تصويب مباشر على منتخب لبنان لكرة القدم وكلامٌ سلبي تناوله من قبل شريحة كبيرة من الجمهور رغم عدم إمكانية متابعة المباراة الوديّة مع البحرين، التي لم تُنقل عبر شاشة التلفزيون بسبب وفاة رئيس الوزراء البحريني عشية إقامة اللقاء في دبي.لكن استعادة الظروف التي سبقت المباراة والأجواء العامة التي عاشها المنتخب، والسؤال المتعدد الاتجاهات حول ما قدّمه في المباراة المذكورة، كل ذلك يفضي إلى صورة شبه واضحة يمكن البناء عليها لتوضيح بعض المسائل التي وُضعت علامة استفهام حولها، وطبعاً تترك فكرةً عمّا يحتاج إليه منتخبنا في الفترة المقبلة أي عند استدعاء اللاعبين مجدداً إلى الواجب الدولي.
قدّم المنتخب أداءً جيداً في الشوط الأول وتراجع في الثاني (عدنان الحاج علي)

لبنان سقط أمام البحرين (1-3) بعدما كان متقدّماً في ختام الشوط الأول. مصادر مختلفة مرتبطة باللقاء التقت عند نقاطٍ عدة في وصف ما حدث. أولى هذه النقاط تُختصر بتقديم المنتخب اللبناني نصف أول شوط جيّداً، قبل أن ينكفئ في الشوط الثاني أمام أهدافٍ لم يكن بالإمكان تفاديها خصوصاً الهدف الثاني الذي جاء من ركلة حرّة قريبة، والهدف الثالث الذي هزّ الشباك بعد تسديدة قوية.
طبعاً الكلام هنا لا يأتي في سياق تبرير الخسارة التي كانت حتمية إذا ما أخذنا في الحسبان ما عرفه لبنان ومنتخبه في الفترة القريبة الماضية، وطبعاً إذا توقفنا عند حال المنتخب البحريني الذي توّج في العام الماضي للمرة الأولى بلقب كأس الخليج، لا بل إنه أظهر مستوى رفيعاً في مباراته التي تلت أمام منتخبٍ إماراتي مليء بالنجوم والمجنّسين فهزمه من دون معاناة.
اللقاء الذي شكّل إطلالة أولى للمدرب جمال طه على رأس الجهاز الفني، شهد عدم خروج الأخير عن ما اعتمده سلفه المونتينغري ميودراغ رادولوفيتش لناحية الخيار الاستراتيجي المرتكز على خطة 4-3-3، لكن مع فارق صريح وهو طلب طه من لاعبيه عدم الاعتماد على الضغط العالي الذي عرفه المنتخب أيام «رادو»، وهو أمر منطقي وطبيعي بحُكم عدم وصول أيّ من اللاعبين المحليين إلى الجهوزية البدنية المثالية التي تخوّلهم اعتماد هذا الأسلوب في مواجهة الخصم.
وفي هذا الإطار أيضاً، كان القادمون من الخارج أفضل بدنياً من الوافدين من الدوري اللبناني، لكنّ البحرينيين كانوا أفضل على هذا الصعيد بشكلٍ واضح، ومع هبوط لياقة لاعبي لبنان في الشوط الثاني، استفاد أبطال الخليج من نقطة الضعف هذه ودكّوا المرمى اللبناني بالأهداف الثلاثة.
الواقع أن الوضع كان ليصبح أفضل لو تمكن طه وفريق عمله من جمع غالبية المحترفين في الخارج، لكن الغياب القسري لهؤلاء كان بسبب ظروف «كورونا»، إذ منهم من أصيب ومنهم من اضطر إلى حماية نفسه وارتباطه بناديه من باب عدم المخاطرة بالخروج من البلاد ومن ثم الوقوع في شباك الحجر الإلزامي عند العودة إليها.

ضعف الانسجام
من هنا، لم يخض «رجال الأرز» اللقاء بأكثر من 4 لاعبين من بين أولئك الذين خاضوا المباراة الأخيرة أمام كوريا الشمالية في التصفيات الآسيوية قبل سنةٍ كاملة. وهذه المسألة تحديداً تترك نقطة ضعفٍ أخرى على صعيد الانسجام بين عناصر المجموعة الحالية وبعض الوافدين أو الذين لم يشاركوا لوقتٍ طويل في الفترة الماضية، إضافةً إلى انسجام أفراد التشكيلة مع الجهاز الفني الجديد الذي بلا شك يحتاج إلى وقتٍ أطول بكثير لزرع أفكاره.
ومسألة الانسجام هذه ربما ظهرت في حالة الهدف الأول الذي تلقاه لبنان بحسب ما يصف المتابعون للقاء، إذ على سبيل المثال لعب قلبا الدفاع ماهر صبرا واليكس ملكي للمرة الأولى سويّاً، بينما شغل باسل جرادي مركزاً بعيداً من طرف الملعب، وأطل محمد الدهيني في تجربةٍ أولى لا يمكن الحُكم عليها بهذا الشكل المبكر ولو أن الرجل قدّم أداءً مقبولاً.
الخسارة أمام البحرين قد لا تكون الأخيرة في الفترة القريبة المقبلة بحُكم الظروف الصعبة المختلفة التي يعيشها لبنان


الدهيني أصلاً كان من الوجوه المنتظرة بعكس الوافد الجديد الآخر خالد محسن الذي شارك في أواخر اللقاء كونه لم يخرج منذ فترةٍ طويلة من إصابةٍ غير بسيطة. لاعب نادي تريليبورغ السويدي كان همّه الخروج بصورة حسنة في ظهوره الأول مع المنتخب، لذا لم يعقّد الأمور على نفسه في مركز الارتكاز حيث ركض كثيراً في ما بدا أنه يسعى بجهدٍ لإثبات نفسه، وهي نقطة جيّدة بطبيعة الحال، لكنه لم يشأ الاحتفاظ بالكرة لوقتٍ طويل أو تسلّمها تحت الضغط في بعض الحالات.

ثنائيات وحلول فردية
وفي خضم هذا الجوّ كانت ثنائية محمد قدوح وسوني سعد جيّدة في ما خصّ مساعدة زملائهما، وخصوصاً الأول الذي يرى فيه طه لاعباً تكتيكياً يحتاج إليه المنتخب، بينما كان الضلع الثالث في الهجوم أي القائد حسن معتوق مصدر الخطورة كالعادة، رغم أن هذه النقطة قد تعيد القلق إلى اعتماد منتخبنا على الرقم 7 وحده لإيجاد الحلول، وهي مسألة ظهرت بحسب ما نُقل في الشوط الثاني أمام البحرين من خلال عدد الكرات التي تمّ تحويلها إلى الجهة اليسرى.
إذاً الخيارات الأساسية كانت محدودة وواضحة إلى حدٍّ ما، لكن الخيارات العامة هي التي كانت قد أثارت الأسئلة، وذلك لناحية اختيار بعض الأسماء المفاجئة بالنسبة إلى متابعي الدوري، أمثال لاعب النجمة عبدالله عيش الذي لم يلعب إلا بشكلٍ محدود هذا الموسم، أو بعض اللاعبين الذين تقدّموا في السن نسبياً.


ففي الشق الأول يبدو أن هدف الجهاز الفني هو خلق عمق في التشكيلة من خلال تواجد بدلاء للاعبين الغائبين ضمن الخيارات للحرص على اختلاطهم مع المجموعة وإمكانية الاستفادة منهم مستقبلاً في حال عادوا إلى اللعب بانتظام مع فرقهم. أما في ما خصّ الشق الثاني، فإن وجود بعض اللاعبين أصحاب الخبرة هو أمر مفصلي يرتكز على دورٍ محدد لهؤلاء من خلال الوقت الذي يتمّ إشراكهم خلاله.
قد يأتي البعض ليقول بأن «كورونا» ترك تأثيره على كل البلدان والأندية والمنتخبات، وبالتالي فإن الخسارة غير مبررة وديّاً أو رسمياً. لكن لا بدّ من التنبّه إلى أنها قد لا تكون الأخيرة في الفترة القريبة المقبلة، إذ أن لبنان يمرّ بظروفٍ صعبة مختلفة لا يشهدها أي بلدٍ آخر في العالم، وذلك وسط توقعاتٍ أيضاً بانخفاض مستوى الدوري لاحقاً بغياب الاحتكاك مع اللاعب الأجنبي وانشغال اللاعبين بهموم الحياة. كل هذا يعني أن الفترة المقبلة تتطلب أموراً محددة على رأسها إيجاد مساحة للتجمع عندما تسنح الفرصة، والعمل على مراقبة لياقة اللاعبين الدوليين وتخصيص برامج خاصة لهم في هذا الإطار، وطبعاً السعي بكل الوسائل المتاحة لاستقدام المغتربين في كل مناسبة بالنظر إلى الفارق الفني الكبير الذي يمكن أن يصنعه كل واحدٍ منهم، فالتأهل إلى كأس آسيا مطلوب كجائزة ترضية لشعبٍ غريق يحتاج إلى التمسّك بقشة أمل.