حضر النائب وليد جنبلاط وكل أعضاء كتلته الى جلسة مجلس النواب أمس. النائب طلال ارسلان كان موجوداً، لكن في احد مكاتب المجلس، وذلك بحال اضطر النواب إلى «الاستعانة بصديق» لأجل التصويت. النائب ميشال عون كان حاضراً ايضاً. المشهد اوحى بأن المعركة التي أجّلت إلى يوم أمس من اليوم الذي سبقه، اصبحت محسومة وأن الامور تسير باتجاه تصويت الاكثرية على مشاريع واقتراحات القوانين الخلافية. لكن هذا السيناريو سقط لأن الأكثرية لم تتمكن من تأمين النصاب العددي بعدما أمنت «النصاب السياسي». فالنائب (والوزير) سليم كرم، على سبيل المثال، لم يحضر الجلسة. وعندما اتصل به زملاؤه، تبين انه نائم، على ذمة أكثر من نائب حليف للنائب الزغرتاوي. أما رئيس كتلة الأخير، النائب سليمان فرنجية، فغاب «لأنه لم يكن يظن ان المعركة هي معركة نصاب»، على حد قول أكثر من نائب في تكتل التغيير والإصلاح. كذلك غاب النائب عصام صوايا الذي يعاني من مشكلات قانونية في الولايات المتحدة، حيث هو موجود، فيما الوزير حسين الحاج حسن كان مسافراً، ولم يتمكن من الوصول إلى ساحة النجمة. وكرت سبحة الغياب، فعجزت الاكثرية عن إثبات «أكثريتها»، ما ادى إلى خضوعها لفيتو رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة الذي طلب من المجلس منحه «صك براءة مالي» عن الفترة التي قضاها في رئاسة الحكومة، والتي شهدت صرف مبلغ 11 مليار دولار بغياب أي قانون للموازنة. ولما رفضت الأكثرية ذلك، انسحب نواب 14 آذار من الجلسة بهدف تعطيلها. وخارج القاعة، حاول حلفاء تيار المستقبل إضفاء صيغة مذهبية على الخلاف المالي. اما النصاب السياسي، فترجمته مكونات الحكومة من خلال حضورها إلى المجلس، وإنقاذها جلسات مجلس الوزراء، وخاصة كتلة النائب وليد جنبلاط الذي طلب منه الرئيس نجيب ميقاتي، بحسب مصادر الطرفين، التصويت إلى جانب مشروع الـ8900 مليار، لما له من أهمية لعمل الحكومة. وجنبلاط، الذي كان تكتل التغيير والإصلاح وبعض قوى 8 آذار تخشى «وقوفه على خاطر السنيورة» حضر، فيما غاب حلفاء التكتل الذي أقر بعض أركانه بجزء من المسؤولية عن عجز الأكثرية عن إظهار نفسها في المجلس.
لكن هذا العجز، بحسب مصادر تكتل التغيير والإصلاح، «لم يحل دون فصل ملف السنيورة المالي عن غيره من مشاريع واقتراحات القوانين، ومن هنا أتى إصرارنا على عدم ضبضبة ملف الـ11 مليار دولار في الجارور، رغم أن قوى 14 آذار كانت ستجارينا في قوننة بدل النقل». ورفض نواب التكتل النظر إلى عدم إقرار قانون بدل النقل كـ«خسارة»، لأن «ما يهمنا هو أن تتحمّل الأكثرية مسؤوليتها من جهة، وعدم تفريطنا بملفات المالية العامة من جهة أخرى».
وتعد قوى الأكثرية بحشد جميع نوابها للجلسة التشريعية التي ستُعقد يوم 5 آذار المقبل (لم تُحدّد الجلسة الأسبوع المقبل بسبب ارتباط الرئيس بري بمواعيد في قبرص حيث سيناقش ملف الحدود البحرية والنفط). وبحال لم تسر تلك القوى بمشروع الـ8900 مليار ليرة ومشروع بدل النقل فعلى «الحكومة ان تستقيل»، على حد قول احد نواب «التغيير والإصلاح». هكذا، وبسبب رفع الجلسة لم يصل النواب الى البندين الاكثر اهمية بالنسبة إلى المواطنين وهما اقرار مشروعي بدل النقل، وخفض السنة السجنية.
خلال الجلسة، وعندما بدأ النقاش حول الـ8900 مليار ليرة، لوحظ قيام معاون رئيس المجلس علي حسن خليل برحلات مكوكية بين بري والعماد عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. خليل كان يتنقل على اكثر من خط وجبهة ومحور. للحظات كنت تراه يهمس في اذن بري، ثم تجده حاضناً وزير الطاقة جبران باسيل او متوجهاً صوب العماد عون. كل هذه الرحلات اوحت بأنه يتم التحضير لشيء ما، خصوصاً بعد مداخلة السنيورة ورد بري عليه وتوتر الاجواء داخل القاعة. ففي كلمته، قال السنيورة انه «خلال الاعوام 2006 و2007 و2008 و2009، بلغ حجم الانفاق زيادة على القاعدة الاثني عشرية 11 مليار دولار، فقامت الدنيا ولم تقعد، ولاحظنا أنه في عامي 2010 و2011 بلغ الانفاق 11 مليار دولار، فكيف يعتبر إنفاق 11 ملياراً في أربع سنوات سرقة للمال العام، ويكون إنفاق 11 ملياراً في سنتين مالاً طاهراً؟».
هنا طلب بري الرد على السنيورة كـ«نائب» فقال: «ناشدتك بالامس (الاول) ان تشكل لجنة لا تمثل طرفاً فيها، من الوزارات ومن الكتل لإعطاء حلول قانونية مقبولة لكل هذه الامور الخلافية حول الاموال والمراسيم التي اقرت». وتابع بري «مشروع الـ8900 مليار جاء من الحكومة وأحلتُه الى لجنة المال، واذا حصل كما اقترحتُ عليك من خلال لجنة، فتحل الامور وهذا هو الطريق المستقيم، وتأجيل الامر وقلت لك سأؤجل الموضوع الى اليوم (امس) لأتفق معك وما زلت على اقتراحي». فردّ السنيورة: «لدي حل كامل لكل الموضوع ولا امانع وجود لجنة، ولكن لا يجوز ان نجتزئ حتى لا نسيء لطرف، اريد احتضان المشكلة وايجاد حل متكامل لها». ثم اقترح السنيورة تأجيل البت بالامر «لاسبوعين او عشرة ايام ويمكن ان نحل الامر».
ثم طلب رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان الكلام قائلاً «هذا المشروع وصل الى الحكومة وجرى نقاش على مدى شهر وطلبنا من المالية كل المعلومات وعدّلنا فيه، وهذا المشروع يختلف كثيراً عن موضوع الـ11 مليار دولار، اذ يوجد هناك جداول تفصيلية تتعلق بصرف الاموال والمشروع المطروح عرض وفق الاصول». وخلال كلمة كنعان حاول السنيورة مقاطعة الاخير فما كان من زميله في التيار نبيل نقولا الا ان صرخ «كمّل يا ابراهيم». وعندما هم السنيورة بالخروج، قال كنعان لبري: «هو نائب مثلي مثله، وانا سمعته للآخر. فلازم يسمعني». انهى كنعان مداخلته معدداً الفوارق بين «مشروع الـ8900 مليار ليرة، والـ11 مليار دولار التي يجب أن تصل بها جداول مفصلة من الحكومة، لا أن يتم إقرارها بورقتين».
خروج نواب تيار المستقبل من الجلسة وتّر الاجواء، فقال النائب وليد جنبلاط انه في الفترة السابقة «كانت ظروف استثنائية، هل هناك فرصة لاعطاء مهلة لانهاء هذا الموضوع؟». من جهته اقترح النائب جورج عدوان «اقرار سلفة بقانون لنتمكن من خلال اجهزة الرقابة من مراقبة الانفاق». اما النائب بطرس حرب، فطلب تأليف «لجنة لدراسة هذا المشروع والا نأسف اننا لا نستطيع السير فيه في ظل ابقاء التهم وتصنيف الناس قديسين وزعران». بعد انسحاب نواب المستقبل وعملية الاخذ والرد رفع بري الجلسة.
في الخارج، صرح النائب ميشال عون فقال «في طريقي الى الجلسة مررت بمحل سمانة قرب منزلي، سألته: كيف تدير عملك يوميا؟، فأجاب: أبيع وأشتري وأسجل ما أدفعه وما أقبضه اسجله في دفتر، وأعرف آخر النهار إذا كنت قد ربحت أو خسرت وكم المبلغ». أضاف عون: «وصلت الى هنا، الى مجلس النواب واكتشفت ان الـ11 ملياراً التي يتكلمون عنها هي غير مسجلة في أي قيد، فلا أحد سجلها، ولا يريدون تقديم أي كشف حساب. واكتشفنا ان الامر بدأ منذ العام 1993 وتكرر خلال السنوات اللاحقة. لذلك نطالب من ضمن خطتنا الاصلاحية بكشف حساب، ومن يرفض اجراء كشف حساب اطردوه. وأطالب كل الشعب اللبناني أن يطرد في الانتخابات كل أولئك الذين يرفضون القيام بكشف حساب».
ثم عقد لقاء بين بري وعون، وبين بري وميقاتي والسنيورة. وقد صرح ميقاتي بعد خروجه بأنه «ينبغي النظر الى الجزء المليء من الكأس، وليس الى الجزء الفارغ، فقد خرجنا من الأزمة الحادة التي مرت خلال الأسابيع الفائتة بإيجابيات عدة يجب علينا أخذ العبر منها، وهي تمسك الجميع بالنظام اللبناني وبالدستور وبدور المؤسسات». وقال ميقاتي انه «كان هناك نصاب في الجلسة، لكن دولة الرئيس بري بحكمته، ظل دائما عند كلمة جمع اللبنانيين، وان شاء الله في الخامس من آذار نكون اتفقنا على خطوات عديدة وتأخذ الامور مسارها الصحيح». يشار الى أن بعض النواب قالوا إن النصاب لم يكن مكتملاً اذ «عدّ الرئيس بري الحضور وكانوا 56 نائباً، لكنه لم يعلن ذلك».
وبعد ظهر أمس، جرى توافق بين أركان الأكثرية والمعارضة على تأليف لجنة نيابية وزارية، يرأسها الرئيس نبيه بري، وتضم الوزراء محمد فنيش ومحمد الصفدي ووائل بو فاعور والنواب روبير غانم وابراهيم كنعان وغازي يوسف وجمال الجراح، على ان تباشر سريعاً نبشَ ملفات المالية العامة، «على امل ان تقفل ملف الـ11 مليار دولار وتحديد سبل إنفاقها».