الأمور تسير على قدم وساق تحضيراً للحفر في البلوك الرقم 9 في المنطقة الاقتصادية اللبنانية الجنوبية الخالصة. عقود الحفر أُعلِنت مِن قِبَل شركة «توتال» ولبنان، في انتظار منصة الحفر العائمة Transocean Barents التي ستتوجّه إلى المياه اللبنانية بعد انتهاء عملياتها في بحر الشمال، ويُتوقّع أن تصل إلى موقع الحفر في البلوك 9 في أيلول المقبل، وربما تبكّر في الوصول بحسب بعض الدلائل ليبدأ العمل في آب.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

التحضيرات كثيرة، وتشمل دراسة الأثر البيئي التي انتهت منذ أيّام ونشرتها وزارة البيئة، على أن تُعرض في 31 أيّار و1 حزيران (اليوم وغداً) في بيروت وصور للاستماع لملاحظات اللبنانيين واللبنانيات عليها كجزء من ضرورات تلك الدراسة.
البئر الأولى ستُحفر في حقل قانا المُحتمل، في منطقة تُنتقى في أعلى الهيكل الجيولوجي للمكمن المُحتمل، بحيث يكون احتمال وجود الغاز واكتشافه هو الأعلى نسبيّاً مقارنة مع أنحاء المكمن الأخرى كما يبدو في الرسم التوضيحي.
اللافت في تقرير دراسة الأثر البيئي هو تسمية بئر التنقيب الأولى المزمع حفرها والتي تعكس، بحسب كلّ أعراف التنقيب، اسم المكمن المُستهدف. فبحسب تقرير الدراسة المنشور، أُطلِقَ اسم «Sidon South» (صيدون الجنوبي) على البئر، وبالتالي، على المكمن المُحتمل وحقل الغاز في حال حظينا باكتشاف تجاري.
اسم «قانا» أُطلق على المكمن المُحتمل من قِبَل الوفد اللبناني المفاوض في نيسان 2021 بعد نشرِ مقالٍ يكشفُ وجود الحقل للرأي العام للمرّة الأولى في جريدة «الأخبار» في 31 آذار 2021. اختير الاسم لِما لقانا الجليل، أرض القداسة والمعجزات، من رمزيّة جامعة في قلوب اللبنانيين ووجدانهم، ولدلالاتِ ذلك الاسم على وحشيّة كيان العدو. ومنذ ذلك الحين، دخل الاسم في قاموس اللبنانيين جميعاً، وأصبح الحديث عن الثروات البحرية الجنوبيّة المخبوءة خلف ملفّ الترسيم يستحضر «قانا» و«حقل قانا».
إزاحة اسم «قانا» من قِبَل شركة توتال أمرٌ يُستبعد أن يكون بريئاً، ويُرجَّحُ أن وراء ذلك مطلباً «إسرائيلياً». قد يقول قائل هو مجرّد اسم، ولنركّز على المضمون من دون الاستغراق في تفاصيل قد تثير خلافات نحن في غنى عنها. الجواب لا. فتسمية حقول النفط والغاز لا تعود للمستثمِر، بل هي حقّ سيادي للأوطان، فكيف إذا كان للاسم ما له من دلالات. وقد يقول قائلٌ بأنّ «صيدون الجنوبي» اسم مؤقّت يمكن أن يُبدّل في المستقبل عند الحصول على رُخص الحفر ليُسمّى حينها «قانا». وهذا أيضاً لا يستوي. فلِم سُمِح لـ«توتال» بتسميته بأيّ شيءٍ غير قانا ابتداءً؟ علماً أن تغيير الأسماء أصعب من إعطائها ابتداءً، وبخاصّة إذا لم يُصَر الى الاعتراض على الاسم المُعطى.
لذلك، الدولة اللبنانيّة، ممثّلة بمجلس النوّاب ومجلس الوزراء، مُطالَبة بتصويب الأمور وإعادتها إلى نِصابها... هو حقلُ «قانا»، لا «صيدون الجنوبي»، ولا أيّ اسم آخر. ولبنان هو من يُقرّر أسماء حقوله، لا شركة «توتال» ولا غيرها.
*خبير في تطوير حقول النفط والغاز، باحث وأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت.