لكن، تبقى الأعمال الأمنية أداة مركزية في عمل جيش الاحتلال، وتظهر المواجهات القائمة الآن على جبهة الجنوب، أن للاستخبارات البشرية والتقنية دورها المركزي، خصوصاً من جانب قوات الاحتلال، التي تلاحق قيادات المقاومة وكوادرها بقصد اغتيالهم. لكنّ، الذي ظهر في الآونة الأخيرة، هو أن الساحة اللبنانية باتت مستباحة أكثر، من قِبل العديد من أجهزة الاستخبارات العربية والغربية والدولية التي تساند العدو الإسرائيلي، وتسعى هذه الأجهزة من خلال عملاء يحملون جنسيات الدول نفسها، إلى جانب متعاونين من لبنانيين وغير لبنانيين مقيمين في لبنان، إلى جمع البيانات للحصول على أسماء وصور تساعد إسرائيل في تحديد بنك أهدافها.
وبعدما تبيّن أن مجموعة أمنية – عسكرية تابعة للجيش الهولندي، قد أُوقفت في منطقة بئر العبد، علمت «الأخبار» أن حادثة أخرى حصلت قبل أيام، حيث ألقى جهاز أمن المقاومة القبض على شخص أجنبي في منطقة الكفاءات في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، وهو يقوم بعمليات تصوير بواسطة هاتفه في أحد الشوارع. ليصار في وقت لاحق إلى تسليمه لأحد الأجهزة الأمنية الرسمية.
وقالت مصادر أمنية لـ«الأخبار» إن «الرجل هو إسباني الجنسية، وادّعى خلال التحقيق معه أنه أضلّ الطريق ودخل المنطقة عن طريق الخطأ، فاضطر لاستخدام هاتفه الخلوي لتصوير عدة لقطات من الشارع المتواجد فيه، بقصد إرسالها إلى أصدقاء له في السفارة الإسبانية في بيروت لإرسال سيارة تقلّه من المكان». لكنّ التدقيق في موجودات الرجل أظهر أن «الهاتف يحتوي على برنامج متطور يمنع الوصول إلى الداتا»!
وكالعادة، ومباشرة بعد انتشار الخبر على مستوى ضيق، بدأت الاتصالات والتدخلات على أعلى مستوى لإطلاق سراحه، خصوصاً من قبل السفارة في بيروت التي انتزعت قراراً قضائياً وأمنياً وسياسياً بالإفراج عنه، وتسلّم الموقوف في اليوم نفسه، ليتبيّن في ما بعد أن «لدى الرجل جواز سفر دبلوماسياً».
أتت هذه الحادثة قبلَ أيام من الإشكال الذي وقع أول من أمس بين مواطنين وعناصر من اليونيفل دخلوا بآليتهم إلى الضاحية الجنوبية، وتحديداً إلى منطقة حي السلم - حي البركات. وهي حادثة تتكرر بين الفينة والأخرى، بسبب أخطاء أو بسبب خطوات مقصودة تقوم بها بعض وحدات قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب.
... وكما جرت العادة، تسارع الحكومة اللبنانية إلى تسليم الموقوف لسفارة بلاده من دون التوسّع في التحقيق لمعرفة ما إذا كان لديه نشاط لا يتعلق بمهمته الأصلية
وكانت المعلومات قد أفادت بأن سيارة تابعة لليونيفل كان في داخلها عدد من الجنود من القوة الماليزية، دخلت إلى الضاحية من طريق المطار خلال توجّهها من الجنوب إلى بيروت، ما دفع بأهالي المنطقة إلى اعتراض طريقها وتوقيفها، ومصادرة أجهزة وكاميرات كانت في حوزتها، قبل تسليم الجنود لجهاز أمن المقاومة، الذي تثبّت من هوياتهم وقام بتسليمهم لاستخبارات الجيش اللبناني التي عادت وأطلقت سراحهم.
على إثر الحادثة، أعلنت نائب مدير مكتب اليونيفل الإعلامي كانديس أرديل أن «آلية تابعة لبعثة حفظ السلام كانت في رحلة لوجستية روتينية إلى بيروت الليلة الماضية انتهى بها الأمر أن وصلت إلى طريق غير مخطّط له». وأكدت أنه بـ«الإضافة إلى حرية الحركة داخل منطقة عمليات اليونيفل، يتمتع حفظة السلام بالحرية والتفويض من الحكومة اللبنانية للتنقل في جميع أنحاء لبنان لأسباب إدارية ولوجستية. وحرية الحركة هذه ضرورية لتنفيذ القرار 1701».
وكون الحادثة ليست الأولى من نوعها، كما أن الإشكال بين قوات الطوارئ الدولية العاملة والأهالي ليس هو الأول من نوعه. لكنّ حساسية هذه الحادثة ترتبط بكون «الخطأ» حصل في مكان شديد الحساسية بالنسبة إلى المقاومة، خصوصاً في فترة الحرب مع العدو. وهو ما أثار أسئلة لدى جهات معنية عن «طبيعة رحلة السيارة والسؤال عما إذا كانت قد أضلّت طريقها فعلاً، أم أن هناك من يدفع باتجاه افتعال مشاكل أمنية في بيروت، خاصة أن المهام الروتينية للقوات الدولية تُعتبر أمراً طبيعياً في مناطق جنوب الليطاني، إلا أن تجوّل عناصرها في بيروت هو ظاهرة مستغربة».
ولأن العين باتت مفتوحة عليها، بسبب المطالبات الدولية ولا سيما الإسرائيلية والأميركية بتعديل مهماتها وتوسيع صلاحياتها وإعطائها هامش حرية أكبر في التحرك، وقد استجلبت الحادثة أسئلة كثيرة حول ما إذا كان يحق لقوات اليونيفل التجول خارج مناطق الجنوب من دون مرافقة الجيش اللبناني. ولم ترتبط الأسئلة بالحادثة نفسها (إذا جرى الافتراض بأن السيارة أضلّت طريقها حقاً)، إنما أيضاً بالتصريح الرسمي الذي صدر عن المكتب الإعلامي لـ «اليونيفل». في هذا الإطار، تؤكد مصادر بارزة أن «تواجد عناصر اليونيفل في منطقة حي السلم لا خلفية أمنية له على الإطلاق».
وقالت المصادر إن حركة القوات مسموح بها وفق القرار 1701، إنما بطلب من الحكومة اللبنانية، وإنه يمكن لهذه القوات مواكبة مسؤولين في الأمم المتحدة أثناء زيارتهم لبنان، فضلاً عن مرافقة وحماية القادة والفرق التابعة لقوات الطوارئ أثناء قيامهم بجولات وزيارات لمسؤولين سياسيين أو المشاركة في أنشطة سياسية. كما يحق لهم التجوال خلال القيام بأعمال لوجستية مثل نقل معدات وأغراض خاصة بقوات الطوارئ.