مقالات للكاتب

نجيب نصرالله

الجمعة 11 تشرين اول 2024

شارك المقال

أوهام العدوان وسرابه

بالتزامن مع العدوان الأميركي - الإسرائيلي المفتوح على فلسطين ولبنان... ثمة ما يعتمل في الأوكار والجحور اللبنانية العفنة. ففي هذه الأوكار والجحور ثمة لصوص وقتلة وسماسرة يتهيأون للخروج بوه الفرصة السانحة التي يمكن للعدوان أن يوفرها. 
وبالتزامن أيضاً مع العدوان، وعلى إيقاعه الإبادي، ثمة في لبنان والمنطقة من يستعجل الحصاد. حصاد ما تم زرعه على مدار أكثر من عقدين من اختراقات أمنية وسياسية وثقافية، أو أحقاد ومحاولات فتنة وتسميم وعي. وإذا كان استعجال العدو الأميركي وأدواته العربية واللبنانية المباشرة مفهوماً، أو متوقعاً، فإن المستغرب والمستهجن بعض الشيء هو تطوع ومشاركة «لبنانيين» لا يملكون من هويتهم المزعومة غير الأوراق الرسمية، ولم يتعلموا من ماضي الرهانات الخاسرة. ولعل ما يدفع بهؤلاء إلى الاستعجال وتكرار رهانات آبائهم وأمهاتهم الفاشلة هو ظنهم أن الوقت هو وقت القطاف الموعود الذي تأخر، غافلين عن حقيقة أن معركة المقاومة الفعلية ذات الأبعاد التأسيسية، حتى لا نقول القيامية، لم تبدأ بعد. وهي حين تبدأ فإن نيرانها ستطال، إضافة إلى ضباط العدو وجنوده، من يجب أن تطاله من عملاء وخونة وسماسرة أوطان وقوادي سياسة ومرتزقة ثقافة. وغافلين أيضاً أن دون الوصول إلى ما يرغب به أسيادهم أهوالاً وأهوالاً لم يصلهم منها بعد إلا المقدمات. فالمقاومة التي حررت الأرض وحمتها بالدم والدموع، قوية وقوية جداً، بل وأقوى مما يمكن للعقل أن يتصوره، وقواها لم تتأثر برغم قوة الضربات وقساوتها وعمق الجراح واتساعها، وهي لم تفرج حتى اللحظة عن مفاجآتها وهي كثيرة وكثيرة جداً. وهي أيضاً لن تسمح لا لهم، وهم مجرد أقزام وسيبقون كذلك مهما تطاولوا، ولا لأسيادهم في واشنطن ولندن وباريس وتل أبيب، ولا لمن ينوب عن هؤلاء الأسياد في الرياض وأبو ظبي والقاهرة... بتحقيق ما يصبون إليه مهما بلغت الأثمان. كما أنها لم ولن تسمح لهؤلاء، سواء مجتمعين أو متفرقين، بالمسّ بقرارها الحاسم في التصدي للعدوان وردعه مرة جديدة وربما إلى الأبد، ومنعه من تحقيق أي هدف من أهدافه، ومواصلة تكبيده للخسائر التي لن توفر كل ما من شأنه تلقينه العقاب المستحق جراء ارتكاباته في غزة ولبنان، والتي ستفرض عليه في نهاية المطاف التسليم بالهزيمة والفشل والعجز عن البقاء والديمومة.
إنها الأوهام القديمة وقد تجددت. ولأنها كذلك فمصيرها لن يكون أفضل من مصير الأوهام السابقة التي جرى تبديدها كأثر بعد عين. لذلك ربما وجب التنبيه والقول لمن تسوّل له نفسه العبث بمقدسات المقاومة وشعبها أن يحذر مما ينتظره إن هو أوغل في محاولة ملاقاة العدوان، لا لأن العقاب سيكون هذه المرة قاسياً فحسب، بل لأن من شأن تصديقهم للأوهام أن يجعلهم يندمون ندماً لا سابق له ولا مثيل. كما عليهم أن يعلموا أن حصادهم الوحيد الممكن والمتاح لن يكون غير العاصفة. فريح العدوان الجاري في لبنان وفلسطين لن تنتج عنها إلا عاصفة عاتية لن يكون ممكناً قياس سرعتها ولا قوتها، لأنها ستكون من القوة بما يجعلها تقتلع كل ما نما من زرع فاسد ومسموم.
في السياق نفسه، وعلى نحو مثير للهزء لا أكثر، ثمة من يرتكب كلاماً لا معنى له ولا سياق إلا سياق التناغم مع العدوان ومحاولة ملاقاته والبناء عليه باتجاه استعادة دور فات أو ابتناء وظيفة رخيصة من الوظائف التي اختص الاستعمار بتوفيرها للأنذال والمرتزقة. فالوظيفة المرجوّة ستبقى كما هي في الواقع بلا أي قيمة مهما استفحل العدوان وتعاظمت الجرائم. ولهذا البعض المتعجل، يجب أن يقال له إن أفضل ما يمكن له عمله هو التعقل والتسليم الكامل أسوة بتسليم مشغّليه في العواصم المعادية بحقيقة أن المقاومة قوية وقوية جداً، وبما يؤهلها لأن تصون المعادلات وأن تعززها وصولاً إلى يوم التحرير الكامل والشامل للأرض العربية المحتلة.
وبانتظار المفاجآت، فإن الواقع هو كذلك، وكل ما يخالفه لا يعدو أن يكون سراباً بسراب.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي