مع اقتراب الفراغ الرئاسي، ستنكشف كثير من المواقف المتعلقة بالمرشحين للرئاسة. وسيكون لبنان تباعاً أمام ظهور جدي لأسماء في مقابل إبعاد أسماء أخرى من دائرة التجاذب.لأشهر قليلة، كان اسم قائد الجيش العماد جوزف عون مطروحاً بقوة، ولكن من دون حركة سياسة أو إعلامية تواكبه علانية، ولا سيما في ضوء تبني المعارضة مرشحاً معلناً هو النائب ميشال معوض، مقابل الأوراق البيضاء لكتل الموالاة. لكنّ السبب الرئيسي الذي أبقى المؤيدين لقائد الجيش في الصف الخلفي، هو أن ترشيحه وانتخابه محكومان في ظل العهد، والدورات التلقائية لانتخاب رئيس الجمهورية، بضرورة تعديل الدستور. أخيراً، بدأ الفريق المؤيد لقائد الجيش بعدّ الأيام الفاصلة لانتهاء العهد، باعتبار أن الفراغ الرئاسي سيحرر المرشح غير المعلن رسمياً من ضرورة التعديل الدستوري عملاً بسابقة انتخاب الرئيس ميشال سليمان في ظل الفراغ الرئاسي، من دون تعديل دستوري. صحيح أن أي توافق إقليمي أو دولي على انتخاب عون رئيساً للجمهورية قادر على تطويع الدستور كما حصل مراراً حتى الآن، كونه الوحيد من بين المرشحين الذي يحتاج إلى هذا التعديل، إلا أن الطريق إليه ليست معبّدة كما يفترض البعض، في ظل رفض مبدئي لتعديل الدستور من قوى أساسية. وإذا كان لا شيء يجمع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتيار المردة قبل انتهاء عهد عون، إلا أن تقاطعاً من دون تنسيق عملي مسبق بين القوى الثلاث المتناقضة، قد يجمعها بعد الأيام العشرة على رفض المسّ بالدستور في هذه النقطة، بغضّ النظر عن الموقف من قائد الجيش نفسه.
فرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أشاد أكثر من مرة بأداء قائد الجيش وكرّر أنه لا يمانع تأييده إذا كانت حظوظه متقدّمة، وأنه يفضل رئيساً مدنياً لكنه لا يعترض على عون. لكنّ الموقف السياسي العام من قائد الجيش وأدائه مختلف عن الموقف المبدئي للقوات الرافضة في المطلق أي تعديل دستوري، والرافضة بحسب المتوقّع في الوقت نفسه انتخاب قائد الجيش من دون تعديل. وللتذكير، فإنه في جلسة انتخاب سليمان أعلن النائب جورج عدوان باسم القوات، ومعه عدد من النواب، تأييد انتخاب سليمان شرط إجراء التعديل الدستوري لأن انتخابه يتناقض مع المادة 49 من الدستور. تخطّى بري الاعتراض استناداً إلى دراسة أجراها الوزير بهيج طبارة بتعليل الفراغ الرئاسي الذي يزيل الحاجة إلى تعديل دستوري، ويسمح لموظفي الفئة الأولى بأن يُنتخبوا من دون تقديم استقالتهم قبل سنتين. كان النواب متوافقين إثر تسوية الدوحة على انتخاب سليمان، وذريعة المطالبة بالتعديل استندت أساساً إلى سحب الحجة الدستورية للطعن في الانتخاب خلال 24 ساعة، الأمر الذي لم يحصل.
من غير الممكن إنجاز تسوية رئاسية مع حزب الله من دون موافقة باسيل

وحتى الآن لا يزال دستوريون مصرّين على أن انتخاب سليمان لم يكن دستورياً وكان يفترض الطعن به.
في المقابل عبّر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بوضوح مطلق عن معارضته لانتخاب قائد الجيش بذاته. وهذا ليس أمراً جديداً في مسار علاقته به وبفريقه، لكنه تعمّد إظهار معارضته للانتخاب بقدر ما بعث برسالة مزدوجة تتعلق برفض انتخابه كما تعديل الدستور إذا ما تشكّلت حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي أو انتخابه من دون تعديل دستوري. وموقف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية معروف كذلك من قائد الجيش ومن التعديل الدستوري. والاثنان مرشحان طبيعيان، فكيف يمكن أن يمررا تعديلاً دستورياً بهذه السهولة لخصم رئاسي.
ورغم ارتفاع أسهم عون حكماً بحسب ما هو متعارف عليه في ظروف مماثلة، كونه يشكل التقاء مصالح بين واشنطن ومصر والسعودية وباريس، وبعدما فتح أقنية حوار مع حزب الله، إلا أن القضية تتعلق في كيفية إخراج التسوية دستورياً ولو حظيت بتغطية سياسية إقليمية ودولية. فثمة كلام دبلوماسي من مشاركين في اتصالات رئاسية أنه من غير الممكن إنجاز تسوية رئاسية مع حزب الله من دون موافقة باسيل، وأي رفض يبديه الأخير تجاه أي مرشح أمام الحزب يعني مزيداً من التعقيد. لذا يصبح أي اتفاق مبكر على قائد الجيش ضرباً من الخيال، ولا سيما أن رفض التعديل الدستوري لن يتعلق بفريق واحد بل بأفرقاء قد يلتقون ولو من من دون اتصالات ومفاوضات، على هدف واحد. ورغم أن الأطراف الثلاثة متيقّنون من أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قادر على ابتداع ذرائع دستورية، في حال سلوك التسوية مسلكها لتمرير اسم قائد الجيش حين تنضج ظروف الانتخابات الرئاسية، لا تبدو المعركة بالسهولة المتوقّعة. ومن المبكر على أي فريق يحاول تعبيد الطريق أمام عون أن يطمئن إلى أن سابقة سليمان ستتكرر بهدوء، ولو ضرب الدستور من بيت أبيه مرات عدة، بما في ذلك استسهال عدم انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي.