دير الزور | بعد انقطاع ستّ سنوات، عادت رحمة السالم، ابنة الثلاثة عشر ربيعاً إلى المدرسة. نزحت رحمة، مع عائلتها في العام 2013، إلى منطقة جديدة خابور، التابعة لناحية الكرامة في محافظة الرقة. «لما رجعت ع المدرسة حسيت وكأن الروح رجعت لي. المدرسة بالنسبة لي كل شي، تعلمنا وتكبرنا»، تقول الطفلة لـ«الأخبار» بثقة تعكسها ملامح وجهها. قبل ثلاثة أعوام لم تكن رحمة تمتلك طموحات واضحة بشأن مستقبلها، أما اليوم، فهي تريد أن تصبح مهندسة ديكور. تقول الطفلة إن والدتها كانت تشرف على تدريسها في المنزل في سنوات انقطاعها عن المدرسة. تعمل الأم معلّمة؛ تقاطع ابنتها بالقول «بصفتي أماً أولاً، ومعلمة ثانياً، لم أجلس مكتوفة اليدين وأنا أرى مستقبل أولادي يذهب أمام نظري. وضعت لهم برنامج تدريس يومياً، أعطي فيه بعض الأساسيات التعليمية، وأذكرهم بالمعلومات دوماً». وتضيف «لدي اليوم شغف كبير بمهنة التعليم، يفوق ما سبق. قد يعود ذلك إلى ما عشته خلال تلك الفترة من ظروف سيئة». في السنوات «السُود»، كان اتصال رحمة بالعالم الخارجي يقتصر على ذهابها «مجبرة» إلى المسجد، الذي كان تنظيم «داعش» المتطرّف يعدّه «حلقة تعليمية» يأخذ فيها الأطفال «الدروس الشرعية». تشير رحمة إلى أن المشرفة كانت تقوم بتحفيظهم القرآن الكريم يومي الجمعة والسبت، وتكافئهم بالحلويات.
يبلغ عدد طلاب «الفئة ب» في دير الزور نحو 25 ألفاً

«المدرسة النظامية أحسن من المدرسة الشرعية»، هذا ما تقوله الطفلة أسماء الشيخ (14 عاماً) لـ«الأخبار». أسماء واحدة من أطفال مدينة البوكمال، التي خضعت لسيطرة تنظيم «داعش»، وقد انقطعت عن المدرسة ثلاث سنوات. لا تزال ذاكرة عيسى، ابن العشر سنوات، محتفظة بجمال لحظة عودته إلى المدرسة، يقول ضاحكاً «القعدة بالبيت مضرة بالصحة»، ويردف بجدية «الفيقة الصبح متعبة، بس فيها تعب يضمن لي تحقيق أحلامي».
شهد الطفل محمد السيد، من قرية البصيرة، على سيطرة تنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش» المتطرّفين، على قريته. ولم يكن يتلقّى أي تعليم، خلافاً لأصدقائه الذين كانوا يتلقون تعليماً منزلياً، ويبرر الطفل ذلك بأن والديه أميّان. يقول «خلال أربع سنوات لم أذهب إلى المدرسة سوى لمدة أسبوع فقط، ثم تحولت إلى مقر قيادة لجبهة النصرة»، ثم يشرح أن مدرسته السابقة قُصفت، وهو يشتاق إليها دائماً ويتذكر رفاقه الذين لا يعرف عنهم أي خبر اليوم.


من بين المشكلات التي يعيشها قطاع التعليم في دير الزور، يبرز النقص الملحوظ في عدد المعلمين والمعلمات، فضلاً عن حاجة بعضهم إلى تدريب على تدريس «المنهاج ب». تشرح مدرسة اللغة العربية، عبير العلي، أنها واجهت صعوبات في تعليم طلاب «الفئة ب»، لأن «طلاب تلك الفئة غير منضبطين سلوكياً، بسبب عدم تعودهم النظام المدرسي، ونشأتهم في جو حرب أثّر في سلوكياتهم». وتضيف: «المدرسة تعمل على تهيئة الطلاب نفسيّاً، وإشعارهم بالأمان، وبالطفولة التي حُرموا منها سابقاً». أما مدرّسة اللغة الإنكليزية، حنان المخلف، فتحكي عن صعوبات تتعلق باستجابة الطلاب للمعلومات، وتباين المستويات الفكرية في ما بينهم. تشرح لـ«الأخبار» أنها حاولت تطوير مهاراتها ذاتياً، كونها لم تتلقّ أيّ تدريب على تدريس هذه الفئة، على عكس معظم المعلمين والمعلمات في مختلف المحافظات. وتؤكد أن «المنهاج ب يتضمن معلومات مضغوطة، ومعلومات لا يحتويها المنهاج العادي، تحتاج إلى شرح إضافي كي يستوعبها الطلبة».
يقول مدير التربية في دير الزور، خليل حاج عبيد، لـ«الأخبار» إن «المنهاج ب يساعد على إنقاذ تلاميذ التعليم الأساسي الذين انقطعوا عن التعلم المدرسي، وأعمارهم أكبر من نظرائهم في الصفوف المماثلة». يشرح أن «طلاب الفئة ب يخضعون أول الأمر لسبر معلومات، قبل أن يتم إلحاقهم بالصف المناسب لمستواهم». يقول «عدد هؤلاء في محافظة دير الزور حوالى 25 ألفاً». ويضيف «الأعداد في تناقص مستمر كل سنة».