على هامش السيناريوات «الطموحة» لوزارة التربية بتأمين مدارس بديلة للتعليم الحضوري أو التعليم عن بعد بلا مقوّمات لغير القادرين على الوصول إلى هذه المدارس، وفي انتظار استكمال الداتا من مراكز الإيواء، تتسلّل مبادرات المجتمع الأهلي إلى هذه المراكز على قاعدة أن التعليم قد يمنح بصيصاً من الضوء في عتمة الحرب، وأنه لا يجوز الانقطاع عن جوّ الدراسة، وثمة حاجة لإرساء الانضباط واحترام الوقت والحفاظ على روتين يومي لدى التلميذ، وتعزيز الحالة النفسية والتخفيف من التوتر داخل أفراد الأسرة. فهل تحتضن وزارة التربية مثل هذه المبادرات وتدعمها؟

ومع أنه وفق القانون الدولي الإنساني، لا يأتي التعليم أولوية أولى في بداية الحرب، دخلت بعض الهيئات والجمعيات مدارس النازحين التي اختارتها بالتواصل مع الجهات المسؤولة عنها من بلديات وغيرها، على خلفية «أننا لا نستطيع أن ننتظر ونجعل الأولاد يخسرون سنتهم الدراسية». وحاولت الوصول إلى مجموعة من المتعلّمين بحسب طرقها المعتمدة أساساً للتدخل في حالات الطوارئ، من دون أن يبدو أن هناك تنسيقاً واضحاً مع وزارة التربية التي يعود إليها، عملياً، القرار النهائي في ملف التعليم. بعض هذه المبادرات «ركبت» خارج إطار جمعية أو هيئة معينة، إذ إن بعض الناشطين داخل مركز الإيواء اكتشفوا بعد «جردة» لإعداد التلامذة في المركز أن هناك مدرسة كاملة من كل المراحل، وأن هناك طلاب جامعات لديهم استعداد للتطوع وتعليم مواد اللغة العربية والأجنبية والرياضيات. يقول هؤلاء الناشطون إن حماية المجتمع من خطة تدميره تكون بالتعليم والصحة، وإن نجاح فكرة التعليم يتفاوت بين مركز إيواء وآخر، بحسب القدرة على تأمين الموارد، ولا سيما المكان.
«مؤسسة عامل الدولية» لديها في الأساس برنامج لحماية الطفولة، وبرنامج آخر لتعليم المتسرّبين طبّقته في أكثر من أزمة، لذا لم يكن صعباً عليها أن تدخل بعض المراكز وتستجيب لاحتياجات النازحين عبر نشاطات ترفيهية وتمارين تعليمية بسيطة وفروض صيفية وغيرها، «كي لا نخسر جيلاً كاملاً» على ما تقول عضو الهيئة الإدارية والتنفيذية في المؤسسة زينة مهنا، لافتة إلى أن التعليم في حالات الطوارئ يحتاج إلى جهد وطني. وفيما تشير إلى أن التنسيق مع وزارة التربية «بات أفضل من السابق ويجب أن يتعزز أكثر»، تؤكد «أننا ننتظر أن تطبّق الوزارة الخطة التي تحدثت عنها وأن تبدأ العام الدراسي، لكون التعليم يريح الأهل ويخلق جواً إيجابياً داخل مركز الإيواء».

في الدول التي تشهد أزمات لا تُدرّس المناهج التعليمية وإنما محتوى مرتبط بيوميّات التلامذة


وتعمل مؤسسة «سكوب» في التعليم البديل منذ 2020، ولديها تجمّع «تضامن التربويين المحترفين» ومشروع «تحت الزيتونة» للتلامذة بين 3 و6 سنوات. عندما بدأ النزوح في 20 أيلول الماضي إلى الشوف، دخلت الجمعية إلى ثلاث مدارس رسمية بالتعاون مع مديريها، وأبدت، بحسب مديرها وسام عبد الصمد، «استعدادها لتأمين موارد من كتب وقرطاسية وألعاب تربوية من دون أن تكون هناك عملية تعليمية تقليدية أي لوح وأستاذ ومقاربة للمنهج التعليمي، إنما الهدف هو التعليم الناشط والحفاظ على مهارات الكتابة والقراءة والرياضيات والتركيز على المفهوم بواسطة موجّهين متخصصين وليس على التلقين والتعامل الفوقي». وأضاف «إننا نتجه إلى بناء شراكات مع منصّات تعليمية ونواب وبلديات لإقناع وزارة التربية بأهمية المبادرات المجتمعية في زمن الأزمات لضمان أن لا يقطع التلامذة علاقتهم بالتعليم».
وانطلاقاً من أن «الأطفال هم تلامذة وليسوا فقط نازحين» بدأت جمعية “”AID LEBANON
تدريس أطفال النازحين في مدرسة الكبوشية سابقاً من خلال معلمات متطوعات لدى الجمعية لديهن خبرة بأهداف المراحل التعليمية. وتقول مديرة المشاريع في الجمعية غادة منصور إن الهدف بصورة أساسية هو العمل على الناحية السلوكية للطفل مثل الانضباط والالتزام بالوقت وتنظيم الفوضى لديه، إضافة إلى ابقائه في جو الدرس والحفاظ على المهارات الأساسية من قراءة وكتابة.
الباحثة في الأنتروبولوجيا والإعلام، ليلى شمس الدين، ترى أن العودة إلى التعليم أساسية لتخطي الواقع المضطرب. «ومن الأهمية بمكان أن يكون للطفل النازح برنامج يومي للمساندة يكون تدريس الأمور الإيجابية أحد مكوناته، إذ من شأن ذلك أن يمنع انسلاخ التلامذة عن عالمهم ويخفف من حالة التوتر الناتجة من ترقب التطورات العسكرية والأمنية لحظة بلحظة». وأضافت أن التجارب العالمية تشير إلى أن الدول لا تدرّس، خلال الأزمات، مناهج تعليمية وإنما محتوى تعليمياً مرتبطاً بيوميات التلامذة بحسب الفئة العمرية مثل التحليل والمنطق عبر الرياضيات والإسعافات الأولية والتربية على الثقافة الإعلامية مثلاً لعدم التأثر بالأخبار المقلقة التي لا تقدّم ولا تؤخّر، إضافة إلى الفنون والموسيقى والرياضة التي يتجاوزون بها حالات الاضطراب. ولا يكفي، وفق شمس الدين، عنوان العودة إلى التعليم. إنما المهم الخطوات والمسار، أي ماذا نعلّم التلامذة وبأيّ طريقة وفي أيّ مكان؟