شكّل وزير الصناعة والنفط السابق شاهي برصوميان مثال مكسر العصا الوحيد في السنوات الخمسين الماضية في الحكم اللبناني. لم يكن الأكثر فساداً، لكنّه كان ثاني أكثر من عوقب على جرائمه من بعد سمير جعجع. لم يقتل برصوميان رئيس حكومة ولم يفجّر كنيسة، كما فعل أحدهم وإن لم يذكر معظم هذا الجيل من هو. لكنّ الوقاحة سمة أساسية في السياسة اللبنانية، لدرجة أن لا يُسجن فاسدٌ إلاّ مرّة كلّ نصف قرن. سمة المواطن اللبناني التشكيك، ولا بدّ من السؤال لماذا يوقف رياض سلامة اليوم؟ رياض سلامة أدار أكبر عمليّة نهب جماعي للشعب اللبناني لمصلحة مافيا الطائف منذ تسعينيات القرن الماضي. مات من مات وشاخ من شاخ من هذه العصابة، ولم يجرؤ أحد على مساءلة حاكم المصرف ومغذّي المصارف بالعملات الصعبة التي استقطبها من مودعين هُبْل أغرتهم نسب الفائدة الحريريّة التي كانت ستؤدي من دون شكّ إلى الإفلاس الوطني الذي شهدناه.رياض سلامة المحميّ من واشنطن، مرتع الفساد العالمي، وبكركي، حامية رأس ماليّي لبنان، وكبار الفاسدين في جمهورية الطائف، لا يُسجن إلّا عندما تنتهي صلاحيته. ونهاية صلاحية رياض سلامة لا تعني أنّ عمليّة النهب الذي مأسسها انتهت، بل هناك من ورثها ويفي بالمطلوب. الأرجح اسمه شاهي برصوميان، والله أعلم. المؤسف في تجربة «جمهورية الطائف» اللبنانية هو أنّه رغم أنّها أثبتت عقمها، لم يظهر من ساءل جدواها. حتّى حجز مهندس النهب رياض سلامة يصبح مدعاة للدهشة.
غباءٌ الظنُّ أنّ توقيف حرامي المصرف مجرّد صدفة توقيت للإجراءات القانونيّة. غباءٌ أكبر الظنُّ أنّ هذا الإجراء يشكّل تغييراً في نمط الحكم في جمهورية لبنان الطائف. وهنا يبدأُ طرح الأسئلة: ماذا حصل الأسبوع الماضي على الجبهة اللبنانية - الأميركيّة المصرفيّة ليُسمح بهكذا توقيف؟ يصعب ربط أمور الداخل اللبناني بما يجري في حرب الإبادة الأميركية الإسرائيليّة ضدّ شعب فلسطين، لأن لا شكّ أن هناك في لبنان من لا يخجل من استغلال جرائم الإبادة للمكاسب الشخصيّة والعائليّة. ولا شكّ أنّ في لبنان من هو مستعدّ للنهب والتعامل، فبلاد الأرز خصبة ومعطاءة في هذين المجالين. إن كان شاهي برصوميان مكسر عصا ليوفّر عصا العقاب عن فؤاد السنيورة أو رفيق الحريري، فكذلك قد يكون رياض سلامة مكسر العصا الأكبر لتهرّب كبار لصوص لبنان من العقاب في خضمّ حربٍ يقدّم فيها هذا اللبنانُ نفسه أكبر التضحيات من أجل أشرف القضايا. هناك أمثلة كثيرة عن برصوميان في تاريخنا، لكن قلّة أخذت مجراها القضائي. فضيحة أمين الجميّل مع مروحيات البوما موثّقة بتفاصيلها ومع ذلك هو حرٌّ طليق وابنه يحاول إعادة إحياء إرثٍ عائليّ مع نبرة صوت تفخت طبلة الأذن. والجميّل قد يكون أصغر الفاسدين في هذه الجمهورية، فلنتذكّر أنّ حزب الكتائب «شلعوطين ونصف» فقط لا غير من تركيبة هذا الوطن. قضيّة رياض سلامة تفتح المجال لمحاسبة أمثال رياض سلامة لو كانت حقاً قضيّة إحقاق حقّ. لكن للأسف كلّنا ندرك أنّها شبيهة بقضية شاهي برصوميان. ورغم ذلك، اللهم زدْ وبارك بقضايا تشبه قضية شاهي برصوميان ورياض سلامة.
0 تعليق
تم إرسال تعليقك بنجاح، بانتظار المراجعة.
يبدو أن هنالك مشكلة، يرجى المحاولة مرة أخرى.