دبي | معسكر خارجي أوّل عاشه منتخب لبنان لكرة القدم في عهد مدربه الجديد ألكسندر إيليتش، يؤسّس لمرحلةٍ جديدة، ومباراة دولية أولى مع الصربي تركت مؤشرات إيجابية وانطباعات بأن الطريق لا يزال طويلاً لإعادة بناء المنتخب حيث العمل المطلوب ليس بقليل.7 أيام قضاها منتخبنا في دبي الإماراتية، بدا فيها اللاعبون مرتاحين وملتزمين إلى أبعد الحدود، إذ لم يظهر على أيٍّ منهم أي امتعاض من التمارين أو عددها بعدما عمد إيليتش إلى مواصلة عمله الدؤوب في ما خصّ رفع المستوى البدني للاعبيه، معتمداً على حصتين تدريبيتين في اليوم نفسه في بعض الأحيان. هو في نهاية المطاف ابن المدرسة الصربية التي تعطي الأولوية للياقة البدنية في موازاة العمل على الجوانب الاستراتيجية التي تحتاج إلى الوقت لكي تتطوّر بحُكم حاجة اللاعبين إلى التأقلم معها لناحية حفظ أدوارهم وتحركاتهم على أرضية الميدان.
في معسكر دبي، عرف اللاعبون أن كرة القدم الحقيقية بعيدة عنهم كما هي حال البُعد في المسافة بين الإمارات وأرض الوطن، إذ إن أقل المعايير لتطورهم ليست متاحة في لبنان. وهنا الحديث عن ملعب العشب الطبيعي الذي كان بمثابة الشيء الممتع جداً بالنسبة إليهم، إن كان في النادي الإيراني حيث خاضوا حصصاً تدريبية أو في ملعب ضباط شرطة دبي حيث خاضوا المباراة الوديّة أمام الكويت.

تمارين بدنية وتكتيكية
وفي ظل هذه الأجواء الصافية والوقت المتاح للعمل، حاول إيليتش الاستفادة من التجمع إلى أبعد الحدود، مصوّباً عمله في اتجاهاتٍ مختلفة، تبدأ من حسن التمركز، وتمرّ من خلال التحرك الهجومي من دون كرة، وتُستكمل بالتحركات الهجومية في الكرات الثابتة، وخصوصاً من الركلات الركنية. كما ركّز في مكانٍ ما على وضع بعض اللاعبين تحت الضغط عند حصولهم على الكرة لمعرفة كيفية تصرفهم في هذه الحالة.
ومن المحطات اللافتة التي شهدتها التمارين، كانت مسألة سرعة الانتقال من الحالة الدفاعية إلى الهجومية من خلال سلسلة تمريرات، في موازاة التنويع لجهة بناء الهجمة، إضافةً إلى نقل الكرة إلى الأمام عبر لاعبٍ محوري قد يكون عائداً أحياناً من خط المقدّمة لاستلامها، ليخلق بذلك مرونةً وخيارات أكثر للاعبين الذين يعانون من ضغط الخصوم.
هذه النقطة بالتحديد بدأ المنتخب العمل عليها منذ اللحظات الأولى للمواجهة أمام الكويت في ظل الضغط المخيف الذي مارسه «الأزرق»، لكن إصابة باسل جرادي عطّلت النظام وتركت نادر مطر وحيداً في محور استلام الكرة والظهور على خط التمرير، فذهب مراراً باتجاه المنطقة الخلفية للاستلام وتوزيع الكرات الطويلة الكفيلة بالخروج من الضغط وإطلاق الهجمات.
بطبيعة الحال ووسط الأداء الجيّد الذي قدّمه المنتخب في الشوط الأول من اللقاء، كانت هناك مؤشرات جيّدة، إذ إن «رجال الأرز» كانوا الطرف الأفضل والأخطر لا بل حصلوا على فرصة افتتاح التسجيل من ركلة جزاء أهدرها نجمه حسن معتوق في مباراته الدولية الرقم 100، والتي احتفل بها ورفاقه بقميصٍ خاص قبل اللقاء، وذلك بعدما أصبح أكثر لاعب خوضاً للمباريات الدولية في تاريخ منتخب لبنان.
(هيثم الخاتم)

مرحلة انتقالية حساسة
ركلة الجزاء هذه قابلتها أخرى مشكوك في صحتها للكويتيين احتسبت على زين فران الذي كان أحد البدلاء الجيّدين مثل حسن كوراني وكريم درويش الذين أكدوا أنهم يستحقون مكاناً في المنتخب وفرصةً أكبر ودقائق أكثر على أرض الملعب، بينما يمكن أن يشكّل الوافد الجديد دانيال لحود إضافة هجومية إيجابية انطلاقاً من سرعته وحسن تحركه وعمله على إيجاد المساحات للانطلاق منها، ولعبه بالقدمين برشاقة.
لحود نفسه، ورغم أنه خاض مباراته الدولية الأولى، بدا وكأنه ينتظر منذ ولادته فرصة اللعب مع منتخب لبنان، متحدثاً عن مسارعته للحصول على جواز سفر لبناني عندما طُلب منه هذا الأمر، فكان محظوظاً لأن جدّه احتفظ بأوراقٍ ثبوتية لبنانية، وهو الذي يتحدّر اليوم من عائلة لا يعرف أي من أفرادها سوى اللغة الإسبانية، لكن لبنانيتها بدت حاضرة في رغبة الشاب اليافع والشغوف بالقميص الأحمر باللعب مع منتخب بلاده الأم.
وبين هذه المحطات كان مهماً جداً بالنسبة إلى إيليتش وفريق عمله الذي كان مكتملاً في دبي، اكتشاف ما يمكن أن يقدّمه لاعبوه على الساحة الدولية، وخصوصاً اللاعبين الذين ينشطون في الدوري المحلي ولا يحصلون كل يوم على فرصة اللعب على أعلى مستوى، وقد بدا بعضهم بحاجةٍ ماسّة إلى هذا الاحتكاك وأكثر كون اللعب مع الأندية اللبنانية لا يخلق تحديات بنفس الحجم الذي تكون عليه عادةً في المباريات الخارجية التي حدّدت إمكانات بعضهم، وتركت انطباعاً بأن المرحلة الانتقالية ستحتاج إلى الوقت وإلى العمل الدؤوب وإلى وضع خطةٍ دقيقة وحذرة والتركيز على تحسين الأداء قبل النظر إلى النتائج التي بلا شك مهمة لرفع المستوى المعنوي، وهو ما يحتاجه منتخبنا أيضاً في المرحلة المقبلة المليئة بالتحديات الفردية والجماعية بهدف الوصول إلى توليفة نهائية تعكس صورةً طيّبة عن اللعبة في كأس آسيا.