نجوم متمردون، صفقات ضخمة، ورواتب خيالية، فكوارث فنية. هذه هي العبارات التي يمكن أن تختصر سوق الانتقالات الصيفية، التي شهدت قبل أيام قليلة على إقفال بابها ما لم تشهده، أقله في نسخاتها الخمس الأخيرة.
فعلاً ما حدث من انتقالات وما رافقها من حالات تمرد وغضب وهجمات إعلامية، لم يرَ عالم كرة القدم مثيلاً لها في الألفية الجديدة، فهذه السوق قد تغيّرت بنحو شبه جذري من صورة اللعبة وطريقة التعامل في أسواقها بين الأندية الكبيرة، في مشهد يراه كثيرون أنه لا يليق باللعبة الشعبية الأولى في العالم، التي يغلب عليها اليوم الجشع ولا شيء سواه.
من هنا يأتي السؤال: هل اختربت السوق فعلاً، ومن خرّبها أو خرّب بعض أنديتها؟
لقد اعتقد كثيرون أن انتقال الفرنسي بول بوغبا من يوفنتوس الإيطالي إلى مانشستر يونايتد في الصيف الماضي، كان منعطفاً في تاريخ اللعبة، وخصوصاً أن الصفقة التي تخطت ١٠٠ مليون يورو كانت قياسية. لكن الواقع بات مغايراً تماماً، فما فعله باريس سان جيرمان الفرنسي في الأسابيع القليلة الماضية هو ما غيّر «قوانين اللعبة» في ما يخص ذاك العالم الواسع المسمّى عالم الانتقالات الذي بفعل ما أقدم عليه النادي الباريسي تغيّر إلى الأبد.
والحديث هنا يبدأ من تلك الصفقة التي جلبت نيمار من برشلونة الإسباني، فالمبلغ (٢٢٢ مليون يورو) الذي فكّ عقد النجم البرازيلي لم يكن يتصور أحد أن نادياً سيدفعه في المستقبل القريب، لكن سان جيرمان فعلها ليطرح معادلة لا يمكن إسقاطها بعد اليوم، مفادها أن ليس هناك أي لاعب لا يمكن شراؤه أو ليس للبيع.

يغلب على كرة
القدم اليوم الجشع
ولا شيء سواه

هذا في مرحلة أولى. أما في المرحلة الثانية التي يمكنها أن تبدّل من صورة السوق خاصة واللعبة عامة، فهي الصفقة المرتقبة التي ستحمل النجم الفرنسي الصاعد كيليان مبابي من موناكو إلى باريس، حيث سقط معها قانون اللعب النظيف الذي بدا هشاً مع ذهاب سان جيرمان إلى استعارة اللاعب، إيذاناً بشرائه في وقت لاحق، أي عندما يقلص من حجم القيمة المالية للاعبيه مجموعين، حيث لم يتمكن هذا القانون من كبح جوعه في السوق، فخطف نجماً آخر لن يكلفه أقل من ١٨٠ مليون يورو.
طبعاً لا يمكن اتهام باريس سان جيرمان بأي شيء، لأن طموحات النادي الفرنسي مشروعة وشرعية. كذلك لا يمكن اتهامه بتخريب السوق، بقدر ما يمكن الحديث عن خلط للأوراق فيه بعد اشتعال أول شرارة لصفقة كبيرة.
من هنا يبدأ الحديث عن تأثير هاتين الصفقتين الذي كان له وقعه في السوق، فالأولى زعزعت برشلونة، والثانية فرضت ضعفاً في موناكو، ما يعني أنهما أحدثتا خراباً في الفريقين. وهذا الخراب لا يقتصر على الجانب الفني فقط، بل أقله بالنسبة إلى النادي الكاتالوني، ضرب الحسابات المالية وحشر إدارته في الزاوية.
عملية حسابية بسيطة تكشف أن أطماع الأندية التي رغب برشلونة في استقطاب لاعبين منها، كبرت كثيراً، حيث أراد كل منها الحصول على قطعة من «قالب نيمار»، فبدأت الأسعار تتضخم بنحو مخيف، ليصبح سعر لاعب مثل الفرنسي عثمان ديمبيلي الذي كلف فريقه بوروسيا دورتموند ١٥ مليون يورو فقط الصيف الماضي، أكثر بأضعاف بعدما وصل إلى ١٠٥ ملايين من دون الإضافات. وإذا جمعنا هذا المبلغ مع ما يترقب أن يدفعه «البرسا» لضم البرازيلي كوتينيو من ليفربول الإنكليزي (نحو ١٥٠ مليوناً)، الذي قدم بدوره بسعر زهيد إلى «أنفيلد رود»، يكون النادي الكاتالوني قد دفع أكثر بكثير من المبلغ القياسي الذي حصل عليه من عملية انتقال نيمار، ليكون بالتالي قد تلقى أكثر من ضربة في آن واحد، أولاها معنوية، ثانيتها فنية، وثالثتها مالية.
إذاً، هي المرحلة الجديدة في عالم كرة القدم حيث الحُكم للمال ومن يملكه، وحيث بات اللاعبون لا يأبهون لتعلق جماهير أنديتهم بهم، فيسقط الوفاء في اتصال واحد يحمل أصفاراً كثيرة في ذيل رقم شيكٍ مصرفي معيّن، لتصبح المعادلة بسيطة: تمرّد فتحصل على ما تشاء. أما بالنسبة إلى ناديك، فله الصبر والعزاء.