الحنين إلى الماضي كان حاضراً دائماً في العصر الحديث لكرة القدم اللبنانية، حيث حنّت الأندية إلى ملاعبها ومدرّبيها القدامى ونجومها السابقين. هو الحنين نفسه الذي دفعها في مناسباتٍ عدّة إلى منح أكثر من فرصة لهذا المدرب أو ذاك، أو العمل على إعادة أحد لاعبيها بعد استغنائها عنه، وذلك بعدما اكتشفت مدى التأثير السلبي لخروجه من الفريق.ومما لا شك فيه أنه ليس هناك من تأثير أكبر من ذاك الذي تركه اللاعبون الأجانب عبر السنوات في ملاعبنا، وهو الأمر الذي بدا واضحاً حتى عند العودة إلى الاعتماد على لاعبٍ أجنبي واحد حتى في القسم الأخير من الموسم الماضي.
من هنا، بدأت أندية الطليعة وتلك الطامحة بلعب دورٍ أساسي في مضمار المنافسة على المراكز المتقدّمة وعلى اللقب، تعمل على تحصين نفسها من خلال استخدام الأسلحة التي سبق وأن اكتشفت جودتها.
قام الأنصار بضمّ نجمه السابق السنغالي الحاج مالك تال ولاعب الوسط التونسي حسام اللواتي (طلال سلمان)

هذه المسألة عرفها نادي العهد مثلاً في حالة الهدّاف التونسي أحمد العكايشي الذي ارتدى ألوانه مجدداً في سداسية الأوائل ليساهم بشكلٍ لافت في استعادته لقب الدوري. والخطوة عينها فعلها نادي الأنصار الآن في «الميركاتو» الصيفي بضمّه نجمه السابق السنغالي الحاج مالك تال ولاعب الوسط التونسي حسام اللواتي، بينما ذكرت مصادر عدة أن النجمة حاول استعادة مواطن الأخير مراد الهذلي وأيضاً لاعب وسطه السابق السنغالي مامادو نيانغ قبل أن يوقّعا مع فريقَين آخرين. أما البرج فقد اتخذ اتجاهاً آخر بضمّه للمهاجم الغاني دينيس تيتيه الذي برز مع الإخاء الأهلي عاليه بعد انضمامه إليه في سداسية الأواخر.
أضف أن أندية عدة عادت سنوات إلى الوراء وفتحت باب المفاوضات مع لاعبين أجانب سابقين دافعوا عن ألوانها بغية استعادة خدماتها. لكن لماذا تتخذ الأندية هذا الاتجاه، وما هي الأسباب التي تدفعها إلى عدم البحث عن أجانب جدد في أحيانٍ كثيرة؟

الخوف من الهدر
أول هذه الأسباب هو الخوف من إصابة الفشل في الملف الأجنبي، فاستقدام لاعب تعرفه حتى لو غاب عنك لفترة أفضل بكثير من التعاقد مع وجهٍ غريب يمكن أن يمثّل صفقةً فاشلة.
هذا الفشل لم يعد يحتمله أي نادٍ لسببٍ بسيط وهو عنصر المال، إذ تختلف الأوضاع عمّا كانت عليه سابقاً، فلا مجال لاستقدام الأجانب بالجملة ودفع تكاليف سفرهم لتجربتهم واختيار الأفضل بينهم. كما ليس هناك من استعداد لدى الأندية للمخاطرة بأي استثمارٍ بل إن الأفضل بالنسبة إليها دفع مبلغٍ أكبر للاعب تعرف مردوده سلفاً عوضاً عن المجازفة بأموالها مع لاعبٍ جديد.
الرؤساء يفضّلون الأجنبي القديم خوفاً من خسارة أموالهم


أما السبب الآخر فهو ما تفضّله الإدارات أكثر من المدربين أي ضمّ لاعبين يتركون اطمئناناً لديها حتى لو كان المدربون لا يحبذون فكرة عودتهم إلى النادي، وهي مسألة يعيدها أحد وكلاء الأعمال الناشطين منذ زمنٍ في كرة القدم اللبنانية إلى عدم ثقة رؤساء الأندية بأجهزتهم الفنية وبخياراتها في الكثير من الأحيان، فيذهبون إلى اختيار الأجانب بنفسهم ويدفعونها باتجاه المدرب. أما الأخير فيفضّل في مكانٍ ما القبول بخيارات الرئيس لكي يرفع عن نفسه المسؤولية في حال لقي الأجنبي الفشل فيغسل بالتالي يديه منه.
لا شبكة أمان
الواقع أن الأندية نفسها لها دور في عدم تطوّر أفكارها الفنية، إذ إنها تفتقد إلى شبكة علاقات خارجية تثق بها يمكنها أن ترمي باتجاهها أسماءً أجنبية تخدم مصلحتها. والأمر اللافت في هذا الإطار أن هناك سهولة في الوصول إلى أصحاب القرار في الأندية ما يحوّل أي أحد إلى «وكيل لاعبين»، وبالتالي يذهب إلى عرض أجانب على هذه الأندية من دون أن يكون متعمّقاً في مدى إمكانية تقديمها المردود الفني الذي يحتاجه الفريق أو أن يسدّ الثغرة المطلوبة.
وفي هذا الإطار يمكن التوقّف عند نقطتين أوّلهما غياب المدير الرياضي الذي يمكنه أن يقيّم الصفقة فنياً قبل حصولها، وثانياً غياب الكشافين الذين يمكنهم العودة بتقريرٍ فني واضح حول أي أجنبي تمّ رصده. أما النقطة الأهم التي قد تفوت بعض الأندية فهي أن إعادة الأجنبي القديم قد لا تحمل نتيجة إيجابية محسومة، والسبب أن عدم متابعته فنياً قد يفوّت مسألة اكتشاف مدى حفاظه على مستواه السابق، إضافةً إلى احتمالٍ منطقي لعدم نجاحه مع المجموعة الجديدة التي انضم إليها، إذ قد يكون بحاجةٍ إلى الوقت للتأقلم أو قد لا ينسجم أبداً مع مدربٍ جديد أو لاعبين لا يلتقون مع قدراته الفنية ومقاربته التكتيكية على أرض الملعب التي لا بدّ من أن تندمج مع بقية اللاعبين لكي يستفيد الفريق من لاعبه الأجنبي إلى أقصى الحدود.
المهم أن اختيار الأجنبي يرتكز على معايير معيّنة، حتى لو كان معروفاً بالنسبة إلى الأندية التي تستهدفه، فهي تحتاج إلى بناء دائرة ثقة مع كل من يحيط به من وكلاء وفنيين ولاعبين من أجل اكتشاف حقيقة مستواه قبل أن «تأكل الضرب» ويفوت الأوان.