عندما حطّ النجم الأرجنتيني كارلوس تيفيز في صيف 2013 في مدينة تورينو الإيطالية ليرتدي قميص فريقها الأشهر وعميد كرة «الكالتشيو»، يوفنتوس، كان التوجّس كبيراً هناك من هذه الصفقة. لم يكن ثمة خلاف وقتها على موهبة «الأباتشي» (كما يلقب)، إلا أن التخوّف كان إزاء شخصية اللاعب التي ارتبطت بالمشاكل وإثارة الجدل، وبالتحديد في فريقه الأخير مانشستر سيتي الإنكليزي، ما كان سبباً جوهرياً لخروجه منه.
كما كان الترقب سيد الموقف لمدى انعكاس الأشهر الأخيرة المريرة التي عاشها «كارليتوس» في مدينة مانشستر على معنويات اللاعب ونفسيته، هو الذي أُوقف فترة من إدارة «السيتيزينس» للواقعة الشهيرة برفضه الدخول احتياطياً في المباراة أمام بايرن ميونيخ الألماني في دوري أبطال أوروبا، كاشفاً بعدها السبب بأن مدربه حينذاك، الإيطالي روبرتو مانشيني، أساء معاملته وكذلك تفضيله باقي اللاعبين عليه، رغم نجاحاته مع الفريق، وقد أدى ذلك أيضاً إلى إنزال غرامة مالية كبيرة به وعودته لأسابيع إلى بلاده الأرجنتين، فضلاً عن الظلم الكبير الذي لحق بتيفيز من جماهير سيتي التي اتفقت - للمرة الأولى - مع غريمتها يونايتد، الفريق الأسبق للأرجنتيني، عليه، بحيث جابت حاوية في مدينة مانشستر دعت جماهير كلا الناديين إلى رمي قمصان تيفيز التي يمتلكونها في القمامة، وأكثر فإن اللاعب نفسه كشف لاحقاً أنه كاد أن يعتزل اللعبة برمتها بسبب أزمته مع سيتي.
يعيش تيفيز أجمل الفترات في مسيرته في الملاعب




على أي حال، فإن تيفيز عضّ على جراحاته المتتالية ورفض البقاء في موقف الضعف، رافعاً لواء التحدي في الملاعب الإيطالية مع «اليوفي» على كل ما لحق به من أذى. أول الانطباعات التي يخرج بها المتابع بعد حوالى سنة ونصف سنة قضاها تيفيز حتى الآن مع «البيانكونيري»، هي أن هذا اللاعب كشف، قبل كل شيء، عن شخصية قوية تختزن الكثير من روح التحدي.
هكذا، فقد كان الموسم الأول لـ«الأباتشي» في إيطاليا ناجحاً إلى أبعد الحدود، وقد أنهاه بـ 19 هدفاً في «السيري أ» في المرتبة الثالثة على لائحة الهدافين واختارته جماهير «اليوفي» كأفضل لاعب في الموسم بعد مساهمته الواضحة في التتويج باللقب الثالث على التوالي.
في الموسم الحالي، يبدو تيفيز، إذا ما واصل النسج على المنوال ذاته، سائراً نحو مرتبة أعلى في يوفنتوس كأحد أفضل اللاعبين الذين ارتدوا قميصه. لا مبالغة في هذا القول إزاء مشاهدة ما يفعله «كارليتوس». أول من أمس، سجل الأرجنتيني هدفين ولا أروع في مباراة كأس السوبر الإيطالية التي خسرها فريقه أمام نابولي بركلات الترجيح، أما في الدوري المحلي فيكفي القول إنه يتصدر حالياً لائحة ترتيب الهدافين بـ 10 أهداف مقدماً أداء هجومياً لا يضاهيه فيه أحد الآن في تلك البلاد. وهو لا يكتفي فقط بالتسجيل، بل بصناعة اللعب والأهداف مشكّلاً بالتحديد مع الموهوب الفرنسي بول بوغبا ثنائياً مذهلاً.
هذا الأداء دفع قبل فترة مدرب يوفنتوس السابق، مارتشيللو ليبي، إلى القول بأن تيفيز يذكّره بنجوم مروا على الفريق مثل التشيكي بافل نيدفيد والفرنسي زين الدين زيدان. وبالتأكيد كان الرجل ليقول أكثر من ذلك لو كان تصريحه بعد الهدف «المارادوني» الرائع الذي سجله «كارليتوس» في مرمى بارما بانطلاقة من منتصف الملعب. أما مواطن تيفيز، النجم السابق خوان سيباستيان فيرون، فقد خرج عن صمت طويل منذ اعتزاله مشيداً بما يقدمه «الأباتشي» مع «اليوفي» ومعتبراً أنه يعيش أفضل فترات مسيرته، وهذا ما أكده تيفيز نفسه لاحقاً.
على أنه لا يمكن هنا إبخاس يوفنتوس حقه في ما يمر به الأرجنتيني حالياً، وذلك لتوفيره أسباب الراحة المعنوية قبل المادية والفنية للأرجنتيني منذ أن حطّت قدماه في مدينة تورينو عندما تمّ تحديداً منحه القميص رقم 10 التاريخي في الفريق الذي ارتداه قبله أساطير مثل الفرنسي ميشال بلاتيني وروبرتو باجيو وأخيراً أليساندرو دل بييرو، رغم معارضة الجماهير بشدة لهذه الخطوة.
بالتأكيد لو تم استطلاع آراء هذه الجماهير حول الأمر ذاته الآن، فإن الانطباع سيكون مختلفاً كلياً وواحداً هذه المرة: الرقم 10 يليق بك يا «كارليتوس».