ويتندر بعض البقاعيين بالقول إن السلطات السورية تشترك في غالبية العمليات، عن طريق تجنيد بعض المهربين ليقوموا بابلاغ الامن السوري عن مواعيد ومكان التسليم، لمصادرة «البضاعة».
سهولة الوصول الى القرى المتاخمة للحدود السورية، لا تلغي صعوبة ووعورة الطريق التي تصل الى معابر ومنافذ المهربين المعتمدة، لنقل بضائعهم في الاتجاهين. فالطريق طويلة وجبلية، وهي أشبه بحقل ألغام لا يعرف فكفكة صواعقه، غير من ألِفه وحفظه «عن ظهر قلب». الشاحنات الصغيرة ذات الدفع الرباعي، لم يعد لها «عازة»، في هذه الطرق، عند منافذ حلوة وينطا وعيتا الفخار، في قضاء راشيا، وعلى طول خراج بلدتي المنارة والصويرة، وصولاً الى خراج بلدتي مجدل عنجر وعنجر حتى كفرزبد. فهذه المنافذ اقفلها الجيش اللبناني بسواتر ترابية، فضلاً عن إقامته نقاطاً عسكرية عند المرتفعات، منذ بداية الاضطرابات في سوريا. أما عند المقلب الآخر في الاراضي السورية، فيجزم المهربون أنه اضافة الى الدوريات الراجلة للهجانة وحرس الحدود، زرعت ألغام «ضد الافراد» عمل بعضهم على تفكيك جزء منها.
لم يكن سهلاً إقناع جهاد (اسم مستعار)، الذي يمتهن التهريب منذ نحو 20 عاماً، في البقاع الغربي، بالكلام عن تهريب السلاح الى سوريا بعد الاحداث الاخيرة. لكن الوعود بإبقاء اسمه طي الكتمان أقنعته بالكلام. المهرب الذي خبر مسالك الحدود منذ أن كان في الثالثة عشرة كان في ما مضى محسوباً على جهات قريبة سياسياً من النظام السوري. وحتى اليوم، لا يزال يرى أن المعارضين السوريين «مخطئون بمعارضتهم، ما دام كل شيء مؤمناً لهم».
يبدأ بسرد التفاصيل، مبتعداً عن الاسماء. قال إن احد التجار السوريين عرض عليه قبل نحو ثلاثة أشهر، العمل في تهريب السلاح الى داخل الاراضي السورية. وافق بعدما عرض الفكرة على زملائه الخمسة، وبعدما جرى تحديد عائد الارباح المضاعفة لكل منهم. رأى أن الفرصة قد لا تتكرر. فهم كانوا قد تعودوا العمل في مجموعة متراصة، رغم أنهم يختلفون بالسياسة والانتماء، «في منا الموالي مع المقاومة واللي ضدها، بس اللي بيجمعنا لقمة العيش والسرية». يضحك المهرب ليردف: «بهالشغلة ما في معارض وموالي، في شغل، 80% من السلاح اللي بنهربه، سلاح احزاب موالية للنظام السوري، والبقية من تجار ومن جماعة المستقبل. الكلاشنيكوف صار سعره بين 2500 دولار و3 آلاف، والطلقة بدولارين. أما الـ«أم 16»، فيراوح سعرها بين 4 آلاف و5 آلاف دولار». هذه الاسعار المغرية تشجع الكثيرين على بيع ما لديهم، وبعدها توضب وتخبأ في اكثر من منزل، خوفاً من دهم القوى الامنية اللبنانية. «اذا صادروا كمية صغيرة، تكون الخسارة اقل». بعد ذلك، تُنقل البضاعة تباعاً بواسطة ستة بغال عبر المعابر، في خراج بلدتي الصويرة والمنارة في البقاع الغربي، وأحياناً من وادي عنجر. يقول: «كل بغل نحمله 10 قطع ونموّه الحمل ببضاعة مطلوبة في السوق السوري»، لتسلم في منطقتي الزبداني ومضايا الى اناس «لا نعرفهم، انما يعطوننا كلمة السر المتفق عليها من قبل الوسيط. قبل الانطلاق، نقبض نصف الثمن. وعند التسليم، النصف الآخر». وفي طريق العودة، تُحمّل البغال بضاعة سورية مطلوبة في لبنان. لا ينفي الشاب أن علاقته مع الأمن السوري قوية، كما يفعل المهربون مع الجمارك. «نعطيهم قضية كل فترة. نبلغهم عن مكان التسلم والتسليم، وعن كيفية تأمين الطريق من الهجانة وحرس الحدود». لا ينفي أن عملية عبوره الحدود، تتطلب «تأمين الطريق»، ودفع خوات للهجانة وللأمن، «إنما بمبالغ عالية جداً».
يؤكد متابعون لملف تجارة الأسلحة في البقاع، أنها لم تعد تقتصر على أناس محسوبين على فريق سياسي معيّن، بل امتدت الى عمليات النصب والسلب على الشارين. ففي هذه الحالات، لا يمكن إبلاغ الأجهزة الأمنية بعملية النصب، بطبيعة الحال. وهذا الأمر حصل مع مجموعة من ثلاثة اشخاص قدموا من وادي خالد الى بلدة في البقاع الشمالي بهدف شراء كمية من الاسلحة عارضين طلبهم على احد تجار السلاح والنافذين في البلدة. وافق التاجر، طالباً دفعة قدرها 10 آلاف دولار مقدماً. وبعدها بثلاثة ايام استطاع ان يؤمن كمية من الاسلحة بقيمة 40 الف دولار، قبض المبلغ وحملت البضاعة، وما أن انطلقت مجموعة الشمال بها نحو 2 كلم، حتى تم الانقضاض عليهم، وسلبهم السلاح والمال. أيضاً مثل هذه العمليات حصلت في منطقة البقاع الاوسط، وبذات الطريقة، إذ سلب عدد من الأشخاص تاجر سلاح سورياً، بعدما امنوا له الكمية المطلوبة، من 15 رشاشاً مع ذخائرها.
وفي مقابل هذا الواقع، يبدو الأمن اللبناني منقسماً إلى قسمين: واحد يراقب ولا يحرك ساكناً. والثاني يحاول جاهداً اللحاق بالمهربين الذين يبدو أنهم يسبقونه في معظم الأحيان.
اختطاف 8 من الهجانة
في تطور لافت على الحدود اللبنانية ـ السورية، وبالتحديد عند محلة مشاريع القاع (مزرعة الدورة)، أقدم صباح أمس أشخاص على اختطاف ثمانية عناصر من الهجانة السورية، وليعمدوا بعد ساعات إلى إطلاق ستة منهم، والإبقاء على اثنين، بناءً على انتمائهم الطائفي. وأكد مسؤولون أمنيون أن الخاطفين سوريون يقطنون داخل الأراضي اللبنانية.