مع إعلان وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أمس، أنّ الجيش الأميركي سرّع في تسليم إسرائيل منظومة «ثاد» المضادة للدفاع الجوي، وأنّ الأخيرة أصبحت حالياً «في مكانها»، برز عدد من الأصوات التي تحذر من أنّ منظومات الدفاع الأميركية الجوية أصبحت «تحت الضغط»، وأنّ على المسؤولين الأميركيين أن يكفوا عن التهرب من قضية أساسية، وهي أنّ الدفاع المستمر عن إسرائيل قد يفقد الولايات المتحدة القدرات المخصصة لمواجهة التحديات في مناطق أخرى، لا سيما في آسيا. وتبدو المخاوف المشار إليها بديهية، بعدما أسقطت المساعدات العسكرية الأميركية، وأداء إسرائيل في التصدي للهجمات التي تشنها إيران وجماعات المقاومة منذ بداية الحرب، سردية الاحتلال حول «قدرة الجيش الإسرائيلي على الدفاع عن نفسه». إذ وصف مراقبون غربيون أداء منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية بـ«المتضارب»، في ما يتعلق بالتصدي لصواريخ حزب الله وإيران، ما ينذر بأنّ واشنطن قد تتحمل تكاليف إضافية باهظة، في حال توسع الصراع بين تل أبيب وطهران على المدى المنظور.
وفي حين يتركز الحديث عادة على المساعدات العسكرية التي تزود واشنطن حليفتها بها، فإنّ المزيد من المعطيات تشير، أخيراً، إلى مدى الانخراط الأميركي «الاستخباري»، منذ اليوم الأول، في الحرب الدائرة في لبنان وغزة ومع إيران. وأخيراً، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أنّه بعد أيام من هجوم «حماس» على إسرائيل في الـ7 من أكتوبر 2023، أرسل البنتاغون، سراً، عشرات جنود الكوماندوز إلى إسرائيل للمساعدة في تقديم المشورة بشأن استعادة الرهائن. وسرعان ما انضمت إلى تلك القوات مجموعة من ضباط المخابرات - يعمل بعضهم مع الكوماندوز في إسرائيل، فيما آخرون يتولون مهمات في وكالة المخابرات المركزية في فيرجينيا -، كان لها دور «حاسم» في استعادة الأسرى الأربعة في حزيران. كما شمل عمل الخلايا العسكرية والاستخباراتية الأميركية البحث عن كبار قادة «حماس».
في حال فشلت في «احتواء التصعيد مع إيران»، فإنّ واشنطن ستلجأ، مُجبرةً، إلى مخزونها من الصواريخ الاعتراضية
وفي حين ادعى الرئيس الأميركي، جو بايدن، في بيان الخميس، أنّه «بعد وقت قصير من مذابح 7 أكتوبر، تم توجيه أفراد العمليات الخاصة وأفراد المخابرات لدينا للعمل جنباً إلى جنب مع نظرائهم الإسرائيليين، للمساعدة في تحديد مكان يحيى السنوار وقادة (حماس) الآخرين المختبئين في غزة وتعقبهم»، فلا يدعي كبار ضباط المخابرات أنّ «لهم الفضل في عملية اغتيال يحيى السنوار»، رغم أنّ مهمة الوصول إليه شكلت محور لقاءات مسؤولي البيت الأبيض مع وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، ومدير الـ«سي آي إي»، وليام بيرنز»، طوال الأشهر الماضية. وإلى جانب تلك الخلايا، أفاد المسؤولون بأنّ ست مسيرات من طراز «MQ-9»، تسيٍّرها قوات العمليات الخاصة الأميركية، أجرت مهمات في غزة، وقدمت المعلومات اللازمة للإسرائيليين، علماً أنّ تلك الطائرات «غير قادرة على رسم شبكة لأنفاق (حماس) الشاسعة والعميقة»، إلا أنّه يمكنها رصد الاستشعارات الحرارية للأفراد «الذين يدخلون إلى الأنفاق أو يغادرونها».
منظومة «ثاد»
وبالعودة إلى المشكلات التي تواجهها واشنطن وتل أبيب في ما يتعلق بدفاعاتهما الجوية، نشرت مجلة «ناشونال إنترست»، الأسبوع الماضي، تقريراً جاء فيه أنّه خلال هجوم إيران الثاني، والذي شمل حوالى 180 صاروخاً باليستياً، «فشلت إسرائيل في اعتراض أكثر من ثلاثين صاروخاً»، سقطت في قاعدة «نيفاتيم» الجوية، وبالقرب من مقر «الموساد»، مشيراً إلى أنّه في حين أنّ إسرائيل لا تنشر بيانات حول مخزونها من الصواريخ الاعتراضية، فإنّ عدداً من المسؤولين الإسرائيليين السابقين تحدثوا عن ندرة في تلك الصواريخ. وتشمل مخاوف المراقبين، بشكل خاص، عدد الصواريخ البحرية الأميركية المضادة للصواريخ الباليستية من نوع «SM-3»، والتي تم استنفادها بالفعل في «التصدي لهجمات الحوثيين». وفي حال استمرّ الصراع بين إسرائيل وإيران أو تصاعد، فقد تجد الولايات المتحدة، قريباً، نفسها أمام خيار صعب، حول مدى إمكانية استنزاف مخزونها من منظومات «ثاد» و«SM-3»، لا سيما أنّ هذه الأخيرة تكتسب أهمية كبيرة في الصراعات المحتملة في مناطق أخرى من العالم.
وعليه، فإنّ صناع السياسة في الغرب قد يكونون أمام معضلة جديدة قريباً، تتعلق بتحديد «الأولويات»، ما بين استنزاف المخزونات في دعم إسرائيل، أو استخدامها للدفاع عن القواعد العسكرية في المحيط الهادئ من الصين، وفي أوروبا من روسيا. وتتابع المجلة أنّ التقارير الإسرائيلية التي صدرت في أعقاب الهجوم الإيراني الأخير، تُظهر أنّ إرسال منظومة «ثاد» جاء بعدما استنفد «الأسطول السادس الأميركي» تقريباً صواريخ «SM-3» الاعتراضية، لمساعدة إسرائيل «في الدفاع عن نفسها»، فيما من الواضح أنّ عدد الصواريخ التي تمتلكها إيران يكفي لـ«حرق مئات الصواريخ الأميركية» الإضافية، في حال تصاعد الصراع. كذلك، تشير المجلة إلى أنّ واشنطن أحجمت، حتى اللحظة، عن استخدام ما يقرب من نصف مخزونها «الاعتراضي»، نظراً إلى التهديدات الحادة التي تواجهها القوات الأميركية في آسيا، لا سيما أنّ قدرتها على تسريع إنتاج تلك الصواريخ على المدى القصير، لا تزال ضعيفة، بغض النظر عمّا إذا تم تخصيص الأموال اللازمة لذلك، محذرة من أنّه في حال فشلت واشنطن في «احتواء التصعيد مع طهران»، فإنّها ستلجأ، مُجبرةً، إلى مخزونها.