أبو ظبي | قد يرى كثيرون أن الخسارة التي تلقّاها البرج أمام الوحدة في أولى مباراتَيهما ضمن كأس الملك سلمان، كانت منتظرة ومنطقية. وقد يرى آخرون أن هذه الخسارة مجرد هزيمة في مباراةٍ لكرة القدم، فاز بها الطرف الأفضل بنتيجةٍ غير مفاجئة استناداً الى الميزان الفني للفريقين. أما البعض الآخر فقد يذهب الى القول بأنّه كان يمكن للفريق اللبناني الخروج بنتيجةٍ أفضل.لكن الاجتهاد في الرأي شيء والواقع شيء آخر لأنّ البرج لم يكن الوحيد الخائب في تلك المباراة، بل إن أبعاد الخيبة لا بدّ أن تطال أيّ لبناني موجود في العاصمة الإماراتية أبو ظبي ومتابع للفريق ومكان إقامته وملعب تمارينه والاستاد المضيف للمباراتين مع الوحدة.
ببساطة، الخسارة هي خسارة عامة، معنوية ونفسية يمكن أن تكون أصلاً قد تسلّلت الى نفوس اللاعبين قبل صافرة بداية اللقاء، انطلاقاً من شعورٍ بالنقص يمكن أن يطارد أيّ لاعب أو إداريّ أو مشجّع أو إعلاميّ أو متابع ومراقبٍ وحاضرٍ في مجمع الوحدة الذي استضاف ممثل الكرة اللبنانية في البطولة العربية.

فوارق ضخمة
هنا يمكن أن تشعر بالفوارق الضخمة بين الكرتين اللبنانية والإماراتية، والتي قد تدفعك الى الدخول في دوّامة استسلامٍ حتمي من دون أن تشعر أصلاً بالتأثيرات السلبية النفسية للانتقال الى لعب كرة القدم في مكانٍ مثالي لا يشبه بأيّ شيء ما تعيشه يومياً حول ملاعب مهجورة أو مدمّرة أو ذات أرضيّة اصطناعيّة تؤثّر على حضورك البدني والفني عندما تواجه فريقاً خارجياً.
«نفس الشي متل ملعب كذا وكذا... ». عبارةٌ ردّدها كثر ممّن حضروا الى أبو ظبي، وأرسلها كثر آخرون تعليقاً على أيّ صورة نقلتها وسائل التواصل الاجتماعي عن استعدادات البرج لمواجهة واحدٍ من أفضل الفرق الإماراتية وأعرقها، والذي لم يستطع القدوم الى لبنان لخوض إحدى المباراتين لسببين، أحدهما بلا شك سوء البنية التحتية الذي لا يسمح باستضافة مبارياتٍ دولية في الفترة الحالية.
ما يعيشه الإماراتيّون من ازدهار على مستوى الرياضة وغيرها يكفي لخلق حالة استسلامٍ عامّة عند أيّ لبناني


من هنا، وصل البرج إلى الإمارات، فأقام على بُعد أمتارٍ قليلة من ستاد آل نهيان الذي تعرّف عليه اللبنانيون عندما خاض عليه منتخبهم مباراةً في تصفيات مونديال 2014. لكن منذ تلك السنة وحتى يومنا هذا، تغيّرت الأوضاع، فاهترأت الملاعب وتدمّرت في دولةٍ مهترئة ومفلسة، وذهبت الإمارات الى استضافة كأس آسيا 2019، وبات بإمكان الفرق الضيفة أن تقيم في فندق خمس نجوم يحمل اسم الوحدة (غراند ميلينيوم - الوحدة)، وفي داخله كل التسهيلات وممرّ حتى الى مجمعٍ تجاري كبير يحمل أيضاً اسم النادي المضيف!

سقوط الشعارات
حسناً، هذا ليس كل شيء، إذ إن الإبهار في كل الجوانب الخاصة بالضيافة يمكن أن يخلق حالة استسلام لا يُلام عليها أيّ لاعبٍ قادمٍ من بلدٍ مثل لبنان، حيث الموارد معدومة ليواجه فريقاً بإمكانات ضخمة على مختلف المستويات، فيقول في قرارة نفسه: «لا، لا يمكننا هزيمتهم. نحن ليس لدينا ملعب تمارين أفضل، ولا ملاعب مباريات مشابهة. لا نشمّ رائحة العشب الطبيعي، فكيف نهزمهم؟».
هنا تسقط كل تلك الشعارات الإنشائية التي لا تُغني ولا تُسمن، ففي كرة القدم المكاسب هي لصاحب القدرات المالية الأكبر التي تفرز الإنجازات، فلا مكان للأمنيات الناتجة من تحفيزٍ كلامي، الذي لا يفرز النتائج، إذ إن زمن اعتبار أن الروح القتالية والطموح يمكن أن يجلبا الانتصارات قد انتهى لأن النجاحات هي ثمار ما تزرعه في المعشّب الأخضر.
هناك سقط البرجيّون بشكلٍ منطقي، ولم يكن مستغرباً بعد المباراة أن يحكي البعض عن حالة تسليم بالأمر الواقع منذ الدقائق الأولى، فما اختبره عناصر هذا الفريق، وقسمٌ منهم من اللاعبين الشبّان قد يكون سبباً رئيسيّاً في ما ظهروا عليه فنياً، إثر اكتشافهم تلك الفوارق الهائلة، وتقصير دولتهم تجاه لعبتهم لناحية عدم تأمين الحدّ الأدنى من المقوّمات الكفيلة بدفع كرة القدم نحو الأمام.
سيترك فريق البرج ومن رافقه مجمّع الوحدة والإمارات في نهاية الأسبوع بعد خوض المواجهة الثانية مساء السبت المقبل، حاملاً وإياهم الكثير من الخيبات التي طارت معه من دون أن يعلم من بيروت لتحطّ في معسكره الإماراتي المثالي الذي أخذ منه الكثير من الدروس الى اللعبة المحلية عامةً، التي أصبحت مطالبة بمجهودٍ أكثر من مضاعف لمحاولة اللحاق بأقرانها العرب، أقلّه الذين سبقوها بمراحل كثيرة، حيث يمكن أخذ العِبَر مما فعلوه ليصلوا الى ما أصابوه.
أما هم فلم يأخذوا منّا شيئاً ولم يضيفوا الى جمال ملاعبهم وكرتهم سوى ما ردّده جمهورهم من موشّحات مستعيناً بأغنيات لبنانية بدأت مع «نسّم علينا الهوا» للسيدة فيروز، واختُتمت في نهاية المباراة بـ«خلّيني شوفك بالليل» للفنانة نجوى كرم.
حسناً، ربما لن يروا مستقبلاً، في النهار أو في الليل، فريقاً لبنانياً آخر على هذا المستوى الدولي، وذلك في حال استمرار البلاد وهي تُحتضر وتقتل معها الحجر وطموح البشر.