لم تعرف ألعاب الفيديو يوماً إقبالاً على صورة تلك التي نشهدها اليوم، فباتت مصيبة «كورونا» بمثابة الإنعاش لهذا القطاع، وخصوصاً مع توجّه شريحة كبيرة من محبّي الرياضة لتعبئة الفراغ الذي خلّفه تجميد الأحداث الرياضية عبر الانخراط في منافسات ومباريات «أونلاين» جعلت التواصل مع محيطهم وعالمهم الرياضي أمراً متاحاً، وأبقت على خيطٍ يربطهم بحبّهم الأول والأخير.والأهم أن الطفرة التي تشهدها ألعاب الفيديو باتت تدرّ أرباحاً على شركاتٍ كانت حتى الأمس القريب تبحث عن سبلٍ جديدة لتسويق نفسها ومواكبة التطوّر التكنولوجي السريع، الذي يتطلّب منها عملاً دائماً لتقديم المنتج الأفضل في ظلّ المنافسة الشديدة بين أطرافٍ مختلفة.
وبالطبع لم تعُد الأحداث الكبرى على غرار كأس العالم لكرة القدم أو غيرها، هي المناسبة الأساس لرفع مستوى المبيعات والإقبال على ألعاب الفيديو، إذ أن «الحجر المنزلي» أصبح حدثاً بحدّ ذاته بالنسبة إليها، وذلك انطلاقاً من انخراط عددٍ من نجوم الرياضة في المنافسات الإلكترونية، ما خلق تسويقاً أوتوماتيكياً للألعاب الأكثر شهرةً وجماهيريةً.

أقل جهداً وأكثر متعةً
صحيح أن خوض المنافسات الرياضية عبر ألعاب الفيديو يكلّف جهداً أقل بالنسبة إلى الرياضيين، لكنه بلا شك يبدو أكثر متعةً مقارنةً بجلوسهم طوال النهار في منازلهم وهم يتابعون الأخبار المؤلمة عن «كورونا» لتزداد حالة الإحباط التي يعيشونها أصلاً جرّاء ابتعادهم عن الملاعب.
تلك الملاعب التي ابتعد عنها الجمهور أيضاً، والذي بات ينتظر إطلالات النجوم مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة الشيء الجديد عنهم. لذا فقد استقطبت العديد من المنافسات الإلكترونية عدداً هائلاً من المتابعين الذين تحمّسوا لها بشكلٍ لا يقلّ شأناً عن متابعتهم لها من المدرّجات أو عبر شاشات التلفزة.
وصل عدد متابعي أحد السباقات عبر «الإنترنت» إلى 900 ألف


وهذا الأمر ينطبق على «دربي» ميلانو بين القطبين ميلان وإنتر، حيث قاد «الروسونيري» البرتغالي رافايل لياو، و«النيراتزوري» سيباستيانو إسبوزيتو. لقاء هدَفَ إلى تعويض توقف مباريات «سيري أ»، وبينها اللقاء الشهير بين الغريمَين. وطبعاً كان الهدف الأساس مساعدة الناس على نسيان المصيبة التي حلّت في الشمال الإيطالي، وإعادة تذكيرهم بأن إرادة البقاء تجعل من الإنسان قادراً على خلق مساحةٍ لنفسه من أجل تخطّي أي أزمة والعودة إلى الحياة الطبيعية.
الأمر نفسه كان قد حصل في إسبانيا، إذ بعد تجميد «الليغا» وترحيل لقاء الجارين ريال بيتيس وإشبيلية، أخذ مهاجم الأول بورخا إيغليسياس، ومدافع الثاني سيرجيو ريغيلون المبادرة، فأقاما «دربي» خاصاً عبر لعبة «الفيفا»، وقد شاهده 60 ألف شخص عبر شبكة «الإنترنت».
رقمٌ كبير يوازي سعة ملعبٍ، عوّض من خلاله الطرفان ما فاتهما في الدوري، وهي المسألة التي وصلت إلى إنكلترا التي تتنفس كرة القدم، فكان ناديا واتفورد وليستر سيتي يتقاسمان نقاط مباراتهما المؤجلة بعد نزالهما الإلكتروني، والذي بات معتمداً في بلدانٍ أوروبية عدّة، حيث ذهبت بعض الأندية حتى إلى تسمية لاعبٍ يمثّلها في المنافسات المشتعلة في الوقت الحالي.


منافسات دخلها أكبر النجوم بالفعل، فكان نجم ريال مدريد ماركو أسينسيو يعوّض غيابه الطويل عن الملاعب بسبب الإصابة، بالاحتفال بفوزه بلقب إحدى الدورات التي جمعت عدداً كبيراً من لاعبي الدوري الإسباني الذين اشتاقوا للاحتفال بالأهداف.
كذلك، لجأ إحد أندية الدرجة الثانية في إنكلترا وهو لايتون أورينت إلى تنظيم بطولة «أونلاين» تضم 128 فريقاً، نقل غالبيتهم المباريات عبر صفحاته الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أمّن مدخولاً مقبولاً تمّ جمعه وتقديمه إلى جمعيات خيرية أو أندية تعاني مالياً في الدرجات الدنيا بسبب توقف المنافسات.

الشركات تحتفل بالنصر
وإذا كان العالم يبدو حزيناً بعد تراكم مصائب «كورونا»، فإن الشركات المطوّرة للألعاب يمكنها أن تحتفل بعد ارتفاع أسهمها في أسواق الأموال. هي أصلاً شركات ثرية جداً، إذ أن شركة على غرار «E-Sports» تساوي قيمتها مليار دولار، وهي قيمة سترتفع وفق الحسابات المالية مع إطلاق منافسات منظّمة عبر «الإنترنت» لبطولات شعبية، أمثال الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم، دوري كرة السلة الأميركي الشمالي للمحترفين، وبطولة العالم للفورمولا 1.
وهذه القيمة ترتفع أيضاً في كلّ مرة ينخرط فيها أحد نجوم هذه الرياضات في المنافسات، تماماً كما حصل في سباقٍ نُظّم عبر أحد المواقع المرتبطة بالشركة المذكورة، وذلك لتعويض إلغاء سباق جائزة أوستراليا الكبرى الافتتاحي للموسم الجديد.
وفي السباق الافتراضي كان أبرز المشاركين سائق فريق «ريد بُل» للفورمولا 1 الهولندي ماكس فيرشتابن، وبطل سباق «إنديانابوليس 500» الشهير الفرنسي سيمون باجونو. أما المفاجأة فكانت في عدد الذين تابعوا السباق مباشرة حيث تخطّوا الـ 515 ألف شخص!
هو أمر غير طبيعي بالتأكيد، أي أن يصل عدد متابعي أحد السباقات إلى أكثر من نصف المليون، ما يحتّم على منتجي اللعبة والمسابقة خلق جوانب حقيقية بشكل أكبر، خصوصاً مع انخراط سائقين محترفين وأبطال فيها، وحتى من خارج رياضة المحركات، أمثال مشاركة البلجيكي تيبو كورتوا حارس ريال مدريد الإسباني في سباقٍ نظّمه أيضاً، بعد إلغاء السباق الأوسترالي، بطل سباقات «الفورمولا إي» الفرنسي جان - إيريك فيرنيي.
ديربي ميلانو بين إنتر وميلان لُعب «online»


أما الفورة السوقية الأكبر فقد شهدتها الولايات المتحدة مع بلوغ عدد الإصابات فيها بـ«كورونا» مستوى قياسياً، الأمر الذي عزّز شعور الكثيرين بأن المنافسات الرياضية قد تُلغى تماماً ومنها «NBA». لذا لجأ فريق فينيكس صنز مثلاً إلى لعب بقية مبارياته في الموسم العادي عبر ألعاب الفيديو ونقلها مباشرةً إلى جمهوره، وقد تولّى بعض لاعبيه قيادة الفريق، الأمر الذي شدّ جمهوراً أكبر لمتابعة المباريات.
وبطبيعة الحال فإنّ الأميركيين هم أصلاً الأكثر ممارسةً لألعاب الفيديو في العالم، إذ تشير تقارير متخصصة إلى أن هناك حوالى 150 مليون لاعب في البلاد، وهو عددٌ مرشّح بالتأكيد للارتفاع مع فرض البقاء في المنازل لتفادي تفشي الوباء أكثر. وبفعل هذا العدد الضخم والمتزايد أصبح بالإمكان تنظيم منافسات تمنح جوائز مالية، وهو ما حصل في سباقٍ ضمّ 35 سائقاً فقط لكن شاهده 900 ألف شخص. أما بطله فكان ديني هاملين الفائز بسباق «دايتونا 500» 3 مرات، وقد جلس في منزله حافي القدمين وخلفه ابنته وهي تشجّعه، ليفوز بجائزة مالية قدرها 40 ألف دولار.


هو عصر الألعاب الإكترونية فعلاً، وهي بلا شك تساعد في مكانٍ ما على إبقاء الناس في منازلهم، وذلك من خلال جذبهم إلى منافسات جديّة أو حتى إعطائهم فرصةً نادرة للتنافس مع هذا النجم أو ذاك. لكن الأكيد أن إحساس الملاعب والمنافسات الحقيقية لن يعوّضها شيء، وسيبقى الحنين لها حاضراً حتى زوال «كورونا» وعودة الحياة الرياضية إلى طبيعتها الإنسانية.


بطولة جديدة في إنكلترا


أطلق الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم يوم الجمعة الفائت مسابقة لكرة القدم الإلكترونية، بمشاركة 16 لاعباً من أندية البلاد وخارجها. وأطلق على المسابقة اسم «كرة القدم هي أن تبقى في منزلك». ويشارك في البطولة الإلكترونية لاعب مانشستر يونايتد ماركوس راشفورد، لاعب ليفربول ترينت ألكسندر آرنولد، وكذلك جيمس ماديسون وكولوم هادسون أودوي وتاني إبراهام وتود طونويل وريان سيسغنون وجايدن سانشو، واللاعبة لوسي برونز المحترفة في نادي ليون الفرنسي. ويشاهد الجمهور هذه المباريات مباشرة عبر الحساب الرسمي للاتّحاد الإنكليزي في تويتر ويوتيوب.


سيباستيان لوب يتحدّى الملل


لم تسلم بطولة العالم للراليات من الفوضى التي أحدثها فيروس كورونا المستجد في روزنامة الأحداث الرياضية لهذا العام، لكن بطل العالم تسع مرات الفرنسي سيباستيان لوب يحاول التعويض من خلال «البلاي ستايشن». وبما أنه قرّر خوض راليات محدودة كلّ موسم منذ تتويجه القياسي التاسع والأخير عام 2012، اكتفى لوب هذا الموسم بالمشاركة على متن هيونداي في الجولة الافتتاحية التي أُقيمت في مونتي كارلو حيث حلّ سادساً، ثم غاب عن راليي السويد والمكسيك قبل أن يتّخذ القرار بتعليق الموسم حتى إشعار آخر بسبب فيروس «كوفيد-19». ومن منزله في سويسرا، ينشط لوب على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل إطلاع مشجعيه على الأجواء اليومية في ظلّ الحجر المنزلي الذاتي، وتتراوح نشاطاته من ركوب الدراجة النارية في المطبخ إلى محاولة تمضية الوقت من خلال الألعاب الإلكترونية، لا سيما «البلاي ستايشن» حيث يُبقي نفسه في أجواء الراليات، على الرغم من أن الشعور غير مماثل للجلوس خلف مقود سيارة الرالي الحقيقية بحسب ما أفاد ابن الـ46 عاماً. وقال لوب: «أنا ألمس المقود عبر البلاي ستايشن. الأمر ليس مماثلاً (لقيادة سيارة حقيقية) لكنه يساعدنا في قضاء الوقت... بما أن الراليات نشاطي الرئيسي ولا يمكنني القيام به، فهذا يغيّر حياتك قليلاً».