«حماية المجتمع المسيحي» شعار رفعته القوات اللبنانية منذ تأسيسها. والحماية، عادة، ترتبط بالقوة، وهو ما لا تنفيه «الأدبيات القواتية». تبعاً لذلك، مارست القوات دائماً «حياة» عسكرية نشطة، تتيح لها، تحت لافتة «الحماية»، الدخول إلى عمق «المجتمع المسيحي» وممارسة «التعبئة». وبحسب وصف قيادي قواتي سابق، فـ«القوات، لم تنقطع يوماً عن التعبئة والتنشئة العسكريتين، ولم تُغادر البارودة منطقها».يقدّم «كمين الطيونة»، في خريف 2021، صورة عن طبيعة النشاط العسكري القواتي. صحيح أن معراب لجأت، قبل الأحداث وبعدها، إلى خدمات «سرية الأمن» التابعة لها بقيادة سيمون مسلّم، ما أوحى بعدم وجود «هيكلية عسكرية» صريحة في مناطق نفوذها. غير أن الصحيح، أيضاً، أن حضور هذه المجموعة، هدف من جهة إلى إخفاء معالم الحضور العسكري المناطقي المنظّم، ومن جهة أخرى إلى وضع المجموعات كافة على الأرض تحت إمرة قيادتها وإشرافها. وقد كشفت التحقيقات مع الموقوفين القواتيين في ملف الطيونة وجود حالة عسكرية نظامية قواتية في عين الرمانة. وهي، وفق تأكيدات «القواتي» السابق، ليست استثناءً. إذ «وين في قوات في مجموعات عسكرية»، ولكل منطقة هيكلية خاصة، تتألف من مسؤول عسكري وأفراد.

المسؤول العسكري
تعود إمرة العناصر إلى مسؤول عسكري محلّي تسميه معراب. وهو يتمتع بصلاحيات واسعة، وينسق مع «غرفة معراب» عند حصول طارئ، ويتابع شؤون المنطقة مع مسؤولها السياسي (المنسق). ويبقى لـ«مجموعة معراب» تقدير ظروف التدخل. وفي حال حصوله، تتحول المجموعات المحلية إلى فرق إسناد للمجموعة الأم.
يتولى المسؤول العسكري المحلي أدواراً عدة تبدأ بتولّي الإشراف على تنشئة «القواتيين» وإدارة تحركهم على الأرض والتنسيق مع «معراب»، وإعداد التشكيلات وفرزها وتقسيم مناطق نفوذها وحضورها وطبيعة «القطع» الموضوعة في تصرفها. ويعاونه مساعدون على الأرض، يتولّى كل منهم إمرة مجموعة صغيرة، ويعودون جميعاً إلى المسؤول الأعلى لتلقي التوجيهات. يعتمد التقسيم العسكري القواتي على مبدأ الخلايا، وهو شبيه إلى حد ما بمبدأ «البقع» المعتمد لدى حزب الله. وليس ضرورياً أن يكون كل القواتيين عناصر عسكرية. ولكن بين مهام المسؤول العسكري رفع أسماء من يجده مناسباً من عناصره للخضوع لدورات وتأهيل عسكري عند الضرورة.
عين الرمانة ليست استثناء... «وين في قوات في مجموعات عسكرية»


يؤكد القيادي القواتي السابق أن الدورات «لم تتوقف، وتدرّجت بحسب المراحل والظروف»، لكنها تستقر منذ أعوام على مستويات ضيقة، كاللجوء إلى إجرائها تحت جناح الكشافة والمخيمات الكشفية (تمتلك القوات اللبنانية جهازاً كشفياً يحمل اسم كشافة الحرية)، أو الاستفادة من المخيمات الصيفية للطلاب، كسائر الأحزاب تقريباً. في حالات أخرى، يستضيف مركز الحزب في معراب دورات داخل أماكن مغلقة للتدرب على استخدام الأسلحة الفردية (مسدس، كلاشنيكوف إم 16، PKC... وهي الأسلحة المعتمدة لدى المجموعات)، فيما المناورات والدروس التطبيقية الحية، والتمارين ذات الصلة بترسيخ الحياة العسكرية، تجرى غالباً على هامش المخيمات (تنتشر غالباً ضمن مناطق الشمال المسيحي أو في بعض نواحي كسروان)، يُستعاض فيها عن السلاح بنماذج بنادق بلاستيكية من الوزن نفسه أو ببنادق الـ paint ball، وذلك بعدما اكتشف الجيش أحد هذه المواقع قبل أعوام.

عسكرة من نوع آخر
وتؤكد التقارير الأمنية أن معظم عناصر شركة amn التي وظّفت عشرات الشبان أخيراً لحماية المنطقة ليلاً، بالتعاون مع النائب نديم الجميل في الأشرفية، يميلون إلى حزب القوات اللبنانية، سواء كانوا من المؤيدين أو المنتسبين. والأمر نفسه ينطبق على الناشطين في جماعة «جنود الرب» المموّلة من المصرفي أنطون الصحناوي. وفي تقدير الأجهزة أن «القوات» تستفيد من وجود هذه الجماعات واعتمادها على العنصر القواتي، وتتيح لها توفير حياة عسكرية وتنظيمية وأداء مهمات بعيداً عن أيّ دور واضح وعلني لمعراب.