لا شك في أنّ ريال مدريد كان العنوان الأجمل لمسابقة دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، إذ إنه قدّم دروساً في عدم الاستسلام والرغبة والإصرار في عالم كرة القدم.أمام باريس سان جيرمان الفرنسي ثم أمام تشلسي الإنكليزي ترك الريال وقائده الفرنسي كريم بنزيما مشاهد لن تُمحى من الذاكرة في وقتٍ قريب، أعادت التذكير ربما بزمن سيطرة فريق العاصمة الإسبانية على لقب المسابقة القارية الأم.
فعلاً، بدا كلّ سيناريو وكأنه نسخة طبق الأصل عن مشاهد قديمة عرفها النادي الملكي خلال تاريخه الطويل الذي حمل 13 لقباً أوروبياً، لتبدو هذه المسابقة وكأنها خُلقت له.
الواقع أنّ ريال مدريد وجد دائماً من يستطيع صناعة المجد الأوروبي، إن كان على صعيد اللاعبين النجوم أو الأهم على صعيد المدربين ومنهم مدربه الحالي كارلو أنشيلوتي الذي يمكن الجزم بأنه لعب دوراً حاسماً في إخراج الانتصارَين البطوليَّين لفريقه على باريس سان جيرمان وتشلسي.
ومن أنشيلوتي يمكن الانطلاق للحديث عن أفضلية ممكنة للريال على السيتي، إذ إلى جانب الخبرة الواسعة لعددٍ من لاعبي الفريق الأبيض في المحطات الحاسمة من «التشامبيونز ليغ» هناك مدربهم الذي فاز باللقب ثلاث مرات، وهو إنجازٌ يتقاسمه مع خليفته الفرنسي زين الدين زيدان، وأوّل من حققه مدرب ليفربول الإنكليزي السابق الراحل بوب بايسلي.
بالطبع مدرب مانشستر سيتي الإسباني جوسيب غوارديولا ليس بعيداً عن هذا الإنجاز، لكنّ الخبرة تلعب دورها هنا، إذ عندما اعتزل غوارديولا اللعب كان أنشيلوتي في العام العاشر من مسيرته التدريبية. أضف أن «بيب» ورغم حنكته الواسعة افتقد إلى قراءة صحيحة للمباريات في المناسبات الكبيرة من البطولة القارية منذ تركه لفريقه الأم برشلونة، فكانت آخر النكسات في نهائي العام الماضي أمام تشلسي.
متابعو كرة القدم ينقسمون إلى معسكرين يرجّح كلٌّ منهما طرفاً في الموقعة الكبرى


إذاً، أنشيلوتي هو ملهم كبير في هذه الموقعة، لكن هناك من هو أكثر تأثيراً منه ألا وهو بنزيما. هذا الهدّاف المرعب يسير بثبات نحو حسم لقب أفضل لاعب في العالم قبل انتصاف السنة، وهو بإمكانه إنهاء الأمر في حال إقصائه مانشستر سيتي بعدما انفجرت موهبته بشكلٍ كبير في الدورَين السابقَين ليدخل تاريخ البطولة بتسجيله «هاتريك» في مباراتين متتاليتين، وهي مسألة لم يفعلها سوى زميله السابق البرتغالي كريستيانو رونالدو.
الأكيد أنّ عمل السيتي سينصبّ على كيفية احتواء «الحكومة»، لكن لا يجب أن يفوتهم أيضاً أنّ أفضلية الريال ترتكز أيضاً على التكامل في خط هجومه، فتألق بنزيما لم يأتِ من قدرات فردية خارقة بل بسبب وجود نجمٍ آخر إلى جانبه هو البرازيلي فينيسيوس جونيور الذي تحوّل من مجرد لاعبٍ سريع بالكرة إلى مصدر خطرٍ دائم وصانعٍ رائع للأهداف، ما سيخلق تحدّياً ضخماً لدفاع الفريق الإنكليزي الذي عانى في مكانٍ ما هذا الموسم، لكنّ التعويض والتغطية جاءت غالباً من خط وسطٍ متمرّس يعرف كيفية الاستحواذ وبسط السيطرة على مجريات المباريات. وهذه النقطة بالتحديد يجب أن يتعامل معها بدقّة لأن نقطة الضعف الأبرز عند السيتي بدت في تعامله مع الهجمات المرتدة التي يبرع بها الريال إلى أبعد الحدود بوجود بنزيما وفينيسيوس والبرازيلي الآخر رودريغو، إضافةً إلى لاعبين في خط الوسط يجيدون إطلاقها على صورة الكرواتي لوكا مودريتش، الألماني طوني كروس، والأوروغوياني رودريغو فالفيردي.

السيتي أقوى تكتيكياً
لكن هناك من يرجّح كفّة السيتي بشكلٍ أكبر بالنظر إلى مقارباته التكتيكية الفريدة من نوعها، لدرجةٍ يبدو فيها وكأن بطل إنكلترا يبدّل شكله عشرات المرات خلال المباراة الواحدة.
صحيح أن «الأزرق السماوي» لا يزال وفياً لاستراتيجية (4-3-3) منذ مواسم عدة، لكن غوارديولا طوّرها كثيراً بحيث سيكون الريال مجبراً على اختراع حلولٍ جديدة لفكّ شيفرة الدفاع المتحوّل مثلاً إلى (4-1-4-1) أو (4-2-3-1) أو (4-4-1-1) أو حتى (4-4-2).
الأمر عينه ينطبق على كيفية التعامل مع الشكل الهجومي الذي لم يكن يوماً (4-3-3) بل يتغيّر بتبادل اللاعبين للمراكز مستندين إلى قدراتهم المتنوّعة في اللعب ضمن مساحاتٍ مختلفة وتأدية واجباتٍ متنوّعة.
من هنا، ورغم أن ريال مدريد هو من أقوى الفرق الأوروبية في الاستحواذ على الكرة ويمكنه مجاراة لاعبي السيتي على هذا الصعيد، ستخلق الانسيابية في تحركات لاعبي الفريق المضيف والحرية الممنوحة لهم مشكلات كثيرة لدفاع «الميرينغيز» المهزوز، والذي قد يعاني على أحد الطرفين مع تعرّض الظهيرَين البرازيلي مارسيلو والفرنسي فيرلان مندي للإصابة.

(أرشيف)

والانسيابية هذه تطلّ منذ اللحظة الأولى لعملية البناء، فإذا ما ذهب الظهير البرتغالي جواو كانسيلو مثلاً باتجاه عمق الوسط يترك الألماني إيلكاي غوندوغان هذا المركز ليصبح مهاجماً إضافياً، بينما عندما يتحرّك جاك غريليش في الرواق الأيسر يخلق قلب الدفاع الإسباني أيميريك لابورت الدعم والتغطية اللازمتين للانقضاض على الكرة في حال خسرها زميله وتحوّلت إلى هجمةٍ عكسية.
المعركة على الطرفين ستكون كبيرة أصلاً، إذ على صورة ريال مدريد يركّز السيتي بشكلٍ كبير على العمل على أحد طرفَي الملعب، والدليل بالأرقام بحيث أنّ نسبة انطلاقه بالهجمات من الطرف الأيسر وصلت إلى 39 في المئة مقابل 33 في المئة من الطرف الأيمن، وهو ما يعني أن الريال سينشغل دفاعياً بإجباره على اللعب المباشر من العمق في محاولةٍ للسيطرة على الكرة.
لكن في نفس الوقت، بدا الضغط على رجال «بيب» «خطأً شائعاً» هذا الموسم، لأنه مرهِق، إذ هم في اللحظة التي يخسرون فيها الكرة يعمدون إلى تضييق المساحات ودفع المنافس إلى اللعب بشكلٍ قريب من خط التماس، وهو ما يتوقّع أن يقوموا به أمام ضيفهم بهدف احتواء قوته في المرتدات وقطع كل خطوط الإمدادات باتجاه بنزيما، ومن ثم العودة إلى تدوير الكرة وجعل لاعبي الريال يركضون خلفها لاستعادتها.
بطبيعة الحال ستكون المواجهة مرهقة على الطرفين، وخصوصاً إذا ما اختار ريال مدريد الضغط، فالسيتي هو أفضل فريقٍ في العالم لناحية إجادة بناء الهجمات من الخلف، بحيث يؤمّن لاعبو الوسط عملية تدوير الكرة بشكلٍ سريع من خلال تبادلٍ مثالي للمراكز بتوقيتٍ دقيق يسمح بخروجها بسلاسةٍ ومن دون تعقيداتٍ كبيرة.
هذه الكلمة الأخيرة ستحكم الموقعة بلا شك، فهناك حسابات معقّدة لا يحلّها سوى الفكر الفني العالي لمدربَين ونجوم استحقوا الوصول إلى هذه المرحلة ويستحق كلّ منهم اللقب في نهاية الموسم.