرة. وهو الجنرال الفرنسي الذي أعلن خطة تقسيم سوريا «على أساس طائفي» إلى ست دويلات في عام 1920. عُرف عن غورو تضييقه على الوطنيين اللبنانيين والسوريين واعتقالهم، ويطلق اسمه على شارع بيروتي في حي الجمّيزة الواقع في منطقة الأشرفية، حيث سكن الجنرال الفرنسي، وفيما سمي الشارع المحاذي باسم العالم الفرنسي الشهير باستور، ثبت اسم شارع غورو ــ رسميّاً ــ في 1996.


ويغان النازي

يطلق اسم المفوض السامي الثاني على لبنان ماكسيم ويغان على الشارع المحاذي لبلدية بيروت. كان اسمه «شارع الفشخة»، قبل أن يصير، بعد توسعته في1894: «الشارع الجديد». تعامل ويغان مع النازيين، وأصبح وزيراً في حكومة فيشي في 1941. عرف عن الجنرال ويغان دعمه لأنصار «الجزائر الفرنسية» خلال فترة الحرب الفرنسية على الجزائر. بعد موته في العام 1965، رفض الجنرال شارل ديغول أن يقام لويغان جنازة عامة في مقبرة العظماء الفرنسية «انفاليد»، ودفن في مدافن عادية، لأنّ تاريخه تلطخ بالتعاون مع النازية. لكن لا يزال اسم الشارع في بيروت على حاله.


شارع ميشال زكور

اتخذ شارع اللنبي هذه التسمية نسبة إلى القائد العام البريطاني ادموند اللنبي، صاحب المقولة الشهيرة: «الآن انتهت الحروب الصليبية»، وذلك عند دخوله مدينة القدس في 1917. وكان في الشارع البيروتي الذي يحمل اسمه اليوم باب من أشهر أبواب بيروت القديمة: «باب الدركه». وكانت بلدية بيروت قد أطلقت اسم الصحافي والسياسي اللبناني المعارض للانتداب الفرنسي، ميشال زكور، على هذا الشارع في 1951، إلا أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تطبق هذا القرار.


كاترو الكاذب

يقع شارع الجنرال الفرنسي جورج كاترو في محيط منطقة بدارو في العاصمة بيروت. الجنرال الذي أذاع بيان «الاستقلال الرابع» (1941) معلناً استقلال سوريا ولبنان، وكان بياناً كاذباً. عُرف كاترو بأسلوبه الفظ في التعامل مع اللبنانيين، ويرد اسمه في صفحات كتاب التاريخ برأي كثير من المؤرخين «أكثر من اللزوم».

Père la Victoire

سمي شارع «كليمنصو» بهذا الاسم نسبة إلى رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو، خلال فترة الحرب العالمية الأولى.
صحيح أن اللبنانيين يعقبون بلازمة «قرب منزل جنبلاط في الحمرا»، إذا ذكروا اسم الشارع، إلا أنّ الشارع حافظ على اسمه «كلمينصو». يلقب الأخير بالنمر أو «أبو النصر» في فرنسا.
وهنا، يُعرف أنه أعطى البطريرك عريضة وعداً في 1919، بتحويل متصرفية جبل لبنان إلى كيان «ذي طابع خاص».

جادة ديغول

الشخصية الفرنسية الأبرز عملياً، في الحرب العالمية الثانية، هي شارل ديغول. ولم يفت اللبنانيون، طبعاً، أن يقدموا له اسماً في بلادهم. هذه المرة أطلقوه على جادة بحرية. عرف عنه مناوراته الاستعمارية تجاه الجزائر، ومعروف انه وصل إلى سدّة السلطة بدعم من مؤيدي «الجزائر فرنسية».
عاش ديغول في لبنان لمدة سنتين (1929-1931) عندما كان رائداً في الجيش الفرنسي. سميّت باسمه مجموعة كبيرة من المرافق الحيوية الفرنسية، أشهرها المطار الرئيسي في باريس.

حكاية فردان

هنا نحن لسنا أمام شخص، بل هي معركة «فردان». معركة حاسمة في الحرب العالمية الأولى، ولها مكانة خاصة في ذاكرة الفرنسيين، وقد ذهب ضحيتها عشرات آلاف الضحايا. فردان البيروتي هو شارع حيوي ورئيسي، وخلال الحرب العالمية الأولى كان شارعاً وديعاً وبلا عمران. في خرائط البلديّة، تحول فردان إلى شارع الرئيس رشيد كرامي، بعد اغتيال الأخير. لكن العالم ما انفكت تسمّيه باسمه الأول، على عكس شارع المفوض السامي الفرنسي هنري دي جوفنيل (الصورة)، الذي صار اسمه شارع عبد الحميد كرامي.

هنا باب السراي

يقع شارع المارشال فرديناند فوش في «الوسط التجاري». وهو من أبرز جنرالات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى. سمي هذا الشارع باسمه بعد انتصار الحلفاء على الألمان في تلك الحرب، خلال فترة الانتداب الفرنسي على لبنان. وفي رأس هذا الشارع كان يقع «باب السراي»، الذي هُدم في عام 1927، إثر المباشرة بتخطيط الشوارع في المدينة القديمة.