سريعاً بردت «النشوة» التي عاشها الإعلام السعودي المتأسرل بعدما اعتقد بأنّ حركات التحرر والمقاومة في المنطقة ذاهبة إلى الهزيمة بعد استشهاد قادتها على رأسهم الشهيدان السيد حسن نصرالله ويحيى السنوار ورفاقهما. فقد وضع الإعلام السعودي خطته الإعلامية في الحرب التي يشنّها العدو على لبنان، بناءً على حسابات خاطئة كالعادة تتمثل في هزيمة حتمية للمقاومة وانتصار العدو. هكذا، لجأ الإعلام الخليجي إلى شيطنة المقاومين والترويج لهزيمتهم بعد اغتيال القادة، وكان شريكاً مباشراً للعدو الإسرائيلي في حربه النفسية على لبنان وفلسطين. لكنّ الإنجازات العسكرية وصمود المقاومة في جنوب لبنان وغزة، وكذلك تغيّر المعادلات السياسية في المنطقة على إثر الاعتداء الإسرائيلي الأخير على إيران... كلها عوامل أسهمت في تحويل «نشوة» الانتصار إلى هزيمة ضربت أعمدة الإعلام السعودي، ووصل صداها إلى شبكة mbc التي كانت قد عرضت وثائقياً تحريضياً ضد المقاومين («الأخبار» 20/10/2024)، إلى جانب شبكة «العربية الحدث» التي تفتح هواءها للعميل الصهيوني محمد علي الحسيني.
«إنّ إقالة مدير الأخبار في شبكة mbc مساعد الثبيتي لن تغسل أيدي السعودية من الحملة الممنهجة لتشويه سمعة المقاومة في لبنان وغزة». هذا التعليق وغيره، غزا صفحات السوشال ميديا، بعد الإعلان عن إقالة الثبيتي من موقعه الذي يشغله منذ عشر سنوات، وكان يقود فيه دفة التضليل والتحريض الإعلاميين.
جاءت إقالة الثبيتي بعد مرور أيام قليلة على عرض شبكة «mbc العراق» وثائقي «ألفية الخلاص من الإرهابيين» الذي ركّز على أبرز قادة الحركات الإسلامية المسلحة الذين اغتالهم العدو الإسرائيلي منذ عام 2000، والتشفّي باستشهادهم. كانت مهمات الوثائقي تشويه نضال المقاومين الشهداء في لبنان وغزة، بدءاً من قياديَي حركة «حماس» الشهيدين يحيى السنوار وإسماعيل هنية، وصولاً إلى الشهيد السيد حسن نصر الله وقائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني. على إثر التقرير، قامت مجموعات عراقية باقتحام مبنى القناة في بغداد، وتحطيم محتواها، مع صدور قرار رسمي بإقفال مكتبها في العاصمة العراقية. هكذا، تراجع عدد متابعي الشبكة بشكل لافت، فيما ارتفعت الأصوات في العراق والدول العربية، مطالبةً بإغلاق مكاتب الشبكة كافة بسبب انبطاحها أمام السردية الإسرائيلية وتصوير العدو والولايات المتحدة الأميركية، بأنهما مخلّصا العالم العربي من «الإرهاب». كما علت دعوات الجمعيات المعنية بالمقاطعة الثقافية والفنية مطالبةً بـ «مقاطعة كل أبواق العدو الإسرائيلي الناطقة باللغة العربية، مثل مجموعة «MBC» التي تشمل فضائيتي «العربية» و«الحدث» و«سكاي نيوز عربية» و«MTV» اللبنانية، بالإضافة إلى بعض الصحف الصفراء المموّلة من جهات مقرّبة من النظامين السعودي والإماراتي الاستبداديين، مثل «الشرق الأوسط» لمساهمة كل منها في تبرير مجازر الإبادة ضد شعبنا والشعب اللبناني الشقيق، والدفاع عن المنطق الاستعماري الإسرائيلي، فضلاً عن تبنّي الرواية الصهيونية إلى حدّ المساهمة في التحريض والتضليل والحرب النفسية ضد شعوبنا ومقاومتنا للاضطهاد» (الأخبار 23/10/2024).
في هذا السياق، تلفت المصادر لنا إلى أنّ إقالة الثبيتي جاءت بعد حسابات خاطئة من السعودية والأميركيين بهزيمة مشروع المقاومة في لبنان وغزة. وراحت الشبكة تطبّق إملاءات المطبّعين والمسؤولين الأميركيين والبريطانيين بتشويه المقاومين حتى بعد استشهادهم ونضالاتهم، وخصوصاً أن البريطاني سام بارنيت يقود دفة شبكة mbc منذ عام 2002 ويملي سياستها التحريرية، بناءً على توصيات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي استولى على الشبكة وكفّ يد مؤسسها الوليد آل إبراهيم ليلتحق بمعتقلي فندق «الريتز» عام 2017.
تبحث شبكة «العربية الحدث» في قرار تجميد إطلالة العميل محمد علي الحسيني
على الضفة نفسها، أشارت المعلومات إلى أن الثبيتي كان أول الأوراق التي سقطت جراء التسويات السياسية الخليجية الإيرانية التي تلوح في الأفق، خوفاً على المصالح السعودية النفطية والاقتصادية. وبدا واضحاً أنّ السعودية كانت أول دولة خليجية أدانت الضربة الإسرائيلية على إيران، واصفةً إياها بأنها «انتهاك لسيادة إيران ومخالفة للقوانين والأعراف الدولية»، في خطوة تؤكد على إعادة السعودية حساباتها السياسية، ما سينعكس على الأداء الإعلامي لقنواتها، ولو أنّ تلك الحسابات متأخرة.
في المقابل، راحت بعض الأصوات السعودية ترتفع ضد إقالة الثبيتي، وخصوصاً أنّ الشبكة نقلت مكاتبها إلى الرياض قبل عامين، وتسعى إلى «سعودة» الشاشة. وبدأت الشبكة حالياً البحث عن اسم جديد لتعيينه مكان الثبيتي ليتولى مهمات إدارة نشرات الأخبار في mbc. مع العلم أنها راحت أخيراً، تعوّم شاشتها بمجموعة برامج فنية وترفيهية، في محاولة منها لإعادة الثقة بالجمهور العربي والخليجي.
في السياق نفسه، عرف مساعد الثبيتي بمقالاته التحريضية ضد المقاومة الفلسطينية. قبل أسابيع، نشر مقالاً تحريضياً في صحيفة «عكاظ» السعودية بعنوان «يختبئون في أنفاقهم ويبيعون شعبهم برخص التراب»، في محاولة شعبوية منه لكسر صورة القيادات المقاومة الصامدة في غزة. كذلك، تتداول الأوساط الإعلامية أنّ شبكة «العربية الحدث» التي باتت إحدى الأذرع الإعلامية الصهيونية، تبحث في تجميد إطلالة العميل محمد علي الحسيني على شاشتها. فمنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على لبنان، تحوّل الحسيني إلى نجم الشاشة السعودية بتحليلاته التي يزوّده بها الموساد الإسرائيلي، ما أفقد القناة «مصداقيتها»، ليتحول الحسيني أخيراً إلى «كركوز» الشاشة بتوقعاته التي تنمّ عن الحقد والكراهية وسعيه إلى الحرب الطائفية والمذهبية في لبنان.