عندما وصل مدرب منتخب لبنان السابق ومنتخب مونتينغرو الحالي ميودراغ رادولوفيتش إلى بيروت لبدء مشوار الإشراف على «رجال الأرز»، قال إنه عاش صدمةً لدى زيارته تمارين عددٍ لا يستهان به من الأندية.«رادو» الذي عمل بجهدٍ على تطبيق نهجه الخاص، كرّر مراراً خلال الأعوام التي قضاها جوّالاً بين الملاعب اللبنانية (2016-2019)، بأن الأساليب التدريبية المتّبعة شبيهة بتلك التي تعطى لطلاب المدارس أو تعود إلى تسعينيات القرن الماضي.
كلامٌ لم يعجب الكثيرين، لكنّ المشكلة لم تكن في التصويب على فرق الدرجة الأولى حصراً، بل إن الموضوع التدريبي يبدو متشعّباً، ويلحظ مسائل عدة، منها الاختصاص، ومنها التطوير والأنظمة التدريبية العامة المعتمدة، والعقلية السائدة التي تفرز منظومة تدريبية هشّة.
لا هوية للمدرّب
عملياً تبدأ المشاكل التدريبية التي تؤثّر في النظام العام للعبة وفي إمكانية تخريج جيلٍ من اللاعبين بفكرٍ كروي متقدّم، من خلال عدم وضوح الصورة الخاصة بالمدرب في الأندية التي تذهب أحياناً إلى تعيين لاعبيها السابقين في مناصب فنيّة مختلفة من دون أن يكونوا قد خاضوا دوراتٍ تدريبية حتى. والأسوأ أن بعضهم يتنقّل بين الفئات العمرية وربما الدرجة الأولى مدرباً أو مساعداً ومن ثم يعرّج على الأكاديمية، وكأنه متخصّص في كل المجالات.
هذا في وقتٍ يبدو المطلوب فيه أن يتمتع المدرب بهويةٍ واضحة، إذ إن لكل فئة عمرية مدرباً خاصاً بها في البلدان المتقدّمة، سبق أن تلقّن الأساليب الكفيلة بتطوير اللاعب في سنٍّ معيّنة، وهي أساليب لا تتناسب إطلاقاً مع لاعبٍ أكبر أو أصغر سنّاً.
وما يزيد الطين بلّة ويقف عثرةً دون خلق نظامٍ واضحٍ ومثمر هو أن مستوى غالبية المدربين الأجانب يبدو عادياً، بينما لا يفرز النظام مدربين محليين قادرين على تطوير اللعبة لأن بعضهم مثلاً لا يحصل على الفرصة اللازمة لإثبات جدارته أو لاكتساب أكبر قدرٍ من الخبرة، فتجد أن أنديةً تعيّن مدرباً محلياً وهي تفكّر في كيفية إيجاد بديلٍ أجنبي له بأسرع وقتٍ ممكن، فتتم إقالته بعد ثلاث أو أربع مراحل.

أساليب مكرّرة وقديمة
من هنا، نجد أن هناك الكثير من المدربين يكرّرون أنفسهم في التعامل مع الفرق التي يشرفون عليها أو يدرّبون بالطريقة نفسها، أو يذهبون إلى اعتماد طرقٍ كلاسيكية قديمة عرفوها أيام كانوا لاعبين تحت إشراف مدربيهم السابقين الذين اعتزلوا أو رحلوا عن الدنيا منذ زمنٍ بعيد.
لذا، يمكن تفسير مسألة وصول اللاعب الشاب إلى الدرجة الأولى أو إلى المنتخبات غير حاضر ذهنياً أو تكتيكياً، فيضطر مدرب الفريق الأول أو مدرب المنتخب إلى تلقينه أشياء يفترض أنه تعلّمها في سن الرابعة عشرة على أبعد تقدير.
وفي هذا الإطار، شكا أحد مدربي فرق الدرجة الأولى، رافضاً الكشف عن اسمه في حديثه إلى «الأخبار»، بأنه أعطى لاعبيه تدريباً كان يعتمده مع الصغار في إحدى الأكاديميات التي عمل فيها سابقاً، فكانت المفاجأة أن أحداً من لاعبيه الحاليين لم يتمكن من تطبيق التدريب المطلوب.
تتحمّل بعض الأندية مسؤولية عدم تطوّر الكادر التدريبي في لبنان


فعلاً الموضوع متشعّب، لكن الأساس هو طرق التدريب والعقلية المعتمدة في النظام العام الكفيل بتخريج مدربين أصحاب فكرٍ عالٍ، إذ إن أبرز ما يعيق تطور اللعبة إلى جانب الملاعب المهترئة وعقلية اللاعب اللبناني غير المحترفة، والواقع الاقتصادي الصعب، هو ضعف المستوى التدريبي.
أمرٌ يعيده البعض إلى القدرات المالية المحدودة للأندية غير القادرة على إرسال مدربيها لخوض دورات تطويرية متقدّمة أو فترات معايشة مع أندية أوروبية. وتنسحب هذه المسألة أيضاً على المدربين الذين يتقاضون مبالغ متواضعة بالكاد تكفيهم لتسيير أمورهم المعيشية، وبالتالي يعجزون عن فعل ما يقوم به مدربون كثر في كرة السلة مثلاً لناحية سفرهم المتواصل للانخراط في دوراتٍ تدريبية بإشراف مدربين معروفين، فكان نشاطهم المذكور أحد الأسباب في شقّ طريق المنتخبات المختلفة نحو الساحات العالمية.
باختصار، المدرب المحلي يتيم ومظلوم أحياناً، ومغلوب على أمره في أحيانٍ أخرى، وغير قادر على مواكبة التطوّر الخارجي، ولم تصله غالبية الأساليب الجديدة الكفيلة بتطوير لاعبيه، وبالتالي برفع مستوى اللعبة عامةً، وهي التي تحتاج اليوم إلى أكثر العقول ذكاءً ودرايةً، وإلى اهتمام الأندية بطريقة التعامل مع توزيع مدربيها على مختلف الفئات ووصولاً إلى الفريق الأول، وذلك بطريقة تنفع ولا تضرّ.