عام 2016 استضافت أوزبكستان نهائيات كأس آسيا للفوتسال، وهي كانت مؤهّلة إلى كأس العالم في كولومبيا. آمالٌ كبيرة وضعت حول منتخب لبنان عامذاك، ورشّحه كثيرون للعبور بسهولة إلى المونديال، وذلك انطلاقاً من سمعته المعروفة على الساحة القارية، وأيضاً لأنه ضمّ مجموعةً من اللاعبين الذين يعرفون ماهية كأس آسيا، وهم الذين لعبوا سويّاً لفترةٍ غير قصيرة.لكن رجلاً واحداً لم يكن مؤمناً بالتأهل إلى هذا الحدّ ولو أنه تمسّك بأحلامه طوال فترة التحضير للبطولة، دافعاً لاعبيه إلى أقصى الحدود لتقديم كل ما لديهم تحت شعار: «التأهل إلى المونديال سيغيّر مسيرتكم وحياتكم إلى الأبد».
هو المدرب الإسباني باكو أراوجو الذي وصل إلى لبنان قبلها بخمس سنوات، ونقل المنتخب واللعبة بسرعة إلى مستوى آخر، وكاد يصيب الحلم المونديالي من أوّل مشاركة آسيوية له قبل أن يفوّت منتخبنا القطار بفارق هدفٍ واحد خلال النهائيات التي أقيمت في دبي الإماراتية.
أراوجو شدّد في تلك الفترة على أن هناك خطة إعدادية محددة يجب اتباعها، وهي ستضمن العبور إلى الحدث العالمي، إذ برأيه لم تكن تهم الأسماء ولا تلك الهالة الإعلامية الضخمة التي أحاطت بالمنتخب ومجّدت لاعبيه وحسمت تأهله إلى كأس العالم، بل الأهم هو العمل الحثيث وعزل التشكيلة في معسكرات خارجية تتخلّلها مبارياتٍ مع منتخباتٍ عالمية من الصف الأول.
الخطة هذه بقيت على الورق بعدما عمل عليها المدرب ومساعديه في الجهاز الفني لأسابيع، لكن ظروفاً معيّنة حالت دون تنفيذها، فكانت النتيجة خروجاً صادماً من الدور الأول ولو أن المنتخب لم يخسر إلا مباراةً واحدة وبصعوبة أمام أوزبكستان المضيفة.

التغيير غير المثمر
قبل العودة إلى بيروت، أشار أراوجو إلى لاعبيه بأن الكل يتحمّل مسؤولية ما حصل وأنه لن يتابع مسيرته مع المنتخب حتى لو كان لديه خيار التمديد لأن المنطق يقول إنه عندما تفشل عليك أن تستقيل وتترك فرصةً للتغيير الضروري.
التغيير حصل بالفعل، لكن النتيجة الأخيرة للمشاركة الآسيوية ووضع اللعبة محلياً بشكلٍ عام، يشيران بوضوحٍ إلى تراجعٍ كبير لم تعرفه الفوتسال منذ إطلاق بطولاتها الرسمية، فكانت مدة الاستمرار في النتائج الجيّدة قصيرة، ودامت لفترةٍ معيّنة بحيث استفاد المنتخب من العمل المثمر السابق على صعيد الأندية والدوري والمنتخب، والذي ترك إفرازاته الإيجابية لكن مع تاريخ انتهاء.
انتهت مدة الصلاحية وغابت الإنتاجية المطلوبة لأسبابٍ عدة، فعادت اللعبة سنواتٍ إلى الوراء لا بل إلى النقطة الصفر حيث كانت البدايات تشهد هزائم ثقيلة كتلك التي لقيها منتخبنا أمام إندونيسيا (2-7) وإيران (0-9) في البطولة الآسيوية الأخيرة.
إذاً لبنان الذي قارع كبار آسيا نسخةً بعد أخرى، وبلغ غالباً الدور ربع النهائي، عاد إلى زمن المشاركة لمجرد الحضور لا أكثر، وهي مأساةٌ تتحمل مسؤوليتها أطراف عدة ولها أسبابها التي لا بدّ أن تدفع اليوم إلى المحاسبة أوّلاً ومن ثم إلى التغيير وبعدها إلى إعادة البناء على أسسٍ جديدة.

أسباب الفشل
أوّل أسباب النكسة الآسيوية هو تراجع مستوى الدوري بشكلٍ كبير، إذ إن هذه البطولة التي استقطبت سابقاً نجوماً أجانب ذائعي الصيت، وجمهوراً كبيراً احتشد في مبارياتها التي نُقلت تلفزيونياً حتى، استسلمت من دون بحثٍ عن مستثمرين أو داعمين، فبدا وكأن تنظيمها هو لإبقاء النشاط حيّاً. والأسوأ هنا أن دوري الدرجة الأولى ودوري الشباب الذي قيل إنه سيكون المدماك الأساسي لتقديم منتخباتٍ قوية مستقبلاً، لم يتمكنا من إنتاج لاعبٍ واحدٍ بمستوى خالد تكه جي أو علي طنيش «سيسي» أو كريم أبو زيد، ما يعني أن آليةً جديدة كان من المفترض أن توضع لتغيير الحال، وهو ما تمّ تجاهله وسط الحديث عن مشكلات مختلفة في الكواليس بين صنّاع القرار في اللعبة، منها في البطولات ومنها في المنتخب، ما ترك أثره السلبي أيضاً، وخصوصاً مع وجود أكثر من وجهة نظر في كل مرّةٍ تمّ فيها اختيار المدرب الجديد أو فريق عمله.
تحمّل مسؤولية الفشل أو كشف المتسببين به هو الخطوة الأولى للتغيير نحو الأفضل


أما ثاني الأسباب فيرتبط باللاعبين أنفسهم، إذ إنه بعد انتفاء الاستفادة المادية الكبيرة من اللعبة وجّه أبرز النجوم أنظارهم إلى الملاعب الكبيرة، فخسر المنتخب تباعاً أساسييه والمؤثرين في التشكيلة، وكان آخرهم أحمد خير الدين الذي وقّع مع النجمة في الموسم الجديد لكرة القدم. هنا، أشار القيّمون إلى عملية تغييرٍ ومرحلةٍ انتقالية محورها الاعتماد على جيلٍ جديد، وهي مسألة كانت لتبرّر النتائج التي سُجّلت في الكويت، لكن الحقيقة أن نصف تشكيلة المنتخب تقريباً ضمّت لاعبين مخضرمين ومنهم من قيل سابقاً بأنه سيتم استبعادهم لإعطاء فرصةٍ للشبان.
الواقع أن التغيير يجب أن يحصل بالفعل لكن على مختلف المستويات انطلاقاً من المنطق الاحترافي الرامي إلى التطوّر، وهو ما يعيدنا ببساطة إلى كلام أراوجو عقب نكسة 2016 حول المسؤولية وتحمّلها أو البحث عن الأسباب والمتسببين للمضي قدماً نحو مستقبلٍ أفضل يعيد إلى لبنان سمعته الطيّبة في الفوتسال.