الأنصار قدّم أجمل كرة، الأنصار يمتع، والأنصار الأفضل هجومياً. عناوين مرّت غالباً في وسائل الإعلام اللبنانية عند ختام العديد من مراحل الدوري اللبناني، لكن النتيجة النهائية: الأنصار لم يتوّج باللقب.هو هاجسٌ يطارد صاحب الرقم القياسي في عدد مرات الفوز بالبطولة، منذ عام 2007. هاجسٌ لم يتخلّص منه رغم محاولاته الكثيرة للوقوف ندّاً عنيداً للمنافسين على اللقب. وبالتأكيد عرف الأنصاريون في قرارة أنفسهم أن عملية البناء تحتاج لفترة طويلة، وأن العمل لتأسيس فريقٍ بطل لا يولد بين ليلة وضحاها، وهم ربما عادوا للتفكير بنفس الطريقة بحكم النتائج التي سجلوها عشية انطلاق موسم 2019-2020.
موسمٌ يرى محبو «الزعيم» أنه فعلاً الموسم المنتظَر بالنسبة لهم، وذلك بفعل العمل الكبير المتراكم منذ الموسم الماضي على الصعيد الإداري قبل الفني لتعزيز الصفوف وجمع النجوم وإعادة الصورة القوية للفريق الأخضر، الذي بدا في الموسم الماضي أنه يملك نواة فريقٍ قوي ويحتاج إلى تعديلاتٍ بسيطة قبل الشروع في عملية حصد الألقاب المختلفة.
لكن هذا الأمر لم يحصل لا في كأس النخبة ولا في الكأس السوبر، فخرج الأنصار مجدداً خالي الوفاض، وباحثاً عن حلولٍ لمشاكل لم يتوقّعها فهو بدا منتشياً بالأسماء الكبيرة التي ترتدي ألوانه حالياً، لكنها لم تصنع له حتى الآن الشخصية التي يريدها. شخصية قوية لا يمكن استبعاد ولادتها في أي لحظة، لكن المسألة تحتاج إلى الوقت، فالكلمة الأخيرة هي ما ينقص الأنصار لا أي لاعب في الخطوط المختلفة.
بعد جمعه للنجوم يحتاج «الأخضر» إلى الوقت لا أي لاعبٍ إضافي


بطبيعة الحال عانى «الزعيم» في الموسم الماضي من المشكلة عينها، فأهدر نقاطاً كثيرة في مباريات كان من المفترض أن تكون في متناوله، على غرار مواجهتيه مع طرابلس أو تلك التي لعب فيها مع الصفاء ذهاباً. المشكلة بدت نفسها في نهائي كأس النخبة أمام شباب الساحل، ومن ثم في السوبر أمام العهد، إذ أن الفريق يهبط ذهنياً بشكلٍ مخيف عندما تهتز شباكه، وأحياناً يخرج من جو المباراة من دون أن يعرف طريق العودة!
إذاً وبعكس ما يعتقد البعض مشكلة الأنصار الأساسية ليست في الجانب الدفاعي، ولو أن المنظومة الدفاعية تبدو بحاجةٍ إلى العمل، ففي تجربتيه القويتين أمام الساحل والعهد، وبعيداً من الأسماء المختلفة التي لعبت في خط الظهر، بدا الفريق البيروتي غير منظّم دفاعياً بمعنى أن المقاربة الدفاعية لكلّ لاعب كانت فردية لا جماعية، وهو ما يضعه في خطر التعرّض لتلقي الأهداف حتى أمام فرقٍ متوسّطة المستوى أو ما دون.
وفي هذه المسألة شق يختصّ بالتوظيف الصحيح للاعبين دفاعياً بحسب قدراتهم، وأيضاً في إقناع كلٍّ منهم بدوره وماهية المطلوب منه على أرض الملعب، لكي يصار إلى خلق مجموعةٍ متماسكة تعكس فعلاً معنى اللعب الجماعي دفاعاً وهجوماً. من هنا، يمكن القول إنه مهما وضع الأنصار نجوماً على أرض الملعب في الخط الهجومي فإن هذا الأمر لن يرفعه إلى مصاف الفرق القوية في حال لم يجد التوازن بين الخطوط.
أما الأمر الأكيد، فإنه مهما كثرت الملاحظات فإن وصيف الموسم الماضي سينافس على اللقب بقوة، وسيزرع الخوف في قلوب منافسيه انطلاقاً مما قدّمه في الموسم الماضي، والذي يمكنه البناء عليه كونه يملك إمكانات البطل العتيد.
ومخطئ من يعتقد أن الأنصار لا يعرف نواقصه، فهو عرفها أصلاً منذ نهاية الموسم الماضي حيث شرع في ضمّ النجوم في الخطوط المختلفة، فوقّع مع الحارس نزيه أسعد الذي يعدّ أحد أفضل حراس الدوري في الموسم الماضي، ليكون قد قام بتأمين الخشبات الثلاث بوجود حارسٍ جيد آخر في الفريق هو حسن مغنية.
أما دفاعياً وبغض النظر عن المستوى الذي قدّمه في مباراة السوبر، فإن إعادة الغيني أبو بكر كامارا إلى الفريق هي خطوة ذكية، إذ أن اللاعب بات يعرف أجواء الكرة اللبنانية والأنصار، وإعادة التوقيع معه أفضل من المخاطرة باستقدام أجنبي جديد لا يُعرف ما يمكن أن يقدّمه خلال موسمٍ صعبٍ وطويل. والأهم أن كامارا يمكنه أن يملأ الفراغ في مركزٍ حساس لا يمكن أن يشغله الكثير من اللاعبين، وهو مركز الوسط ـ المدافع، ففي غياب عدنان حيدر ليس هناك البديل الحقيقي، وخصوصاً بعد استغناء النادي عن بلال نجدي وخروج غازي حنيني منه أيضاً. مركزٌ شغله نصار نصار لبعض المباريات في الموسم الماضي، ومثله فعل التونسي حسام اللواتي. صحيح أن اللاعبين قدّما أداءً جيداً في الارتكاز، لكن بلا شك أن الفريق يخسر قدراتهما في مركزين آخرين مهمين جداً أي الظهير الأيمن بالنسبة إلى الأول، والجناح الأيمن أو الوسط ـ المهاجم بالنسبة إلى الثاني.


وفي النقطة الخاصة باللواتي يمكن حصر الكلام، فأحد أفضل لاعبي الأنصار في الموسم الماضي كان أفضل ممرّر للكرات الحاسمة، ما يعني أنه لا يفترض قتل نزعته الهجومية، من خلال منحه دوراً في مركزٍ متأخر في خط الوسط. لكن الواضح أن هذا الإجراء قد يكون متّبعاً لخلق المساحة لإشراك جميع نجوم الفريق، أو إذا صح التعبير لعدم التضحية بأحد نجوم الهجوم: حسن معتوق، حسن شعيتو «موني»، سوني سعد، والسنغالي الحاج مالك تال.
وكل اسمٍ في الرباعي المذكور قد يكون سعيداً لوجود لاعبين من حوله يمكنهم إيصاله إلى الشباك، لكن أيضاً قد تتحوّل هذه المسألة إلى نقمة على كلّ واحدٍ منهم، فإذا كانوا يوماً في نظر الجمهور الأبطال الذين كانوا خلف أي انتصار، فإنهم أنفسهم سيُحمّلون المسؤولية عند كل نتيجة سلبية.
و«عجقة» النجوم هذه في خط المقدّمة تفرض أيضاً عملاً لخلق التناغم المطلوب، وخصوصاً أن كل واحدٍ منهم يمكنه لعب أكثر من دورٍ على أرض الملعب. والأهم أنه بوجود نجمٍ مثل معتوق اعتاد في فريقه السابق أن يكون محور كل شيء، ما يعني أن التعاون لتظهير الإمكانات المختلفة والمختلطة إلى انتصارات وإنجازات هي مسؤولية «رباعي الرعب» المذكور.
هو موسمٌ قد يكون مصيرياً لمستقبل الأنصار إذا صح التعبير، إذ أن زمن الهزائم طال بالنسبة إلى «الأخضر»، ولم تعد أي نتيجة غير إيجابية مقبولة بالنسبة إلى مشجعيه الذين لا يجدون اليوم أي سببٍ لعدم فوز فريقهم باللقب، وهو أمر سيرمي بضغطٍ كبير على اللاعبين ليواجهوا بالتالي أسوأ خصومهم في ما يريدونه أحلى مواسمهم.