نجح نواب «التغيير» في الظهور «موحّدين» أمس، في توجههم نحو البرلمان سيراً على الأقدام وفي الالتزام بتوجهات التصويت التي رست عليها نقاشات اجتماعات الأيام الماضية. عدا ذلك، غلبت الفروقات في الأداء والحركة ومحاولات البعض للسيطرة على المشهد والتزعّم. رسمت جلسة الأمس ملامح أوّلية لا يبدو أنها ستتغيّر كثيراً لسلوك هؤلاء في السنوات الأربع المقبلة، ضمن حدود الحرص على الحضور لإثبات الوجود وتسجيل الاعتراضات على بعض الممارسات، من دون القدرة على ما هو أبعد من ذلك، وتحديداً المواجهة الحقيقية وسط سيطرة الكتل الحزبية والطائفية على الندوة البرلمانية.
(مروان بوحيدر)

يوم خاض هؤلاء الانتخابات حصّنوا أنفسهم بانبثاقهم من «انتفاضة 17 تشرين» ورفع قضاياها، مستمدين منها ما يسمونه «شرعية شعبية»، واستكمالاً للمنطلقات عينها اختاروا أن تكون نقطة البداية والانطلاق باتجاه مجلس النواب من أمام تمثال المغترب مقابل مرفأ بيروت، برفقة عددٍ من الأهالي والناشطين. طغت الرومانسية والنوستالجيا وعززتهما هتافات «ثورة ثورة»، علماً أن الطريق إلى مجلس يعمل في خدمة الأولغارشيا كان ليكون أوضح لو سمعنا هتافاتٍ ضد المصارف ورأس المال وبيع أصول الدولة والخصخصة، وإن كانت ستزعج بعض نواب «التغيير» الداعمين للصندوق السيادي وللمصرفيين ومصالحهم بتموضعهم على يمين صندوق النقد ومهندس خطة التعافي السيئة الذكر نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي.
في السلوك، سجّل فراس حمدان حركة لافتة، فكان الوحيد الذي خاطب الحشد المرافق عند مدخل المجلس المقابل لبلدية بيروت مطمئناً وطالباً الاستئذان بالدخول من دونهم. في الداخل، على مقربة من أحد العسكريين على درج المجلس، غطى عينه بيده في استذكار للشبان الستة الذين فقدوا أعينهم خلال المواجهات أمام مجلس النواب أيام الانتفاضة. مشاغبة لا تضرّ، لكنها سرعان ما انحصرت برمزية غير قابلة للتقريش، من دون أن تتحوّل إلى مشاكسة حقيقية داخل القاعة، لحظة سحب حمدان ترشحه لمنصب أحد أميني السر (من حصة الدروز) في مواجهة مرشح الحزب التقدمي الاشتراكي هادي أبو الحسن. قد يكون تراجع حمدان ناجم عن عدم جاهزية مسبقة أو رفضاً لمحاولة النائبة بولا يعقوبيان «التشاطر» عليه وتوريطه بترشيحه من دون تنسيق. في المحصّلة رضخ لشروط اللعبة واحتكار التمثيل الطائفي، وبعدم تخطيطه من الأصل بالترشح على المنصب، سجّل أول مهادنة مع وليد جنبلاط وأنصاره ممن استفاد من أصوات بعضهم في قضاء حاصبيا - مرجعيون. في العام ظهر نوع من الصدمة والتوتر في تحركات غالبية النواب الجدد، فيما فشلت يعقوبيان في محاولتها الظهور بصورة المتمكّنة من المشاكسة، والقادرة على تزعّم الفريق. تخفق بولا دوماً بإقناع المراقب بصدقيتها فالكثير من الفولكلور حكم مسارعتها لتكون أول من يسجّل اعتراضاً، ومن ثم ترشيحها لحمدان، قبل أن تعلن هي نفسها سحبه، ما دفع بالنائب وائل أبو فاعور إلى سؤالها، بتهكم،: «موافقة بولا؟».

(هيثم الموسوي)

وفيما طغى الهدوء على حركة نواب «الكتلة التغييرية»، تحمّس النائب وضاح الصادق فنهض عن كرسيه اعتراضاً على فرز الأصوات. حسناً سجّل حضوره. أما مارك ضو فتميّز بحركة استعراضية برفعه صورة لشهداء المرفأ داخل المجلس وقبل الدخول إلى القاعة العامة. كان ضو والصادق ويعقوبيان الأكثر بروزاً بين زملائهم ليس لأن الآخرين ضعفاء، بل لأن لهذا الثلاثي باعاً أطول في التعامل مع الطبقة الحاكمة عبر شبكة مصالح وأعمال وصداقات.
في اليوم الانتخابي المعروف النتائج مسبقاً انهمك الجميع بالتصريحات السياسية واتضاح صورة وموازين مجلس النواب غارقين في استحقاقٍ يعنيهم وحدهم. أما خارج ساحة النجمة فقطاعات تنازع واقتصاد منهار ومواطنون مصيرهم مرهون بما يحمله النواب حول سؤال أساسي اليوم: أي اقتصاد نريد للبلد؟
بالنتيجة نحن أمام كتلة غير متجانسة سياسياً واقتصادياً. تطغى تناقضاتها على المشتركات الجزئية العابرة. سقفها اعتراضي. وستفرز الاستحقاقات المقبلة أعضاءها بين قلّة ستدعم الطبقات الشعبية وكتلة أكبر ستخدم مصلحة الطبقة المتحكّمة ووسطيين لا معنى لهم، أضعف من خوض معارك وتحمّل مسؤوليتها في عز الانهيار.
كتلة غير متجانسة سياسياً واقتصادياً تطغى تناقضاتها على المشتركات الجزئية العابرة

تشريح تستشفّه من تصريحاتِ عدد من هؤلاء لـ«الأخبار». الأهم أن الجميع ينظّر لمعالجة الانهيار بطرقٍ وإجراءاتٍ متباينة، لكن من دون امتلاك رؤية واضحة حول شكل الاقتصاد ما بعد الأزمة. الغرق واضح في نقاش على شاكلة مع أو ضد الصندوق السيادي أو قانون الكابيتال كونترول أو المزايدات بشأن أموال المودعين، وكيفية توزيع الخسائر بين الدولة والمصارف والناس. ذلك كله لا يعكس رؤية اقتصادية ولا برنامجاً، إنما يشكّل خشبة خلاصٍ لنوابٍ لا يعرف معظمهم ما هي الخطوة التالية. في غياب الخطط والرؤى بشكلٍ عام، تعجز نائبة «تغييرية» عن الإجابة عن مشروعها الاقتصادي، متذرعةً بأن الأمر يحتاج إلى درس. تصريح متوقع، طالما أن الانتخابات بشكلٍ عام خيضت تحت سقفٍ حكمته الشعارات الفارغة البعيدة عن الخيارات الاقتصادية الواضحة. لذلك سنشهد تناقصاً في هذه الكتلة في كل مرة تتطلب حسماً.
أقصى ما يمكن أن تنتجه المعارضات القائمة على الشعارات والبعيدة عن التنظيم وخلق جبهات مواجهة حقيقية، هو نموذج «الكتلة التغييرية» الحالية، بالمقابل هل بإمكان من انضموا إلى قافلة النواب فعل الكثير؟ بمعنى أوضح هل التغيير من داخل المؤسسات في ظل نظامٍ وتركيبة كالتي نحن في ظلها ممكن، وبمعارضات كهذه؟ في الغالب لا.