دخل برشلونة مباراة العودة ضد «باريس سان جيرمان» في 10 آذار متأخّراً بأربعة أهداف مقابل هدف واحد. أمام المهمّة شبه المستحيلة، بقي أمل جمهور «برشلونة» في عودة تخالف التوقعات. كيف لا وقد نجح فريقهم في تحقيق المستحيل أمام الفريق نفسه عام 2017، منتصراً بستة أهداف مقابل هدف.
في الدقيقة 45، كان الفريقان متعادلَين بهدف لكلّ منهما. منح الحكم «برشلونة» ضربة جزاء. تقدّم مخلّص الفريق وأيقونته، ليونيل ميسي، لتنفيذها أمام وجه مألوف: حارس «ريال مدريد» السابق، كيلور نافاس. تسجيل ميسي ضربة الجزاء سيعطي الفريق قوة دفع هائلة من أجل تحقيق العودة المستحيلة. إهدارها سيعيد للاعبي بطل فرنسا الثقة للثأر من الخروج المُحرج على يد الفريق الكاتالوني منذ ثلاث سنوات.

سدّد ميسي الكرة. تمكّن نافاس من صدها. فشل «برشلونة» في العبور إلى الدور ربع النهائي من دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ موسم 2006-2007. خرج «برشلونة» وبقيت صورة ميسي وهو يتحسّر على إضاعة ركلة جزاء في لحظة مفصليّة من المباراة في الأذهان.

قبل 24 ساعة، كان «يوفنتوس»، الطامح للفوز بدوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ 25 سنة، يعتمد على كريستيانو رونالدو لانتشاله من خسارته 2-1 بمباراة الذهاب. تقدّم «يوفنتوس» بالنتيجة نفسها خلال الوقت الأصلي للمباراة. ذهبت المباراة إلى الوقت الإضافي. في الدقيقة 115، شكّل حارس مرمى «يوفنتوس» فويتشيك شيزني حائطاً أمام ركلة حرّة تقدّم لتنفيذها متوسّط ميدان بورتو سيرجيو أوليفيرا. سدّد أوليفيرا الكرة لتمرّ بين قدمي رونالدو وتدخل مرمى «يوفنتوس» قبل خمس دقائق من انتهاء الوقت الإضافي. أصبح «يوفنتوس» بحاجة إلى معجزة تسجيل هدفين لبلوغ الدور ربع النهائي. سجّل أدريان رابيو هدفاً في الدقيقة 117. انتظر «يوفنتوس» المعجزة من رونالدو الذي أُتي به إلى «يوفنتوس» كي يساعد الفريق على تحقيق أول ألقابه في دوري أبطال أوروبا منذ ربع قرن.

لكن المعجزة لم تأتِ من رونالدو. خرج «يوفنتوس» وبقيت صورة رونالدو وهو يدير ظهره للكرة التي مرّت بين رجليه في طريقها إلى المرمى في الأذهان. لأول مرة منذ موسم 2004-2005، سيغيب كلّ من كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي عن الدور ربع النهائي بدوري أبطال أوروبا.

من السهل الدفاع عن لاعبَيْن نال أحدهما لقب أفضل لاعبي العالم 12 مرة في آخر 13 موسم بالإشارة إلى أنهما أنقذا فريقَيهما في مناسبات عدة. ومن المؤكد أن مسؤولية خروج «يوفنتوس» و«برشلونة» من الدور الـ16 في دوري الأبطال لا تقع على عاتقي ميسي ورونالدو وحدهما. كما أنه من المؤكد أنّ اللاعبَيْن هُما نجما كرة القدم الأبرز اليوم. يكفي أن ننظر إلى أرقامهما. ففي دوري أبطال أوروبا، يحتلّ رونالدو وميسي المركزَين الأول والثاني للاعبين الأكثر تسجيلاً للأهداف بـ134 و119 هدفاً، على بُعد 62 و47 هدفاً على التوالي من صاحب المركز الثالث روبرت ليفاندوفسكي.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه مع خروج «برشلونة» و«يوفنتوس» المبكر من البطولة هو: هل بات رونالدو وميسي يشكلان عبئاً على «يوفنتوس» و«برشلونة»؟

لا يشكّ بقيمة ميسي سوى مجنون. يملك ميسي من الموهبة الفطرية ما يجعل اسمه مطروحاً في أيّ حديث عن هوية أفضل لاعبي كرة القدم في التاريخ. في موسمه الحالي «السيئ» نسبياً، سجّل ميسي حتى هذه اللحظة 25 هدفاً وصنع 11 في 35 مباراة وهو يلعب في أسوأ نسخة لـ«برشلونة» منذ ظهوره الأول في قميص النادي في عام 2004. لكن «كلفة ميسي» مرتفعة جداً على «برشلونة».



وهنا، لا نتحدث عن كلفة عقده الباهظة فقط. تكلفة عقد ميسي، الممتدّ منذ 2017 حتى حزيران المقبل، تصل إلى 670 مليون دولار في وقت تخطّى حجم ديون النادي الكاتالوني الـ1.4 مليار دولار. لكن تكلفة وجود ميسي في برشلونة أكبر من ذلك بكثير.

أولاً، لا يستطيع النادي الاستثمار بشراء لاعبين جدد نتيجة التزامه بمدفوعات خيالية للاعب واحد. ثانياً، وجود ميسي في برشلونة دفع النادي للاعتماد عليه، تدريجياً، بشكل مفرط. نعم، استطاع ميسي أن ينقذ الفريق مراراً، مغطّياً بموهبته الكبيرة على تصدعات الفريق. إلا أنّ إدارة «برشلونة» باتت تنتظر من ميسي أن يخلّص الفريق عندما يكون متأخراً في أي مباراة.

ثالثاً، يملك ميسي، بحكم أهمّيته في الفريق، نفوذاً هائلاً في الإدارة، يصل أحياناً إلى التدخل في تشكيلة الفريق وتعاقدات النادي مع لاعبين جدد، والضغط على إدارة النادي كي تقيل المدرب. تنقل صحيفة «إل باييس» عن لسان المدير الرياضي السابق لـ«برشلونة» أندوني زوبيزاريتا، قوله إنّ مدرب الفريق السابق خيراردو مارتينو كان يقول دوماً لميسي عندما كان في «برشلونة»: «أعلم أنني سوف أُطرد من عملي بمجرد اتصالك بالرئيس، لكن اللعنة! لست بحاجة إلى إثبات ذلك كل يوم. أنا أعلم ذلك».

القصة نفسها تحصل مع رونالدو و«يوفنتوس».

لم يحقق «يوفنتوس» لقب الأبطال منذ 1996 رغم وصول الفريق إلى نهائي البطولة في موسمي 2014-2015 و2016-2017. رياضياً، بنت إدارة النادي الإيطالي فكرة التوقيع مع رونالدو على قاعدة أنّ البرتغالي الفائز بدوري الأبطال خمس مرات هو الأخصائي الذي يحتاج له الفريق للفوز باللقب الذي طال انتظاره.

ينظر البعض إلى صفقة انتقال رونالدو إلى «يوفنتوس» على أنها «ضربة معلم»، تمنح «يوفنتوس» القدرة على تسويق «البراند» عالمياً. لكن، في الواقع، الخطوة ربطت أيدي «يوفنتوس» وحدّت من قدرتها على القيام بتعاقدات جديدة.

كلفة التعاقد مع رونالدو، 33 سنة آنذاك، تخطت الـ100 مليون دولار. ويتقاضى كل سنة راتباً يفوق مجموع رواتب ثاني وثالث ورابع وخامس أعلى لاعبي «يوفنتوس» أجراً، في حين وصلت ديون النادي الإيطالي إلى أكثر من 480 مليون دولار. رونالدو اشتبك مع مدربَيه في «يوفنتوس»، ماوريزيو ساري وأندريا بيرلو، رافضاً قراراتهما بإخراجه من الملعب.

منطق إدارة «يوفنتوس» في التعاقد مع رونالدو يلخّص القصة برمّتها. رأى رئيس النادي أندريا أنيللي أنّ الفريق، الذي وصل إلى نهائي دوري الأبطال مرّتين في أربع سنوات قبل مجيء رونالدو، لن «يكتمل» قبل إعطائه «جرعة دعم» على شكل نجم «وُلد كي يفوز».

هذا المنطق مغلوط وصاحبه لا يفهم كرة القدم.

كرة القدم لعبة جماعية. الفرق التي تتفوّق على غيرها وتربح البطولات هي الفرق التي تحقق التوازن بين أفراد مميزين لتخلق فريقاً منسجم العناصر، يقاتل بقلب واحد وأهداف مشتركة. أن تمتلك لاعباً من طراز ميسي أو رونالدو يعطي أيّ فريق دفعة قوية نحو تحقيق الألقاب. ولكن اللاعب المميّز يتحوّل من قيمة مضافة إلى عبء على الفريق ما إن يُحدّد دور اللاعبين المحيطين بـ«البطل» بدور الكومبارس.

نعم، ميسي ورونالدو فازا بدوري الأبطال تسع مرات، ولكن ميسي استفاد من وجود لاعبين مثل كسافي وأندريه إنييستا وصامويل إيتو ورونالدينيو وكارليس بويول وسيرجيو بوسكيتس وغيرهم معه في عقد ذهبي لبرشلونة، استطاع النادي خلاله جذب لاعبين مميزين من أندية أخرى وتخريج جيل ممتاز تلو الآخر من أكاديميته. ولم يكن رونالدو ليفوز بدوري الأبطال خمس مرات لو لم يلعب إلى جانبه أمثال سيرجيو راموس وكريم بنزيما وآنخيل دي ماريا وكاسيميرو وغيرهم.

ربما يؤمن البعض بوجود هالة فوق رؤوس «الفائزين»، أولئك الذين وُلدوا لتحقيق الانتصارات دوماً؛ بأنّ الذي يفوز مرات عديدة في الماضي هو أكثر استعداداً للفوز في المستقبل. هذه النظرية لا تصحّ في كرة القدم، لأنها تنسب الفوز لفرد مميّز وتتجاهل سياق الانتصارات وأسبابها المتعددة.