تحولت جلسة اللجان النيابية المشتركة لمناقشة الحكومة ومصرف لبنان حول الوضعين الاقتصادي والمالي إلى جلسة خطابة وزجل. طوال ساعتين ونصف ساعة، تبارى النواب في تنميق العبارات وفلسفتها و«النقّ». وفيما بدا وزير المال يوسف الخليل الذي أرسلته الحكومة للردّ على الأسئلة «غائباً» تماماً، إذ لم يتفوّه بكلمة واحدة مكتفياً بالاستماع إلى مطوّلات النواب متثائباً، دافع نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي عن الخطة المالية التي أعدها فريق رئيس الحكومة بالتنسيق مع صندوق النقد. أما حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فلم يكلّف نفسه عناء الحضور، ومثّله المحامي بيار كنعان. هكذا، انتهت الجلسة وكأنها لم تكن، وكأن الغرض منها كان إيجاد «تنفيسة» للنواب ليدلوا بدلوهم خارج صالونات منازلهم، فلماذا عُقدت إذاً؟

بحسب أحد النواب، بدأت «القصة» في جلسة لجنة الإدارة والعدل أول من أمس، لدى التطرق إلى عدم جدوى النقاش في أي قوانين في ظل الانهيار المتسارع، فتم اقتراح تحويل جدول أعمال جلسة اللجان المشتركة إلى بند واحد هو مناقشة الحكومة ومصرف لبنان في ما يجري. ما من إجابة مقنعة حول سبب استفاقة النواب الذين لم يجدوا منذ شهر، مثلاً، ما يستدعي مساءلة سلامة حول تحميل الدولة اللبنانية بشحطة قلم 16 مليار دولار دفعة واحدة، وصوتوا قبل ذلك على موازنة عجز بأرقام وهمية. كما أن بعض الكتل النيابية تتحمل جزءاً من مسؤولية الانهيار نتيجة مشاركتها في تعطيل خطة حسان دياب المالية وتطيير إقرار الكابيتال كونترول في بداية الأزمة وتلغيم كل القوانين الإصلاحية أو الحرص على عدم تطبيقها في حال إقرارها. هذه الكتل ومعها النواب المستقلون لم يطالبوا يوماً بمساءلة سلامة أو أي وزير أو الحكومة مجتمعة تحت حجة انقسام المجلس النيابي والتفاوت في الآراء من مختلف القضايا. لكنهم جميعاً يهرولون إلى جلسة فولكلورية لاستغلال التغطية الإعلامية لها.
خلال الجلسة، تحدث نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب حول عدم تلبية مصرف لبنان وجمعية المصارف الدعوة إلى حضور الجلسة، إذ أرسل الجانبان محامين لتمثيلهما. فتولى المحامي كنعان الإجابة بالنيابة عن «المركزي»، لافتاً إلى أن «قانون النقد والتسليف في أسبابه الموجبة واضح في أن كل ما يتعلق بالاستقرار الاقتصادي يتولاه الحاكم بالشراكة مع الدولة، وبالتالي لا يقوم بأي عمل منفرداً والمسؤولية مشتركة». عندها سأله بو صعب: لماذا لم يبلغ سلامة إذاً الحكومة بقيامه بهندسات مالية، وعما إذا تمت بالشراكة مع الحكومة أم بشكل منفرد.
النائب في كتلة الوفاء للمقاومة حسين الحاج حسن تحدث عن «الفلتان الكامل، لا سيما فوضى المصارف التي لم تعلم أي جهة بأسباب إقفالها عشية 17 تشرين ولا أوضحت كيفية تهريب الأموال وصولاً إلى اتخاذها أخيراً قراراً بالإضراب ومعاقبة كل الشعب احتجاجاً على قرار قضائي». وسأل عما إذا كان سلامة لا يحضر جلسات إلا بطلب أوروبي (في إشارة إلى تلبيته طلب استجوابه من القضاء الفرنسي)، لافتاً إلى أن الحاكم وصل إلى قصر العدل برفقة 7 سيارات حماية أمّنتها الأجهزة الأمنية. واستغرب «كيف تؤمن حماية أمنية لسلامة وهو مدعى عليه ومطلوب من القضاء المحلي قبل الأوروبي؟». وفيما حمّل نائب القوات جورج عدوان حاكم مصرف لبنان مسؤولية الانهيار، شنّ هجوماً على وزير المال الذي «يتصرف وكأنه موظف في المجلس المركزي».
من جهته، عدّد النائب في كتلة لبنان القوي إبراهيم كنعان كل القوانين الإصلاحية التي أقرّت من الإثراء غير المشروع إلى السرية المصرفية إلى استعادة الأموال المهربة وحق الوصول إلى المعلومات ورفع السرية عن مصرف لبنان وغيرها، مؤكداً أن المشكلة ليست في القوانين بل في عدم تطبيقها. وأشار إلى عدم جدوى الجلسة في غياب الحكومة وعدم تقديمها أي تقرير جدّي حول السياسة المعتمدة في إدارة الأزمة. أما النواب المستقلون من إبراهيم منيمنة إلى فراس حمدان وياسين ياسين فعقدوا مؤتمراً بعد انتهاء الجلسة حملوا فيه الحكومة مسؤولية التعطيل وعدم القيام بالإصلاحات المطلوبة، وبدا لافتاً إبعاد المسؤولية عن البرلمان بالقول إن «مجلس النواب لا يستطيع القيام بدوره لأن الحكومة لا تستطيع أن تقوم بدورها». ولعلّ أبرز ما يعبّر عما حصل البارحة في مجلس النواب هو توصيف النائب فريد البستاني له بـ«فشة الخلق». ففعلياً لم يكن ينقص المواطن إلا أن ينفض ممثلوه في البرلمان أيديهم من مسؤولياتهم ليرموها على السلطة التنفيذية التي من واجبهم محاسبتها ومساءلتها.



نواب صحناوي يستنفرون للدفاع عن ممولهم
خلال مداخلته في جلسة اللجان المشتركة النيابية، أثار النائب في كتلة الوفاء للمقاومة حسن فضل الله ما نُشر في «الأخبار» حول تورط مصرف «سوسيتيه جنرال» ورئيس مجلس إدارته أنطون صحناوي في شراء الدولارات وتهريبها إلى الخارج قبيل شهرين من حراك 17 تشرين ودوره في ضرب العملة الوطنية. وأكد فضل الله أن للانهيار «أسباباً كثيرة كالسياسات الاقتصادية والفساد والحصار الخارجي، ولكن هناك مسؤوليات مترتبة على الجهات المخولة قانوناً حماية العملة الوطنية، وعلى رأسها المصرف المركزي حاكماً ومجلساً مركزياً، فيما المحاسبة معطلة بسبب التدخلات السياسية». ولفت إلى أن «ملف المضاربة على الليرة وتهريب الأموال موثق وفق تحقيقات رسمية. فتقرير الخبراء المكلفين من الهيئة الاتهامية في بيروت المعدّ بناءً على إخبار تقدمنا به إلى القضاء وشكوى إلى التفتيش القضائي، كشف أنّ قراراً اتخذه أحد المصارف (سوسيتيه جنرال) قبل 17 تشرين 2019 واستكمله بشكل أكبر بعد هذا التاريخ برفع سعر الدولار من خلال شراء كميات كبيرة من الدولارات بأسعار عالية وتهريبها إلى الخارج، من خلال تأمين سيولة كبيرة بالليرة عبر كسر وديعة مجمدة في المصرف المركزي قيمتها 254 مليار ليرة إضافة إلى 60 مليار أخرى ووضعها في عهدة صرافين لشراء الدولارات بأسعار أعلى من المتداول في السوق، وكانت هذه من الشرارات الأولى التي أدّت إلى بداية الاضطراب في الأسواق وارتفاع كبير في سعر الدولار، ومن حينها بدأ التدهور».
لم يعجب كلام فضل الله بعض النواب والأحزاب الممولة من صحناوي، فانطلقت جوقة الردح المدافعة عنه تحت عدة عناوين. النائب جورج عدوان تمنى «الالتزام بموضوع الجلسة وهو مناقشة الحكومة بالوضع المالي والاقتصادي»، فردّ عليه النائب علي حسن خليل بأن الجلسة تحولت إلى النقاش عن الوضع المالي ووضع الدولار ولا شيء يمنع بإثارة مسألة المضاربة على الليرة التي أطلقت شرارة الانهيار. فيما تكفل النائب ميشال معوض بتحويل المسألة إلى موضوع طائفي للتهرب من التطرق إلى مسؤولية صحناوي في إفقار المواطنين، بإلقاء المسؤولية على «الكبتاغون والمؤسسات المالية غير الشرعية أي القرض الحسن». وأكمل النائب مروان حمادة بـ«ربط التحقيق في ملف صحناوي بالتحقيق في كل الملفات في كل الوزارات والمؤسسات»!
من ناحية أخرى، كشف النائب الياس بو صعب عن «تهريب عدد كبير من النافذين من سياسيين ورجال أعمال ورؤساء مجالس إدارة المصارف في لبنان أموالهم إلى الخارج، وهناك البعض منهم ضباط وقضاة، وهذه المعطيات مؤكدة»، وأشار خلال الجلسة إلى استفادة أحد القضاة المكلفين بالتحقيق في ملف مصرف لبنان والمصارف من هذا الامتياز بحيث تمكن من إخراج أمواله سائلاً كيف يمكن له الإكمال في التحقيق بعد «برطلته».