نبيل الصحناوي والد أنطون، وهو شقيق موريس الصحناوي والد نقولا. الأخوان اختلفا في أمور كثيرة منذ سنوات طويلة. خلاف لم يقتصر على التركة المالية للعائلة التي ترتبط بصلات نسب مع عائلات ثرية كآل بسترس. بل كان، في أحد أوجهه، حول طريقة التعامل مع الشأن العام. وتعلّق جانب منه بالقناعات الدينية والثقافية لكل من الرجلين، ما انعكس على سلوك الأبناء والمقربين أيضاً.في زمن الحرب الأهلية، كان نبيل شاباً متحمساً لمواجهة «الغزو» الفلسطيني والإسلامي والسوري والعلماني. وله حكاية خاصة مع «كوع الكحالة». الرجل المهووس بجمع المقتنيات الأثرية واللوحات الفنية، لديه هوس أكبر بالجانب الديني. وهو شديد التديّن إلى درجة أنه اضطر مرة إلى الخضوع لجراحة في رجليه، بعد وفائه بنذر بأن يزحف على ركبتيه إلى مقام ديني جبلي.

وهو الزم عائلته على القيام بالواجبات الدينية اليومية، من صلاة وتلاوة إنجيل وعدم الغياب عن المناسبات الدينية. لكن لنبيل «ثقافة» دينية خاصة، وهو كاثوليكي ممن يحنّون إلى أيام الحروب الصليبية، وهو لا يخفي تمايزه الثقافي والسلوكي والاجتماعي. ويعرف عنه، عندما يدخل في خلاف، اتخاذه مساراً حادّاً، أورثه إلى نجله أنطون الذي جعلته التسويات العائلية رئيساً لمجلس إدارة مصرف «سوسيتيه جنرال»، بعدما خرج منه موريس بحصّة قبل أن ينتقل إلى عالم آخر. فيما تبنى ابنه نقولا خياراً سياسياً إلى جانب التيار الوطني الحر وبعض النخب العلمانية مثل جورج قرم وشربل نحاس، واتخذ موقفاً عقلانياً جعله عرضة لكل متطرفي الأشرفية، وليس خصماً لابن عمه أنطون فقط.
أنطون، الطفل المدلل، هو أيضاً كوالده - بل وتفوّق عليه - لناحية الاعتقاد بالاختلاف عن بقية اللبنانيين وحتى عن بقية العرب. إذ يتصرف على أنه «إفرنجي» كامل المواصفات، في المأكل والملبس واللغة والحياة اليومية وحتى في الأعمال. لكنه، خلال مرحلة الوجود السوري في لبنان، بنى شبكة علاقات مع كل المفاتيح السياسية والأمنية التي تقود إلى أهل الحكم وإلى دمشق. وهو أيضاً لا يقل تديّناً عن والده، لكنه يتفوّق عليه في الطموحات العنيفة. ولطالما عُرف، في سنوات مراهقته وشبابه، بدخوله في مشاجرات ومشكلات، وكان دائماً يحيط نفسه بفتوات وقبضايات الأحياء، زله صولات و جولات من الاشكالات واطلاق النار، كما راوده حلم دائم بأن يكون زعيماً لميليشيات لا لحزب أو منطقة أو طائفة. وفي السنوات الأخيرة، ارتفع منسوب الطموح السياسي لديه إلى حد جعل نفسه صانع نواب ووزراء ورؤساء أيضاً. وهو، في سبيل ذلك، لم يتردد في توفير الدعم المالي للكثيرين من سياسيين واعلاميين ممن يعتقد أنهم يفيدون قضيته.
ما تشهده الأشرفية منذ سنوات، وتمظهر على شكل تنظيم جنيني خلال العامين الأخيرين، ليس سوى واحدة من بنات أفكار أنطون الصحناوي ووالده، حيث لا مانع من التعامل مع الشيطان في وجه الخصوم، وقد سبق لنبيل أن قدم أحد مكاتبه في جونية ليكون مقراً لقيادة قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد اجتياحها لبيروت عام 1982. وأنطون المولع بعناصر الحماية و«الشباب القبضاي»، وجد أنها اللحظة المناسبة للقيام بخطوة يفترض أن تجعله متقدماً على غيره في الأشرفية، ويتصرف على أنه الأقدر على ضمان هذا النوع من الأعمال. فهو صاحب محفظة عقارية في المنطقة، ويمتلك فروعاً لمصرفه وشركات، ولديه منزل العائلة، والعشرات من الكتائبيين والقواتيين ممن لجأوا إليه في مرحلة التسعينيات، كما أنه «شاطر» في استقطاب عناصر سابقة من القوى الأمنية والعسكرية. ولو أتيح له لأعلن عن قيام تنظيم مسلح بصورة علنية.
ما يقوم به الصحناوي باسم «جنود الرب» أو شركات الحماية في منطقة الأشرفية، بالتعاون مع نديم الجميل وآخرين من فعاليات المنطقة، لا يمكن أن يكون معزولاً عما يفكر به الرجل. لكن الأمر قابل للتطور أكثر، في حال وُجد في لبنان والمنطقة والعالم من يهتم لأمر كهذا، خصوصاً في حالة الجنون السائدة، حيث لا يبدو أنطون الصحناوي خارج موجة اليمين الفاشي التي تغزو العالم.
فكرة الأمن الذاتي في الأشرفية ليس هدفها فرض أمر واقع فقط في منطقة محددة، بل تحويل عناصر الحماية إلى قوة يتوسع نطاق عملها، ليشمل في المرحلة المقبلة كل المناطق التي يعتبرها أنطون الصحناوي خط التماس مع الآخر، ولذلك فإن جهوده في فرن الشباك وبدارو وعين الرمانة لا تقل عن جهوده في المرفأ وأحياء بيروت الشرقية. وهو، متى تيسر له، يبحث عن طريقة للتمدد صوب بعبدا والحدث وصولاً إلى كفرشيما وضواحيها الغربية.
بعيداً من كل نقاش سياسي لا طائل منه في مثل هذه الحالات، يجدر بأبناء هذه المناطق وبفعالياتها، وبكل من لديه نفوذ من رجال أعمال وقوى سياسية ومرجعيات ومؤسسات دينية وخلافه، أن تبادر إلى خطوات تحاصر هذا الوحش الصغير الذي لن ينتج منه إلا مزيد من القهر والدماء وهجرة من تبقى من الأبناء.