نهائي تاريخي في كرة المضرب لُعِبَ نهار الأحد الفائت. من شاهد المباراة التي جمعت الصربي نوفاك ديوكوفيتش والسويسري روجيه فيدرر يعلم أنّ ما حدث حينها كان استثنائياً. هو لم يكن النهائي الأطول في تاريخ بطولة ويمبلدون وحسب، بعدما استغرق 4 ساعات و57 دقيقة، بل أيضاً حُسم في المجموعة الخامسة بشوط فاصل بعد 24 شوطاً للمرة الأولى. اللافت ليس سعادة الجمهور بخمس ساعات من المتعة والحماسة المستمرين فحسب، بل أنّ كِلا اللاعبَين المتنافسَين في العقد الثالث من العمر، في الوقت الذي يعتزل فيه أبرز الرياضيين في عمرٍ كهذا. في التنس الوضع مختلف تماماً.من المعروف أن كرة المضرب تتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً يختلف عن سائر الرياضيات الأخرى. هذا الأمر أدى إلى بروز تساؤلات عديدة حول كيفية هيمنة لاعبين في العقد الثالث، أمثال رافاييل نادال (33 عاماً)، وروجيه فيدرر (38) ونوفاك ديوكوفيتش (32)، على اللعبة في العقد الأخير. في الوقت الذي كان يتوقع فيه الكثيرون اعتزال أحد هؤلاء قبل فترة، على الأقل فيدرر الذي سيبلغ عامه الـ38 قريباً، إلا أنهم لا يزالون يُحكمون قبضتهم على البطولات الكبرى. لاعبون شبان وواعدون أمثال النمساوي دومينيك تييم، والألماني ألكسندر زفيريف، واليوناني ستيفانوس تسيتسيباس، جميعهم خرجوا من الدور الأول من بطولة ويمبلدون الأخيرة. إلا أنّ الحال لم تكن هكذا دائماً. تاريخياً، شهدت رياضة التنس متوّجين في البطولات الكبرى في سن المراهقة، إذ كان اللاعبون يبلغون ذروة مسيراتهم في أوائل العشرينات، ثم يتقاعدون بسنّ أصغر من ديوكوفيتش وأندي موراي. قبل حوالى عقد من الزمن، كان لاعب التنس في قائمة «أفضل 50 لاعباً» يبلغ 25 عاماً تقريباً. أما اليوم، فهو يبلغ 30 عاماً. من جهة السيدات، يبدو هذا الاتجاه أقل وضوحاً، إلا أنه لا يزال قائماً. فقد ارتفع أيضاً متوسط العمر للاعبات ضمن قائمة «أفضل 50» من 23 عام 2008 إلى 27 عام 2018، تبعاً للعديد من المتغيرات. محاولة فهم وتحديد الأسباب الدقيقة التي تقع خلف بروز ظاهرة هيمنة اللاعبين الكبار السن على اللعبة قد تكون معقدة، لكن هناك عدة عوامل جسدية ونفسية يمكن ربطها بالأمر.
يسافر روجيه فيدرر برفقة مدرّبَين ومجموعة من الموظفين للاهتمام بشؤونه


اللياقة البدنية
إن كان هناك من أمر لافت في أداء هؤلاء اللاعبين، فهو اللياقة البدنيّة والقدرة العالية على التحمّل. مع التطور الطبي والتقدم في فهم الأنظمة الغذائية المناسبة للرياضيين، تحسّن مستواهم البدني من خلال اتباعهم نظاماً رياضياً وصحياً مختلفاً عن السابق، يضمن لهم شفاءً سريعاً من الإصابات ومستوى ثابتاً من الأداء خلال المباريات. ولضمان بقاء اللاعبين المحترفين في الملاعب لأطول فترة ممكنة، تغيّرت طرق التدريب. الفوز في لعبة التنس كان قائماً بشكل أساسي على المهارة، إلى جانب استخدام استراتيجية لعب محددة. كانت اللعبة تعتمد على لعب الكرة في الزاوية الصعبة كي لا يتمكن الخصم من ردّها. لذلك، ركز الجيل السابق من اللاعبين في تمارينه على ضرب الكرات. لاعبون مثل الأسطورتين الأميركيتين بيت سامبراس وأندريه أغاسي، واللذين كانا نجمي فترة التسعينيات، قضوا أوقاتاً طويلة وهم يعملون على تحسين ضرباتهم. يمكن لساعات من التدريب أن تمنح اللاعب تقنية مثالية في ضرب الكرة، لكنها لا تحميه من التأثيرات الجسدية لممارسة رياضة بشكل مكثف على مدار العام. لذلك، تغير الأمر مع الجيل الحالي، إذ أصبحوا يهتمّون بتطوير قدراتهم الرياضية الإجمالية، وليس فقط المهارات التقنية. بات هناك جزء كبير من تدريبهم يقوم على تحسين السرعة، والقوة، والقدرة على التحمل، وتقليل وقت الشفاء من الإصابة. تطوّر مستوى اللاعبين جسدياً، واكتسبوا القدرة على تحمل اللعب في مباريات تستمر لـ4 و5 ساعات متواصلة.

يحصل اللاعبون على مئات ملايين الدولارات (أ ف ب )

الاستقرار النفسي
إلى جانب الحضور البدني العالي لدى اللاعبين، يلعب العامل النفسي دوراً كبيراً في استمرار تفوّق هذه المجموعة. هم يحرصون على توفير البيئة المريحة والمناسبة من حولهم، والاعتناء بتفاصيل حيواتهم كافة، حفاظاً على استقرارهم الذهني، وهو جزء من عملية الاحتراف. روجيه فيدرر يسافر برفقة مدرّبَين، اختصاصي في العلاج الطبيعي، ومدرب للّياقة البدنية، ومجموعة من الموظفين، بينهم مربيات ومدرّسون لأولاده. يعتمد آندي موراي على نظام غذائي مُصمّم خصيصاً له، يقوم على تناول 3 علب من السوشي بعد المباراة. أما نوفاك ديوكوفيتش فينام في حجرة خاصة منخفضة التوتر. وطبعاً، ما يسمح لهؤلاء اللاعبين بالعيش في نمط حياة مكلف كهذا هو الأرباح المالية الضخمة التي يحققونها من الفوز بالبطولات. والأمر لا يقتصر على الجوائز المالية الناتجة عن البطولات، بل على الأرباح التي يحققونها من عقود الرعاية والإعلانات التي يظهرون فيها على اعتبار أنهم لاعبو النخبة. كل هذه الأموال تسمح لهم بالاعتناء بأنفسهم بشكل أفضل، والمشاركة في المنافسات بحضور ذهني عال. ويجب عدم تجاهل الثقة الكبيرة التي يتمتع بها هؤلاء اللاعبون. فعندما تفوز بعشرين بطولة غراند سلام كما في حالة فيدرر، لا شكّ أنّ هذا سيولّد ثقة بالنفس عالية جداً. لذلك، من الطبيعي عندما يواجه أي لاعب شاب خصماً مخضرماً كنادال أو ديوكوفيتش، فهذا سيبعث في نفسه القلق والتوتر، وقد يتأثر أداؤه بالضغط النفسي الذي يعيشه.
خلال السنوات العشر الأخيرة، برزت مجموعة من اللاعبين الشبان، بينهم الياباني كي نيشيكوري والبلغاري غريغور ديمتروف، الذين تمكنوا من تقديم أداء لافت خلال المنافسات والوصول إلى نهائيات الغراند سلام، إلا أنّهم فشلوا في كسر هيمنة «الثلاثة الكبار»، أي فيدرر ونادال وديوكوفيتش. لعبة التنس أصبحت في قبضة ثلاثة لاعبين سيطروا عليها بفضل جدارتهم ومهاراتهم، وتكريس كامل حيواتهم للفوز. من يمكنه إيقافهم؟ صحيح أنهم يكبرون في السن، إلا أنهم لا يتوقفون عن تعزيز مسيراتهم الحافلة بالألقاب، وكسب ملايين الدولارات عبر الصفقات التجارية والإعلانات. لا داعي إذاً للاعتزال الآن. قد يكون جزء كبير من الجيل الشاب قد ظُلم لأنهم ولدوا في عصر هذا الثلاثي الذهبي، إلا أنه لا يمكن إنكار أنّ جمهور التنس الحالي محظوظ لأنه يستمتع بمشاهدة أفضل من عرفتهم الملاعب.