تتعثّر ناخبة مسنة وتسقط أرضاً بسبب الحافة التي أعاقت سيرها، وتدفن أخرى عشرينية مقعدة رأسها بين رجليها خجلاً لأن ثلاثة شبان يحملونها لتصل إلى قلم الاقتراع في الطبقة الثالثة، ويهتزّ رجال يميناً ويساراً على كراسيهم المتحركة وهم في طريقهم إلى الطوابق العليا في وضعيات خطيرة ومهينة. أما ذوو الإعاقات الذهنية والعقلية والبصرية فيبدون غير مدركين لماهية العملية الانتخابية، هم أرقام في لوائح الماكينات يأتون بهم صباحاً من بيوتهم، ويرسلون معهم مندوبين إلى خلف العازل للتأثير في خيارهم، مثلما يرسلون المندوبين مع ناخبين أمّيّين لا يحتاجون إلى من يرشدهم حول كيفية الاقتراع ما دامت صور المرشحين ملصقة على اللوائح الملوّنة ولا يوجد ما هو أسهل من وضع علامة صح أو خطأ في المربع المناسب.هذا المشهد المؤسف الذي سجّله يوم الأحد الماضي يتكرّر في كلّ استحقاق انتخابي، ويدفعنا إلى السؤال عن الوقت الذي نحتاجه لتجاوزه، وعن مدى حرية الانتخاب ونزاهة العملية الانتخابية في ظل استغلال ذوي الإعاقة الذهنية العاجزين عن التمييز بين مرشح وآخر.

القدرة على التمييز
لم يأت دليل رؤساء الأقلام الذي وزعته وزارة الداخلية على كيفية التعاطي مع الناخبين من ذوي الإعاقات الذهنية والعقلية، ما حيّر رؤساء الأقلام لا سيما أن «الموضوع إنساني»، على حدّ تعبير أحدهم. هل يحق لهذه الفئة التي لا تدرك أين هي، ولا حتى ماذا تفعل أن تقترع؟ يروي رئيس قلم كيف «دخل كثيرون من ذوي الإعاقات الذهنية برفقة مندوبي أحزاب أو برفقة ذويهم الذين نبهوهم «مثل ما اتفقنا ايه؟». هذه التمثيلية «المفضوحة» هي للتمويه فقط. فخلف العازل ليس الناخب من يختار بل فقط يسقط الورقة في الصندوق ويوقع ويغادر، من دون أن يعرف لمن ذهب صوته.
لا تعليمات عن كيفية التعاطي مع الناخبين من ذوي الإعاقات الذهنية والعقلية


بحسب وزير الداخلية السابق زياد بارود، «المعيار العام في القانون لممارسة الحقوق المدنية أن يكون الواحد قادراً على التمييز». هذا يعني أنه «من غير القانوني الاقتراع عن ذوي الإعاقات الذهنية، وعلى رئيس القلم التمييز بين الناخبين بحسب قدرتهم على الاختيار الحرّ لمنحهم حق التصويت، إذ يمكن مساعدة الناخب المعوق حركياً وليس التدخل في اختيار الناخب المعوق ذهنياً». لكن هذا يختلف طبعاً بحسب درجة الإعاقة و»لو أن الدولة عملت على تأهيلهم قانونياً ودعمهم لحمت حقهم في التصويت، كما أوصت الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين»، كما تقول رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً سيلفانا اللقيس.

العوائق الهندسية
في ما يخصّ العوائق الهندسية التي تعترض وصول الناخبين المعوقين حركياً إلى الأقلام، رصدت الحملة الوطنية لإقرار الحقوق السياسية للأشخاص المعوقين في لبنان «حقي» 177 مركز اقتراع، 138 منها (78%) تضمنت طوابقها الأرضية غرفاً تصلح كأقلام اقتراع. البيان الأولي الذي صدر يشير إلى أن «10% منها لم تنقل أقلام الاقتراع إلى الطبقة الأرضية فيما نقلت الأقلام إلى الطبقة الأرضية في 3% منها». ولاحظت الحملة في عدد من المراكز أن «الخيمة في باحة المركز لم تستخدم كقلم اقتراع، وفي أخرى تبين أن قلم الناخبين المعوقين لم ينزل إلى الباحة على الرغم من استحداث قلم فيها».
ورصدت الحملة 465 انتهاكاً في المراكز المختارة في بيروت والبقاع وجبل لبنان والشمال والجنوب، توزّعت بين غياب موقف لسيارات الأشخاص المعوقين قريب من المركز الانتخابي (9%)، وغياب المدخل المناسب لدخولهم (10%)، وحيث وجد لم يستخدم (4%)، عوائق أمام الوصول إلى المصعد سواء لأنه معطل أو مقفل، أو لجهة انقطاع التيار الكهربائي (7%). في أقلام الاقتراع، «لوحظ إجبار 1% من المقترعين المعوقين على تشطيب اللائحة خارج المعزل، فيما أسقط رئيس القلم اللائحة بدلاً عن 4% منهم، وتعاطي رئيس القلم بشفقة مع 1% منهم، وضغط رئيس القلم كذلك بنسبة 1% على الناخب المعوق للإسراع في عملية الاقتراع، وحصلت فوضى وتدافع في 7% من أقلام الاقتراع».
تشير اللقيس إلى أن «الدراسة لم تأت بأرقام نهائية بعد، لكن الصورة العامة تشير إلى انتهاكات كثيرة بحق ذوي الاحتياجات الخاصة». مع ذلك، لمست «تقدماً ملحوظاً سواء لجهة التزام وزارتي الداخلية والتربية بنقل الأقلام إلى الطوابق السفلية في بعض المراكز كما أظهرت الدراسة حتى الآن، أو لجهة استخدام الخيم للاقتراع». وتلفت إلى أن «كلّ منطقة تعاملت مع الخيم بطريقة مغايرة بحسب الحزب الحاكم، منها من ألغت استخدامها ومنها من حوّلتها إلى استراحة لماكينتها ومنها من كانت متعاونة لتسهيل اقتراع ذوي الإعاقة».
من جهته، يرى بارود أن «مشكلة عدم جاهزية مراكز الاقتراع لاستقبال ذوي الإعاقة تعود في الأصل إلى التأخر في إيجاد حلّ ينظم وصول الناخبين ذوي الاحتياجات الخاصة إلى مراكز الاقتراع. فكلّ مرة يبحثون عن حل قبل شهر أو شهرين من الاستحقاق». ويسأل: «ما دامت معظم مراكز الاقتراع أملاك عامة، ما الذي يمنع تجهيزها دائماً لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة»؟ تضيف اللقيس: «كثيراً ما طالبنا بتجهيز الأماكن العامة هندسياً لاستقبال ذوي الإعاقة ولم نتلق غير الوعود الكاذبة».