«الواحد ما إلو قلب ينزل»، تقول صبيّة ثلاثينية، وهي تنزل من أحد باصات النقل الداخلي في اللاذقية. إلى جانب الصبيّة طفلٌ يدندن أغنية شعبية، سمعها قبل لحظات من أفواه مجموعة موسيقيين ترافقهم آلاتهم وصخبهم داخل الباص. على امتداد السنوات الماضية، اشتهر «الباص الأخضر» بوصفه «وسيلة نقل وحيدة الاتجاه»، بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق المجموعات المسلحة. وسيلة، حملت في من حملتهم، مسلّحين ومدنيين، واستحقت «رمزية إقصائية» في نظر البعض. لا يبدو أن تلك الحيثيات قد غابت عن بال منظمي احتفالية «الباص الثقافي»، التي احتضنتها اللاذقية. هكذا، غطّت اﻷنشطة المتعددة من مسرح وسينما وموسيقى، «خطوط النقل الداخلي» في مدينة كانت من أوائل المدن التي شهدت تظاهرات، وأولى المدن التي انتهت فيها التظاهرات. استمرت الفعالية ثلاث ساعات فقط (يوم الأربعاء)، وفي ذروة الازدحام، ما أسهم في استقطابها الأنظار، مع بعض الامتعاض بسبب «الشوب». صاحب الفكرة هو الفنان مروان دريباتي، الذي قدم الموسيقى والأغاني، برفقة شقيقه ياسر، الذي تولى تقديم النصوص المسرحية. أما الجهة المنظمة، فهي «البيت العربي للموسيقى والفنون»، بالتعاون مع «الأمانة السورية للتنمية»، و«وزارة الثقافة»، و«الشركة العامة للنقل الداخلي». يقول ياسر لـ«الأخبار» إن «الاحتفالية تحاول كسر السائد في علاقة المنتج الإبداعي بالناس، وهي محاولة لإعادة علاقتهم مع الفنون، بعد غياب التواصل الإنساني الذي كانت تحققه سابقاً». لم يميز كل ركاب الباصات ما إذا كان ما يحدث أمامهم حقيقياً أم تمثيلاً. إحدى السيدات تدخلت لفضّ النزاع، بين ممثلين وصلت الأمور بينهما إلى الطلاق، بسبب الوضع المعيشي ومهنتهما (المسرح) التي لا تطعم خبزاً. فيما رفض صياد سمك أن ينزل من الباص قبل انتهاء المشهد الذي يجري أمامه، معتبراً أن هناك فسحة للحديث عن مشاكل صيادي السمك. أبو خالد، الصياد، غنّى مع الموسيقيين، وألقى نكتة سياسية، قبل أن ينزل من الباص، ويغيب عن الأنظار.إحدى الممثلات، أليسار كوسا، صرخ بها راكب ستيني أن «اقعدي محلك وحاج مياعة»! أحد الركاب عرف أن اسم الممثلة التي تؤدي المشهد هو حنان (نعمان)، فكانت «آه ياحنان» لازمة يكررها كلما لفظت تلك الممثلة كلمة. الممثل علي يونس، رأى أن «التجربة، بقدر غرابتها، بقدر ما خلقت حالة إيجابية ضمن ظروف البلد الراهنة، حيث هناك حاجة لتقبّل الآخر».
تنقّل النجم عبد الرحمن أبو القاسم، بصفته ضيفاً على الفعالية، بين الباصات الثلاثة التي احتضنتها. يقول أبو القاسم لـ«الأخبار» إن «التجربة جيدة، لكنها تحتاج دراسة أكثر». ويضيف: «على الصحافيين والمصورين والمسؤولين الابتعاد عن ساحة الحدث، وترك الفرصة أمام الناس للاستمتاع بالعروض المقدمة».
تنفيذ هذه التجربة في مدن أخرى، هو وعد أطلقته «وزارة الثقافة» بعد إحساسها بنجاح التجربة. لكن بعض المسرحيين رأوا أن «طبيعة اللاذقية الأميل إلى الانفتاح، قد تكون عاملاً مساعداً. فيما لا يتوافر ذلك في مناطق أخرى أكلتها ظروف الحرب والقهر أكثر من اللاذقية».