ليست بعيدة تلك السنوات التي كان فيها برشلونة الإسباني سيّد أوروبا والعالم. الكل كان يخاف من الفريق الكاتالوني ويحسب له ألف حساب حتى سقطت هيبته في تلك الأمسية التي رسم خلالها بايرن ميونيخ خسارة مذلّة بحقّه (2-8)، لتكون بنظر الكثيرين نقطة تحوّل زعزعته ومن ثم هدمته، فبات يحتاج إلى بناءٍ من جديد.الليلة (الساعة 22.00 بتوقيت بيروت)، يقف «البرسا» مجدداً أمام بطل ألمانيا وأمام مفترق طرقٍ في موسمٍ صعب بكل المعايير يعيش خلاله هموماً جمّة على الصعيدين المحلي والأوروبي.
الواقع أن برشلونة يبدو وكأنه يلعب «الروليت الروسية»، فإما يطلق النار على رأسه ويسقط منتهياً أو ينقذ نفسه ويعبر إلى الدور المقبل لما في الأمر من أهميةٍ فنية ومعنوية ومادية لنادٍ مترنحّ على مختلف الأصعدة.
بالفعل هي مباراة «حياة أو موت» بالنسبة إلى «البلاوغرانا»، حيث قد تشكّل المواجهة على ملعب «أليانز أرينا» بدايةً جديدة له أو ستكون بمثابة النهايةُ المأسوية لأن خروجه خاسراً أو غير متأهل سيعدّ نكسةً كبرى لا يمكن تعويضها أبداً حتى لو حسّن الفريق من وضعه في الدوري الإسباني، إذ إن خروجاً مبكراً من هذا النوع في دوري أبطال أوروبا يعني تفويت فرصة تعويض الخسائر المالية التي تعرقل خطط النادي الكاتالوني للعودة إلى سابق عهده.

مهمة صعبة لا مستحيلة
المهمة في ميونيخ صعبة بلا شك لكنها ليست مستحيلة بالنسبة إلى برشلونة،وذلك استناداً إلى بعض المؤشرات، وأهمها طبعاً أن البايرن سبق أن حسم تأهله وصدارة المجموعة، ما يعني أنه وبعد خوضه مباراة متطلّبة بدنياً أمام بوروسيا دورتموند في نهاية الأسبوع الماضي (3-2)، لن يدفع نفسه إلى الحدّ الأقصى ولن يكون مضطراً على ضغط لاعبيه المرهقين من أجل فوزٍ لن يؤثر إلا بشكلٍ شبه بسيط على الحصيلة المالية النهائية لمشواره القاري.
من هنا، سيكون مصير برشلونة (7 نقاط) بين يديه بعيداً من مباراة ملاحقه ومنافسه المباشر على ثاني بطاقات التأهل عن المجموعة الخامسة أي بنفيكا (5 نقاط) مع دينامو كييف. لكن رهبة مواجهة البافاريين لا يمكن أن تفارق فريق المدرب شافي هرنانديز لأنه يعلم بأن «هوليوود الكرة الألمانية» يفقد أي رحمة في قلبه عندما يرتبط الأمر بمواجهةٍ مباشرةٍ بينهما، إذ إنه حتى في لقاء الذهاب في «كامب نو» كان قاسياً جداً بتسجيله ثلاثية «مع الرأفة». أضف أن البايرن يبدو جائعاً جداً في كل مرّة أمام برشلونة، والدليل الخسارة الشهيرة بالثمانية التي تلقاها الأخير في الموسم قبل الماضي، والتي تعتبر من أكثر الهزائم المذلة التي تلقاها «البرسا» في تاريخه الطويل، حيث يبدو الألمان على استعدادٍ لتكرار تسجيل نتيجة كبيرة، وهو ما ألمح إليه النجم توماس مولر معتبراً أن الردّ لعدم منحه زميله الهداف البولندي روبرت ليفاندوفسكي جائزة الكرة الذهبية التي ذهبت إلى قائد برشلونة السابق الأرجنتيني ليونيل ميسي، سيكون على أرض الملعب وبالطريقة التي يجيدها بطل ألمانيا في المواجهات الكبيرة.
لا رحمة في قلب بايرن ميونيخ عندما يرتبط الأمر بمواجهة برشلونة تحديداً


مشكلات واضحة وعديدة
عموماً، وعلى رغم كل الضغوط الموضوعة عليه يبدو برشلونة قادراً على مفاجأة البايرن في غياب جمهور الأخير بسبب الإجراءات الصحية التي أقرّتها ولاية بافاريا للحدّ من تفشي وباء «كورونا» على وقع موجةٍ رابعة من العدوى تضرب البلاد وتحصد الضحايا بالمئات. لكن أوّلاً هناك مشكلات يجب أن يتداركها ويتخطاها ومنها عرفها ذهاباً أمام الفريق البافاري، وعلى رأسها مشكلة أساسية لا تزال تطارده حتى الآن، وهي ضعف اللمسة الأخيرة وهبوط مستوى الفعالية التهديفية، إذ لم يسدد أي كرة بين الخشبات الثلاث من أصل خمس تسديدات في المواجهة الأولى على ملعبه.
هذه المشكلة بالتحديد ظهرت في المباراة الأخيرة لفريق شافي في الدوري الإسباني، فدفع ثمنها خسارةً مريرة أمام ريال بيتيس بهدفٍ وحيد. في هذا اللقاء استحوذ برشلونة بنسبة 63 في المئة بفعل تحسّنه كثيراً من ناحية الضغط على حامل الكرة، وهو على الرغم من اعتماده على اللعب بطريقةٍ عمودية وسريعة في الحالة الهجومية، لم يُصب المرمى سوى ثلاث مرات من أصل 12 تسديدة. وهذه المسألة تبدو طبيعية، إذ إن «البلاوغرانا» لم يعد يملك ميسي أو هدافاً بحجم الأوروغوياني لويس سواريز، فمع عدم بروز مهاجم إشبيلية السابق لوك دي يونغ، وابتعاد الأرجنتيني سيرجيو أغويرو عن الملاعب بسبب مشكلات في القلب، يبدو خياره الوحيد في المقدّمة هو الهولندي الآخر ممفيس ديباي الذي لا يعدّ أصلاً هدافاً على صورة ليفاندوفسكي أو البرتغالي كريستيانو رونالدو أو أولئك الذين يواظبون على التسجيل بكثرة وبشكلٍ متواصل في البطولة الأوروبية. وهذا الأمر استدعى انتقادات واسعة من جمهور الفريق أخيراً لدرجةٍ كتب أحدهم على «تويتر» بأنه لا يعلم كيف أن لاعباً مثل ديباي استطاع أن يوهم برشلونة بأنه لاعب من طراز عالمي.

الأرقام تتكلم
أما المشكلة الأخرى التي سيعرفها «البرسا» أمام البايرن من دون أي أحدٍ سواه، وهي أن الأخير يجيد الضغط بشكلٍ أفضل وأكثر تنظيماً منه، وهي مسألةُ بدت واضحة ذهاباً بتقسيمه مجهوده البدني بطريقةٍ ذكية، وقد فعلها مجدداً بنفس الأسلوب أمام بوروسيا دورتموند ليحقق فوزاً غالياً في مشوار دفاعه عن لقب «البوندسليغا»، وذلك بعدما أمطر غريمه بـ 17 تسديدة بينها 6 على المرمى وسط تحكّمه بمجريات المباراة في الكثير من المحطات بفعل معرفته كيفية السيطرة والاستحواذ على الكرة، والتي بلغت بالمجمل نسبة 53 في المئة في «الكلاسيكر» الكبير.
بطبيعة الحال، يجمع لقاء الليلة بين فريقين كبيرين اعتادا على صنع الاستعراض الرائع والمتعة الكروية من دون أن يرجّح أحدهما كفّته عبر السنوات الطويلة من المواجهات الحاسمة والمفصلية، ولو أنه إذا ما عدنا إلى آخر 6 مباريات واجه فيها الفريق الكاتالوني نظيره الألماني، فإنه لم يحقق إلا فوزاً وحيداً مقابل خمس هزائم.
أرقامٌ تبقى للذكرى وراسخة، خصوصاً أنها كانت نتاج عمل فريقين هجوميين ممتعين، والدليل أن هذه المواجهات الست عرفت 28 هدفاً أي بمعدل 4.67 أهداف في المباراة الواحدة.
باختصار، كل شيءٍ مؤمّن في هذه الملحمة من حضور ناديين عظيمين، إلى أسماء كبيرة وأخرى شابة موهوبة، وإلى حبّ فرض السيطرة من قبل الألمان، والرغبة الكبرى بالثأر من قبل الإسبان.