فارقٌ كبير بين تاريخ النادي الرياضي ونظيره الخاص بالشانفيل في بطولة لبنان لكرة السلة، لكن رغم ذلك فقد تمكّن الفريق المتني من فرض نفسه قطباً في اللعبة، فهدّد زعامة «ملك الألقاب» (أحرز الرياضي 28 لقباً في الدوري أوّلها عام 1950) مراراً، وتمكن من منافسته في المكاتب قبل الملاعب من خلال استقطابه أبرز نجوم اللعبة إلى ديك المحدي.هو الأمر الذي فعله قبل أن تتوقف البطولة في الموسم الماضي إثر الخضات التي عرفتها البلاد، فخسر على غرار الرياضي العديد من النجوم، لكنّ الكلام عنه بقي حاضراً عند الحديث عن ترشيحات الفرق التي يمكن أن تفوز باللقب، فتارة كان المرشح الأول عند ذكر عودة فادي الخطيب وعلي حيدر إليه، وتارةً أخرى عند استعادته سيرجيو الدرويش، ومن ثم انخفضت أسهمه بعد إصابة حيدر وغياب الخطيب عن الصورة العامة.
الأمر عينه انطبق على بطل لبنان مع الكلام عن قدوم وائل عرقجي ثم إصابته، وبعدها مع إصابة هايك غيوقشيان ومن ثم تعاقده مع النجم المخضرم إسماعيل أحمد.
كلّ هذا يضعنا أمام نهائي من خارج التوقعات، وخصوصاً بعدما كشف الشانفيل عن وجهٍ مختلف ومتطوّر مباراةً بعد أخرى بقيادة المدرب فؤاد أبو شقرا، ترجمه بتخطيه «الحصان الأسود» أطلس الفرزل بثلاثة انتصارات نظيفة في «الفاينال 4»، وهي النتيجة عينها التي حملت الرياضي إلى النهائي على حساب غريمه الحكمة.

الفريقان الأفضل وجهاً لوجه
بطبيعة الحال، تحكي الأرقام قصة الفريقين وسبب وصولهما إلى النهائي الكبير، إذ إنهما كانا هما الأفضل في كل شيء، وتحديداً على الصعيد الجماعي، وهي مسألة كشف عنها الرياضي منذ بداية البطولة ولو أنه خسر وقتذاك مباراة واحدة كانت أمام أطلس عندما كان منقوصاً من مدربه وعددٍ كبير من لاعبيه لأسبابٍ مختلفة. أما الشانفيل فقد ارتفع مستوى الانسجام لديه في الفترة الأخيرة، وقد ظهر هذا الأمر بشكلٍ واضح في اللقاء الثالث مع أطلس حيث سجّل كل لاعبيه الذين شاركوا في المباراة، وسط عدم اعتمادٍ كبير على اللعب من خارج القوس بفعل سهولة وصوله إلى السلة من خلال التفاهم بين عناصره وسلسلة التمريرات السريعة التي انتهت غالباً بتسجيله النقاط.
النهائي هو الثالث بين الشانفيل والرياضي الفائز بلقبين متتاليين على حساب منافسه في عامَي 2010 و2011


في هذا الوقت، وقبل أن يخرج «أبناء المريميين» فرحين بعبورهم إلى النهائي، كان الرياضي يعلن عن توقيعه مع «سمعة» لتعزيز صفوفه، ما يعني أن عامل الخبرة الذي ميّز الفريق البيروتي عن غيره من منافسيه أصبح أقوى بكثير، إذ إن معظم لاعبي الرياضي اختبروا لعب المباريات النهائية أو البطولات الدولية وجمعوا ما يكفي لصناعة الفارق في أي مواجهة حاسمة.
قوة الرياضي ليست في الخبرة فقط، إذ إلى جانب طريقته الدفاعية التي تصعّب الأمور على الجميع، فهو يملك أكثر من هدّاف. وهذه النقطة مفصلية بشكلٍ كبير، إذ إن عدم اعتماده على لاعبٍ واحد لتسجيل سلاته يريح المدرب جورج جعجع بحيث إذا ما فُرضت رقابة على أمير سعود مثلاً، يمكن لكريم زينون أو علي منصور أو مارك خوري أو أي أحدٍ آخر أن يأخذ دور المسجّل. وهذه الميزة لا يمكن إيجادها عند الفرق الأخرى، والتي عانت لإيقاف الرياضي وتعطيل كل مفاتيحه.

مواجهة بين جيلين من المدربين
وإذا كان ذكاء جعجع الذي ينتظر تحقيق إنجاز غير مسبوق بأن يصبح أصغر مدرب يفوز بالبطولة، وهو الذي لم تتجاوز سنّه الـ 26، فإن المواجهة مع المدرب فؤاد أبو شقرا ستكون بين جيلين من المدربين. الأخير كان من صنّاع الإنجازات الكثيرة للرياضي في العصر الحديث، وتحديداً عندما انتقل مع نجوم الشانفيل إلى المنارة، وهو مع عودته إلى ديك المحدي هذا الموسم، عرف أن عملاً كبيراً ينتظره، وخصوصاً أن الفريق يضمّ نجوماً كثراً يمكنهم حمل اللقب إلى المتن، ولو أن في الأمر صعوبة غير بسيطة بسبب قوة الخصم.
تأثير أبو شقرا كان واضحاً منذ وصوله إلى الفريق، فقد بدا أن أكثر من لاعبٍ أصابوا تطوّراً تحت إشرافه، أمثال عزيز عبد المسيح وإيلي رستم الذي ارتقى إلى مستوى التحدي في أكثر من مباراة ولعب دوراً قيادياً بحكم خبرته الكبيرة. لكن أكثر ما لفت الأنظار أخيراً كان الدرويش الذي لا يمكن تشبيهه بأي لاعبٍ آخر، فهو تحرّر أكثر مع ترك جوزف الشرتوني للفريق، فشرع في تقديم مستوى رائع، سارقاً الأنظار بذكائه وسرعته وقدرته على التسجيل بطرقٍ مختلفة. هذا النجم الدولي تحديداً سيكون الحجر الأساس لأبو شقرا في النهائي، وأكثر اللاعبين قدرةً على ترجيح كفّة الشانفيل على الرياضي كونه يعرف كيفية التحكم بنسق المباراة ووضع كريم عز الدين وجاد بيطار في مكانٍ مريح تحت السلة من خلال تمريرة حاسمة من هنا وأخرى خاطفة وذكية من هناك.

نزالٌ سيستعمل خلاله المدربان أقوى أسلحتهما الهجومية، لكنّ الأهم سيكون هو الشكل الدفاعي لكلٍّ منهما، فالأكيد أن دفاع «رجل لرجل» سيكون حاضراً في غالبية الفترات، وخصوصاً من ناحية الشانفيل الذي يعرف حجم الأذى الذي يمكن للرياضي أن يلحقه به في حال تمكن من الحصول على فرصة التسديد من المسافة البعيدة. أما تركيز الأخير فسيكون على كيفية إيقاف الدرويش وعدم السماح له بخلق المساحة لزملائه من أجل التصويب، إضافةً إلى المواجهة القاسية تحت السلة التي سيكون عنوانها عز الدين وبيطار الأكثر إزعاجاً بحُكم عامل الطول الذي يساعدهما، ما سيجعل «رجال المنارة» يركّزون على كيفية إبعادهما من منطقة التسجيل.
إذاً نهائي بحسابات كثيرة تسقط فيه كل الأرقام والإحصاءات، وتبقى الحسابات الفنية الدقيقة في كل لحظة هي الأساس والمفتاح، والبداية ستكون اليوم الساعة 17.50 من قاعة صائب سلام في المنارة، حيث استفاد الرياضي سابقاً من حصوله على أفضلية الأرض في سلسلتين نهائيتين سابقتين مع الشانفيل، فائزاً 3-0 في عامَي 2010 و2011 ليحرز لقبين متتاليين.



أرقام لافتة لطرفي النهائي


ليس غريباً أن يتفوّق الرياضي بالأرقام على أيّ منافسٍ آخر هذا الموسم، فالفريق الذي خاض 21 مباراة بين الموسم العادي و«الفاينال فور»، بلغت نسبة تسجيله 48.9% في المباراة الواحدة، وهي النسبة الأعلى بين الفرق العشرة في الدوري. لكنّ الشانفيل لم يكن بعيداً عن هذه النسبة، إذ إنه وصل إلى 48.7%، وهو الذي تفوّق على الرياضي من مسافة النقطتين بتسجيله 539 نقطة من أصل 925 محاولة أي بنسبة 58.3%، مقابل 579 محاولة ناجحة للرياضي من 1019 تسديدة أي ما معدله 56.8%.
أما عن خط النقاط الثلاث، فكان التفوّق للرياضي، وهو أمر طبيعي بوجود عدد من الهدّافين البارعين لديه من المسافة البعيدة، وعلى رأسهم أمير سعود الذي يتصدّر القائمة على هذا الصعيد بتسجيله 52 ثلاثية، علماً أن قائمة العشرة الأوائل تضم في المركز الرابع لاعباً آخر من الرياضي هو كريم زينون الذي سجّل 46 ثلاثية، بينما يقف إيلي رستم في المركز الثامن بـ 39 محاولة ناجحة، وهو الوحيد من الشانفيل على هذه اللائحة. بطبيعة الحال سجّل الرياضي في 21 مباراة 199 ثلاثية من 572 محاولة أي بمعدل 38.8%، بينما سجّل الشانفيل 157 ثلاثية من 503 محاولات بمعدلٍ بلغ 31.2%.
وكما هو الحال في المجالات الأخرى، يقف الفريقان في المركزين الأوّلين على لائحة أعلى معدل لالتقاط الكرات المرتدة في المباراة الواحدة، إذ بلغ معدل متصدّر الموسم العادي 40.1 «ريباوند» في المباراة، مقابل 38.1 لوصيفه. كذلك يتصدّر الرياضي اللائحة بالنسبة إلى التمريرات الحاسمة بمعدل 24.5 تمريرة في المباراة، مقابل نسبةٍ وصلت إلى 20.1 تمريرة عند الشانفيل.
ويتفوّق الفريق البيروتي بشكلٍ بسيط على صعيد «سرقة الكرات» بـ 12.3 سرقة في المباراة، مقابل 12.2 للفريق المتني. والأمر عينه بالنسبة إلى التصديات الدفاعية بـ 3.6 «بلوك شوت» للرياضي مقابل 3.5 للشانفيل الذي يتشارك المركز الثاني على هذا الصعيد مع أطلس الفرزل.
وإذا كان بطل لبنان أقل الفرق خسارةً للكرات بـ 12.3 «تورن أوفر» في المباراة، فإن الشانفيل يقف هنا قبل الرياضي وبيروت والحكمة وأطلس بخسارته 16.2 كرة في المباراة، وهو رقم قريب من رقم هوبس (16.3) الذي لم يتأهل إلى دور الأربعة.
ويبقى السلاح الأقوى عند الرياضي هو قوته الهجومية بحيث بلغ معدل تسجيله في المباراة الواحدة حتى الآن 96.7 نقطة، مقابل 88.6 نقطة للشانفيل وهو ثاني أفضل الفرق الهجومية في الدوري، وثالث أفضلها دفاعياً بـ 68.5 نقطة تُسجّل في سلته في المباراة (يحتل بيروت المركز الثاني بـ 67.7 نقطة)، بينما يتزعّم الرياضي أيضاً هذه اللائحة بـ 65.6 نقطة في سلته في المباراة.