أنا وأنت ومجموعة كاملة من الأصدقاء الآخرين قرّرنا أن نذهب في رحلة تخييم. لا يوجد تسلسل هرمي بيننا؛ هدفنا المشترك هو أن يقضي كل واحد منا وقتاً ممتعاً، وأن يمارس ما أمكن من النشاطات التي يحبها (بعض النشاطات نقوم بها سوياً؛ والبعض الآخر نقوم به كلٌ على حدة). لدينا كل المعدات اللازمة للمشروع: لدينا، على سبيل المثال، الأواني، الزيت، القهوة، صنارات الصيد، الزوارق، كرة قدم، أوراق لعب، وما إلى ذلك. وكما هو معتاد في رحلات التخييم، فإننا نستفيد من تلك المعدات بشكل جماعي: حتى لو كانت المعدات ملكية خاصّة لبعض الأفراد، فإنها تخضع للسيطرة الجماعية طوال مدّة الرحلة، ولدينا تفاهمات مسبقة ومشتركة حول من سيستخدمها ومتى سيفعل ذلك، وتحت أي ظرف ولماذا. أحدهم يصطاد السمك، وآخر يعد الطعام، وشخص آخر يطبخه. الأشخاص الذين يكرهون الطهي، قد يستمتعون بغسل الصحون. هناك الكثير من الاختلافات، ولكن تفاهماتنا المتبادلة، وروح الرحلة، تضمن عدم وجود أوجه لا مساواة يمكن لأي شخص أن يعترض عليها.
صحيح أن من العادة في رحلات التخييم أن يتعاون الناس في إطار هدف مشترك، وهو أن يكون لكل الأشخاص، بقدر الإمكانات المتاحة، فرصاً متساوية للتألّق وفي الوقت عينه للاسترخاء. بشرط أن يساهم هذا الشخص، بشكل يتناسب مع قدراته، في تألّق الآخرين واسترخائهم أيضاً. في هذا السياق، يقبل معظم الناس، وحتى معظم مناهضي مذهب المساواة، معايير المساواة والمعاملة بالمثل، بل يعتبرونها أمراً مفروغاً منه. لدرجة أن لا أحد في مثل هذه الرحلات يشكك أو يناقش في المعايير، إذ إن التشكيك فيها يتناقض مع روح الرحلة.
يمكن تخيّل رحلة تخييم يطالب فيها كل فرد بحقوقه على المعدات التي يمتلكها وعلى الحرفة التي يتقنها. ويُصبح هناك مساومة على ماذا سيدفع فلان ولمن سيدفع ليسمح له، مثلاً، باستخدام سكين تقشير البطاطا، وكم سيفرض رسوماً على الآخرين مقابل تلك البطاطا المقشرة التي اشتراها في حالة غير مقشرة من مخيم آخر، وما إلى ذلك. يمكنك بناء رحلة تخييم على مبادئ التبادل السوقي والملكية الخاصة البحتة للمعدات اللازمة.


في هذه الحالة، معظم الناس سيكرهون ذلك. يميل معظم الناس إلى النوع الأول من رحلات التخييم أكثر من الثاني، ليس فقط بسبب روح الزمالة، ولكن أيضاً، تجدر الإشارة، أنهم يختارون هذا النوع بسبب الفعالية. (إذا ما وُضع في الاعتبار التكاليف العالية للمعاملات التي تتخللها رحلة تخييم التي تكون على شكل السوق. سيتم قضاء الكثير من الوقت في المساومة، والقلق والريبة المتواصلة للحصول على فرص أكثر ربحاً). وهذا يعني أن معظم الناس ينجذبون إلى المثل الأعلى الاشتراكي، على الأقل في بعض الحالات.
لتعزيز هذه النقطة، إليكم بعض التخمينات حول كيفية تفاعل معظم الناس في سيناريوهات التخييم المختلفة التي يمكن تخيلها:
أ- هاري يحب صيد السمك، وهاري موهوب جداً في صيد الأسماك. وبالتالي، فإنه يصطاد، ويجمع، الأسماك أكثر من غيره. يقول هاري: «إنه أمر غير عادل كيف تُدار الأمور. يجب أن أحظى بالسمك الأفضل عندما نتناول العشاء. كان يجب أن أحصل على سمك الفرخ فقط، وليس مزيجاً من الفرخ والسلور الذي يحصل عليه الجميع». لكن زملاءه المخيمين يقولون: «أوه، بحقّ السماء يا هاري، لا تكن غبياً لهذه الدرجة. أنت لا تقوم بجهد وتعرق أكثر من بقيتنا. إذا كنت موهوباً في صيد الأسماك، نحن لا نحسدك على هذه الهبة الخاصة بك والتي تعدّ، بشكل واضح، مصدر رضا لك، ولكن لماذا يجب أن نكافئ نحن حظك الجيد؟».
ب- بعد رحلة استكشاف خاصّة مدّتها ثلاث ساعات، تعود سيلفيا المتحمسة إلى موقع التخييم وتقول: «لقد عثرت على شجرة تفاح ضخمة، مليئة بالتفاح المثالي». يصرخ آخرون: «عظيم». «الآن يمكننا جميعاً تحضير صلصة التفاح وفطائر التفاح ولفائف التفاح!». «لكن ذلك مشروط، طبعاً» تقول سيلفيا مشيرة إلى: «خفض عبء العمل الخاص بي، و/أو تزودوني بمساحة أكبر في الخيمة، و/أو المزيد من لحم الخنزير المقدد في وجبة الإفطار». إن مطالبتها هذه، كأنها نوعاً ما تملك الشجرة، ستثير سخط الآخرين.
ج- يكتشف المتنزهون وهم يسيرون على طول مسار للمشاة في الحقل، مخبأ مكسرات تخلى عنها بعض السناجب. فقط ليزلي، التي وُهبت منذ ولادتها بالعديد من المهارات، تعرف كيف تكسرها، لكنها تريد فرض رسوم مقابل مشاركة تلك المعلومات. لا يرى المخيمون فرقاً كبيراً بين طلبها ومطلب سيلفيا.
بسبب تباينه مع الحياة بشكل عام، يخدم نموذج رحلة التخييم كنقطة مرجعية بوجه الفرضيات التي تزعم بأن الاشتراكية في جميع أنحاء المجتمع غير مجدية أو مرغوبة، لأنها تبدو بشكل واضح مجدية ومرغوباً بها في الرحلة


د- أدركت مورغان شيئاً يخص موقع التخييم. «مهلاً، هذا هو المكان الذي كان يخيم فيه والدي قبل ثلاثين عاماً. وهذا هو المكان الذي حفر فيه بركة صغيرة خاصة على الجانب الآخر من ذلك التل، وزوّدها بأسماك جيدة النوع ومميزة. عرف أبي أنني قد آتي للتخييم هنا يوماً ما، وفعل كل ذلك حتى أتمكن من تناول الطعام بشكل أفضل عندما أكون هنا. رائع! الآن يمكنني الحصول على طعام أفضل منكم يا رفاق». يعبس الباقون، أو يبتسمون، لجشع مورغان.
بالطبع، لا يحب الجميع رحلات التخييم. أنا نفسي لا أستمتع بها كثيراً، لأنني لست من النوع الذي يحب الخروج في الهواء الطلق، أو على أي حال، لست من محبي النوم في الليل من دون فراش. هناك حدّ للخروج في الهواء الطلق الذي يمكن توقع بعض الأكاديميين أن يخضعوا له: أفضل أن تكون اشتراكيّتي في دفء الكلية على أن تكون في رطوبة جبال «الكاتسكيلز»، وأنا أحب مهنة السباكة الحديثة. لكن السؤال الذي أطرحه ليس: ألا ترغب في الذهاب في رحلة تخييم؟ إنما: «أليس واضحاً أن الطريقة الاشتراكية، مع الملكية الجماعية والتبادل المجاني المخطط له، هي أفضل طريقة لإدارة رحلة تخييم، سواء كنت تحب التخييم أم لا؟». ظروف رحلة التخييم خاصة بشكل كبير: العديد من خصائصها تميزها عن ظروف الحياة في المجتمع الحديث. لذا لا يمكن للمرء أن يستنتج أن رحلات التخييم المرغوبة والممكنة من النوع الذي وُصف في النص، تعني أن الاشتراكية على مستوى المجتمع ممكنة ومرغوب فيها أيضاً. هناك الكثير من الاختلافات الرئيسية بين السياقات.
لكن ما نحتاج إلى معرفته بشكل عاجل هو بالضبط ما هي الاختلافات المهمة، وكيف يمكن للاشتراكيين معالجتها؟ بسبب تباينه مع الحياة بشكل عام، يخدم نموذج رحلة التخييم كنقطة مرجعية بوجه الفرضيات التي تزعم بأن الاشتراكية في جميع أنحاء المجتمع غير مجدية أو مرغوبة، لأنها تبدو بشكل واضح مجدية ومرغوب بها في الرحلة.


* ج.أ. كوهين هو فيلسوف سياسي كندي، شغل منصب بروفيسور في جامعة كليّة لندن. عُرف بأعماله عن الماركسية، ولاحقاً، المساواة والعدالة التوزيعية في الفلسفة السياسية المعيارية. من أهم مؤلفاته «نظرية كارل ماركس للتاريخ: دفاع عن النظرية»، «الملكية الذاتية والحرية والمساواة»، «إنقاذ العدل والمساواة»