يعود ملف الاتصالات الى الواجهة، مجدّداً، كأحد أبرز مزاريب الهدر والسرقة واختلاس الأموال العامة. وهذه المرة، من بوابة ديوان المحاسبة الذي أصدر تقريراً مفصّلاً حول قطاع الاتصالات وثّق الفساد والهدر في كل مفاصل القطاع بشكل متوارث من وزير الى آخر. حتى ليكاد التقرير يؤكد أن ما من عقد أُنجز أو قرار اتُّخذ من دون أن يكون الهدر أساس إبرامه. ويشير التقرير إلى فضائح لا تحصى ولا سيما ما يتعلق بقطاع الخلوي، «نفط لبنان» وأحد أهم مداخيل الدولة الذي تحوّل الى مغارة علي بابا جعلت من وزراء أوصياء على أموال طائلة يغرفون منها بلا حسيب ولا رقيب. بعض المخالفات اتخذت الطابع الجزائي، ما دفع الديوان الى إبلاغ التقرير الخاص الى النيابة العامة الجزائية ومن بينها تسجيل نفقات في حساب المهمة لوزارة الاتصالات (موازنة ملحقة ) لعام ٢٠١٥ ضمن النفقات المصروفة، رغم كونها عبارة عن اختلاسات وفروقات في الصندوق ولا يفترض تسجيلها في تلك الخانة قبل التأكد من إمكانية إعادتها الى الخزينة. في العام نفسه أيضاً، لم تُبرَم عقود المشتريات والصيانة والتركيب والإنشاء في هيئة أوجيرو وفقاً للأصول، إنما كانت تحصل بالتراضي ومن دون موافقة وزارة الاتصالات المسبقة أو محاضر تسلّم عند تنفيذها، بل اكتفت الهيئة بإرسال أحد موظفيها. وقد تخطّت قيمة هذه العقود 70 مليار ليرة.
(هيثم الموسوي)

كما تبيّن أيضاً أن شركتَي الخلوي طبّقتا نظام المحاسبة الخاصة، ولم تخضعا عقودهما لرقابة الديوان المسبقة واللاحقة، رغم أن الأموال المتأتّية من القطاع هي أموال عامة. على هذا المنوال، جرت مخالفة مبدأي الشمول والشيوع، فبموافقة وزراء الاتصالات المتعاقبين، جرى الصرف على النفقات الرأسمالية والتشغيلية ليحوّل الباقي الى الخزينة. تعامل هؤلاء مع هذه الأموال كأنها تنبت على الأشجار، فسهل عليهم «رشرشتها» على دعايات وإعلانات وعقود رعاية وأنشطة رياضية ومهرجانات ومناسبات خاصة. كذلك أُبرمت عقود صيانة لشركتَي «ألفا» و«تاتش» رغم وجود أقسام في الشركتين يفترض بها القيام بهذه المهمة. أُنشئت شبكات 2G و3G بملايين الدولارات ليجري التخلي عنها بعد مدة قصيرة وتلزيمها لشركات أخرى. أُبرمت عقود إيجار على عقارات ومبان من دون الحاجة إليها ومن دون الانتقال إليها أبداً.
التقرير أشار إلى أن القطاع حقّق بين 2010 و2020 إيرادات قاربت 17 مليار دولار، ورفد الخزينة العامة بنحو 11 مليار دولار. لكن تشغيل الشبكة التي تضمّ 4 ملايين مشترك، كلّف خلال الفترة نفسها 6 مليارات دولار، أي 32% من العائدات، وهو رقم خيالي. ومن هذه المليارات الستة، كلّفت المصاريف الاستثمارية الدولة 1.4 مليار دولار، منها 650 مليون دولار لتطوير الشبكات التقنية فقط، تضمّنت تضخيماً للإنفاق لأسباب مشبوهة. ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي:
ــــ تطوير شركة «تاتش» (ميك 2) لمشروع الجيل الثاني: عام 2012، قررت الشركة استبدال شبكة موتورولا لجيل 2G على كامل الأراضي اللبنانية، وعُهد بالمشروع إلى شركة ZTE بقيمة إجمالية بلغت 27.9 مليون دولار، بعد إضافة خمسة ملايين دولار إلى قيمة العقد تحت مسمّى «variance”. وفي مرحلة ثانية، أضيفت 35 مليون دولار إلى العقد بحجة توسيع الشبكة، ثم 4 ملايين دولار لقاء تحديث جودة الخدمة. هكذا، انتهى المشروع الذي بدأ بـ 28 مليون دولار بإنفاق 48 مليون دولار على «توسيع الشبكة»! المشروع الذي أُنجز في عهد الوزير نقولا صحناوي فتح شهية الوزير جمال الجراح. عام 2018، قامت «تاتش»، بإيعاز من الجراح، بتفكيك مواقع ZTE التي كان يفترض أن تخدم حتى عام 2025، أي إلغاء المشروع الأول برمّته واستبداله بآخر تنفّذه شركة «هواوي» بكلفة بلغت 90 مليون دولار، ما تسبّب في إهدار الأموال العامة على معدات صالحة كُدّست في المستودعات، علماً بأن «تاتش» دفعت لـ«هواوي» 1.7 مليون دولار لضمان توافق أنظمة ZTE مع أنظمتها.
ــــ مشروع الجيل الثاني في «ألفا» (ميك 1): أنفقت الشركة بين 2009 و2010، ما يزيد على 37 مليون دولار لقاء تكليفها شركتَيْ «نوكيا» و«إريكسون» بمشروع زيادة عدد المشتركين بـ 400 ألف مشترك لزيادة طاقة الشبكة وتغطيتها وتأمين الخدمات لما يصل إلى مليون مشترك.
ــــ مشروع الجيل الثالث في «تاتش»: نفذت الشركة مناقصة لمشروع 3G الذي لزّمته لمصلحة شركة «هواوي». المشروع الذي بدأ بقيمة 25.6 مليون دولار لاستيعاب مليون مشترك عام 2011 وانتهى بـ 128.3 مليون دولار حين قررت «هواوي» عام 2013 توسيع التقنية لاستيعاب مليون ونصف مليون مشترك، فرفعت الكلفة بـ 82 مليون دولار، أي أضعاف الكلفة الأساسية لمشروع المليون مشترك. وقد تمتّعت «هواوي» بحصرية العقد ودُفع لها 34% من المبلغ في سنة التعاقد.
مشروع الجيل الثالث في «ألفا»: بدأ بين عامَيْ 2011 و2012 بـ 41.6 مليون دولار وانتهى بدفع الدولة 170.2 مليون دولار كقيمة إجمالية. لاحقاً في عام 2013، فرّخ مشروع LTE التجريبي في «ألفا» بكلفة 15.5 مليون دولار، تلاه بين 2015 و2018 تحوّل التجريبي إلى طويل الأمد وكلّف 91.5 مليون دولار! بموازاة ذلك، أُنفق في عام 2017 نحو 73.3 مليون دولار على مشروع لتنفيذ 500 محطة إرسال جديدة، إلا أن المشروع أُلغي قبل تنفيذه، ولا تزال الشركة تحاول إعادة بيع المحطات وأنظمة الطاقة بكلفة شرائها!
ــــ مشروع الجيل الرابع في «تاتش»: كلفته تفوق 100 مليون دولار، الحصة الأكبر منه من نصيب «هواوي» التي كانت تتقاضى في بعض المشاريع 50% من قيمة الالتزام في سنة التلزيم نفسها.
ــــ تمتّعت شركة «هواوي» بحظوة لدى وزارة الاتصالات. فعند تنفيذ شركة «تاتش» مشروع 4G، وزعت الأعمال بين 75% لـ«هواوي» و25% لـ«نوكيا»، مع دفع 33% من قيمة العقد لـ«هواوي» في السنة الأولى، مقابل أقل من هذه النسبة بكثير لـ«نوكيا». وبلغت كلفة المشروع الإجمالية 35 مليون دولار.
وفي ما يلي توثيق الغرفة الرابعة في الديوان برئاسة القاضية نللي أبي يونس وعضوية المستشارتين نجوى الخوري ورانية اللقيس لأعمال اختلاس وهدر ممنهج في قطاع الاتصالات على مدى 10 سنوات، منذ عام 2010 حتى عام 2020 وهي المدة التي ركّز عليها التقرير.
مجلس الإشراف: 14 مليون دولار مصاريف بلا فائدة
شكّل «مجلس إشراف المالك»، أو ما يعرف بهيئة مالكي القطاع، المغارة التي غرف منها وزراء الاتصالات بلا حسيب أو رقيب. یتمثّل دوره في المراقبة والإشراف على قطاع الهاتف الخلوي من النواحي القانونية والتجارية والمالية. لكن تبيّن أن المجلس كان بلا صلاحيات، وأن القرار دائماً للوزير الذي له أن يأخذ برأي المجلس أو يعلمه، فيما الواقع أنه في أحيان كثيرة، كان الوزير يأخذ القرار في الأمور الخاضعة لرقابة الهيئة من دون أن يعرضه عليها. وقد أُعطي وزراء الاتصالات المتعاقبون صلاحیة تعیین هذا المجلس وفرق العمل المعاونة له وتحدید صلاحیاتهم من دون الرجوع الى أيّ جهة ومن دون الخضوع لأيّ رقابة خارجیة، سواء من مجلس الخدمة المدنیة أو وزارة المالیة.
طلب الديوان من الوزارة قرارات تعيين المجلس وفرق العمل المعاونة له مع الرواتب التي تقاضاها كل شخص، إلا أن الوزارة اكتفت بإرسال جداول الرواتب التي تعود إلى ما بين 2017 و2020، مشيرة إلى أن هذه الجداول هي «كل ما وجد لديها»، وأنه ليس لديها قاعدة بيانات رسمية تتعلق بالمجلس منذ إنشائه، «خلافاً للأصول والقواعد القانونية التي تلزم الإدارة الاحتفاظ بالمستندات العائدة لنشاطها لفترة زمنية محددة».
الجداول المتوافرة بيّنت ارتفاعاً كبیراً في عدد أعضاء المجلس من سنة الى أخرى، وفرق العمل التي تعاونه. إذ تراوح العدد بين 25 و30 شخصاً. ورأى الديوان أن الزيادة كانت غير مبررة في معظم الأحيان وغير منطقية ولا تعتمد على أي معيار واضح وشفاف، كتكليف أربعة أشخاص بأعمال «المطبخ»، أو خلق وظائف جديدة كسكرتير تنفيذي، أو وظائف لا تدخل في عمل المجلس كوظيفة «الشكاوى» التي عُيّن لها شخص قبل أن يرتفع العدد إلى أربعة يعملون في مكتب الشكاوى التابع لوزير الاتصالات. كذلك ابتدع الوزير وظيفة «الأرقام المميزة» التي تقضي بالاهتمام بطالبي هذا النوع من الأرقام الهاتفية وأوكَل بها شخصين! فيما عُيّن أشخاص من دون تحديد مهام مقابل أسمائهم وسُجّلوا بعدها في الجداول اللاحقة تحت خانة «عمال مطبخ». وفي أحد الجداول بتاريخ تموز 2018، تقاضت ثلاث سيدات تحت خانة «مطبخ» (م. ر. ور. ق. وأ. م.) تعويضاً تراكمياً قدره 6 آلاف دولار لكل شهر عن أشهر كانون الثاني وشباط ونيسان وأيار وحزيران، بينما تبيّن أن رواتبهنّ تتراوح بين 350 دولاراً و750 دولاراً، من دون إيضاح ما قمن به لقاء هذه المكافأة السخية.
الى ذلك، فاق عدد العاملين في «فريق الوزير» في بعض الأحيان عدد موظفي مجلس إشراف المالك برمته؛ فعلى سبيل المثال، وُظِّف 31 شخصاً في عداد فريق الوزير فيما فريق المجلس مؤلف من 30 شخصاً. وفريق الوزير معظمه من المستشارين والسكرتيرات الذين يحدد رواتبهم الوزير ويتقاضونها من حساب المجلس، علماً بأن معظمهم لم يلتزموا بدوام عمل في الوزارة ولا يعرفهم أحد. وتجدر الإشارة الى أن معظم فریق مجلس الإشراف ومعاونیه هم من موظفي وزارة الاتصالات والهیئة الناظمة وهیئة أوجیرو، وبالتالي كان هؤلاء یتقاضون رواتبهم من الإدارة التي ینتمون إلیها، إضافة الى ما یتقاضونه من حساب مجلس الإشراف، من دون أيّ رقابة لوزارة المالیة علیها للتأكد من قانونیّتها وانطباقها على القوانین المالیة ذات الصلة. كما أن بعضهم لا يزال ملحقاً بمكتب الوزير حتى اليوم!
وشهدت رواتب أعضاء مجلس الإشراف تفاوتاً كبيراً ارتبط دائماً بقرار الوزير. فكان لافتاً تقاضي العاملين ضمن فريق الوزير رواتب أعلى من رواتب معظم أعضاء مجلس الإشراف، رغم أن هؤلاء لم تُحدّد مهامهم. وضم فريق الوزير مستشارين وسكرتيرات وغير ذلك ممن يضع الوزير أسماءهم ويحدد رواتبهم ويقبضون من حساب المجلس من دون أن تربطهم به أي صلة عملية.
وبما أن عقد الإدارة الموقّع مع مشغّلي الهاتف الخلوي ينصّ على أن تموّل الشركات نشاطات مجلس إشراف المالكين بقيمة تقتطع شهرياً من الإيرادات المحصلة لا تتجاوز 0.1% من هذه الإيرادات، تُصرف وتنفق وفقاً لتعليمات الوزير، تصرّف الوزراء بتلك الأموال من دون حسيب أو رقيب ومن دون اعتماد أيّ أسس ومعايير واضحة. واستعملوا هذه الأموال لتغطية نفقات السفر والإقامة في الفنادق للوزير والفريق المرافق له، وحتى استئجار طائرة خاصة لسفر الوزير ومصاريف متفرقة لمكتبه من ورق وحبر وطعام وآلة لمنع التنصّت وغيره وجميعها على حساب مجلس إشراف المالك، في الوقت الذي نص فيه العقد على أن تغطي الإيرادات نشاطات المجلس فقط.
وفي أغلب الأحيان، تخطّت المبالغ التي كان يُطالب بها الوزراء الشركتين لتغطية نشاطات المجلس ما هو مسموح به وفق العقد. فعلى سبيل المثال، في عام 2019 (عهد محمد شقير) كان المبلغ المحدد للمجلس في شركة «ألفا» 615 ألف دولار، فيما صرف المجلس 765 ألف دولار أي بزيادة 149 ألف دولار. وبلغت قيمة التعويضات المدفوعة بين 2012 و2020 ما يصل الى 6.3 ملايين دولار. وفي شركة «تاتش»، وصلت هذه المبالغ الى 8.3 ملايين دولار. وخلص الديوان إلى أنّ «ما بين عامَي 2012 و2020 دُفعت مبالغ بقيمة 14 مليون دولار لتغطية مصاريف مجلس الإشراف، ذهب معظمها هدراً من دون فائدة».
تصرّف الوزراء بأموال مجلس الإشراف من دون رقيب لتغطية نفقات السفر والفنادق واستئجار طائرات خاصة


ولحظ ديوان المحاسبة رواتب دفعت بالدولار وبفروقات هائلة بين موظف وآخر. فالمهندس أ. ب.، مثلاً، كان يتقاضى شهرياً راتباً يصل الى 7 آلاف دولار بين 2017 و2020، بينما المهندس م. ع. كان يتقاضى 1500 دولار، وتقاضى المهندس م. ش. 5 آلاف دولار، والمهندس ع. ق. 500 دولار. والبعض كان ينال زيادات غير مبررة مقابل الإبقاء على رواتب هي نفسها طوال أعوام. وسُجّلت فروقات شاسعة بین رواتب أشخاص یشغلون الوظیفة نفسها بين من يصنّفون عاملين في مجلس الإشراف أو في «فريق الوزير».
وتبیّن من المستندات المقدمة الى الدیوان أن دفع الأموال من قبل شركتَي الاتصالات الى الوزارة لتغطیة نشاطات مجلس الإشراف یتم عبر توجيه وزير الاتصالات شخصياً كتاباً الى شركة الخلوي يحدد فيه المبلغ الإجمالي المطلوب دفعه وتقوم الشركة تلقائياً بالدفع. وقبيل عام 2017، كان الوزراء يطلبون من الشركات تنظيم شيكات بقيمة المبالغ المطلوبة لمصلحة أحد المحامين، ويذكرون في كتبهم أن المحامي سيقبض المبلغ المطلوب وفقاً لتوجيهات الوزير. ونتیجة تمنّع المحامي عن تقدیم قطع حساب بالمبالغ التي تسلّمها على مدى سنوات من الشركات واكتفائه بتقدیم شیك الى الوزارة بمبلغ قال إنه الرصید المتبقي من الأموال التي قبضها لمصلحة مجلس إشراف المالك من دون تقدیم ما یؤكد صحة ذلك، عمد الوزبر الى تقدیم دعوى قضائیة بحقه باسم الدولة اللبنانیة ولم تتبلغ الوزارة حتى تاریخه أيّ جدید حول مصیر هذه الدعوى. ومنذ عام ٢٠١٧ دأب الوزراء على طلب تحویل الأموال العائدة لتغطیة نشاطات المجلس الى حساب خاص مفتوح باسم المجلس في بنك «عوده»، على أن یكون حق تحریك الحساب والدفع منه بموجب شیكات تحمل توقیعَي وزیر الاتصالات ورئیس مجلس إلاشراف. وبعد حلّ المجلس، وضعت صلاحية تحریك الحساب في البنك بيد وزير الاتصالات منفرداً. وعند استيضاح الوزارة حول مصير الرصيد في الحساب عند مغادرة رئيس المجلس، أفادت بأن الوزير الحالي ليس على علم بالحساب وسيعمد الى تحويل الرصيد الى خزينة الدولة.

تقرير ديوان المحاسبة كاملاً



رشاوى الرعاية... برعاية الوزراء
كانت عملية دفع مبالغ الرعاية تتم من قبل شركتيّ الاتصالات استناداً إلى تقييمها للنشاط أو العمل موضوع الرعاية في بعض الحالات، غير أنه في أغلب الأحيان، كان الوزير يُقرر دفع مبالغ أخرى غير ملحوظة بالاستناد إلى اعتبارات خاصة استنسابية، ويعمد إلى إبلاغ الشركة بها لإنفاذها. فعلى سبيل المثال، بلغ عدد المساهمات الرعائية التي أطلقتها «تاتش» في الفترة ما بين 2016 و2019 نحو 101 مساهمة بقيمة إجمالية بلغت 3.9 مليون دولار، في حين بلغ عدد المساهمات التي أطلقتها الوزارة بمبادرة منها نحو 199 مساهمة بقيمة إجمالية بلغت 11.7 مليون دولار. وبلغ إجمالي النفقات الرعائية المدفوعة من قبل «ألفا» خلال الأعوام من 2011 إلى 2021 حوالي 31 مليون دولار ومصاريف الدعاية والتسويق 28 مليون دولار والدعاية والإعلان 16 مليون دولار. كما لوحظ أن العام 2018 (عام الانتخابات النيابية) شهد أكبر معدل إنفاق على عقود الرعاية في الشركتين، ولذلك طلب الديوان جداول تفصيلية بالمبالغ التي تكبّدتها الشركتان في العامين 2018 و2019 والتي كان معظمها بطلب من الوزير (دفعت شركة “تاتش” 18 مليون دولار بدل رعاية وإعلان في العام 2018 من إجمالي 78 مليون دولار دفعتها بين 2010 و2018).


إيجارات سوليدير وأخواتها
بين 2012 و2018، كان الإنفاق على بدلات الإيجار في ازدياد مضطرد، فبلغت القيمة الإجمالية لبدلات إيجار المباني الرئيسية والمحطات والمستودعات والمكاتب والمواقف لشركة MIC1 خلال العام 2018 (عهد الجراح)، 22.3 مليون دولار من دون احتساب بدل إيجار السنة الأولى لمبنى «سولیدیر». وبلغت القيمة الإجمالية لبدلات الإيجار لدى شركة Mic2 خلال العام نفسه 20.9 مليون دولار. وبلغ إجمالي بدلات إيجار Mic1 المدفوعة من العام 2010 إلى العام 2021، نحو 168 مليون دولار مقابل 140.9 مليون دولار لشركة Mic2 من العام 2010 إلى العام 2018 ومن دون احتساب بدلات إيجار مبنى «سوليدير» أيضاً. ولم يتم التوصل إلى اعتماد آلية مشاركة لمواقع الاتصال المستأجرة من قبل كل من الشركتين للحد من الإنفاق على بدلات الإيجار. فعلى سبيل المثال، بلغ عدد مواقع الاتصال المنظم بشأنها عقود إيجار ما بين Mic1 ومالكي المواقع لغاية العام 2021، 1283 موقعاً، دُفع لقسم منهم بالدولار وقسم آخر بالليرة مع بداية الأزمة النقدية. خلال العام 2018 أيضاً، أُبرم عقد إيجار بين «تاتش» وشركة «سيتي دفلوبمنت ش.م.ل» لمبنيين في العقار 1526 الباشورة بمساحة 14700 متر مربع لمدة 15 عاماً، لقاء بدل سنوي بقيمة 6 ملايين و400 ألف دولار على أن تتم زيادة نسبة 1.5% من قيمة العقد سنوياً، كما تم توقيع عقد آخر لتجهيز المبنى بقيمة 22.6 مليون دولار. لكن بعد مرور عام على استئجار المبنى في عهد الجراح، قرر الوزير محمد شقير شراء المبنيين الواقعين في «سوليدير». وقد أثار الأمر فضيحة كبيرة آنذاك. وبلغت قيمة الصفقة 75 مليون دولار حُسمت منها قيمة الإيجار، ولكن أضيفت إليها فوائد لصالح مصرف «فرنسبنك». ووثقت تقارير أخرى قيمة ما دفع بأكثر من 100 مليون دولار. هذه العقود لم تخضع للرقابة الإدارية المسبقة كما المبالغ التي دُفعت وستُدفع. لذلك اعتبر الديوان أن التفرد في إلزام الدولة بها بمعزل عن أي رقابة يشكل مخالفة صارخة للأحكام القانونية وهدراً للمال العام.


«ألفا» و«تاتش» للتوظيف السياسي
استُخدمت شركتا «ألفا» وتاتش من وزراء الاتصالات المتعاقبين في التوظيف السياسي والتنفيعات، وتم «حشوهما» بأعداد من العاملين تفوق حاجتهما. فقد بلغ إجمالي عدد الموظفين في «ألفا» عام 2010 نحو 714 موظفاً ووصل إلى 1102 موظف عام 2018 بزيادة نسبتها 54%، قبل أن ينخفض هذا العدد عام 2020 إلى 1053 موظفاً نتيجة الاستقالات والأزمة الاقتصادية. بلغت كلفة هؤلاء الموظفين عام 2010 نحو 21.7 مليون دولار، وصلت عام 2018 إلى 54.1 مليون دولار، وتراجعت عام 2020 إلى 42.4 مليون دولار. وفي شركة «تاتش»، ارتفع عدد الموظفين من 434 عام 2010 بكلفة 16.4 مليون دولار إلى 749 عام 2018 بكلفة 44.7 مليون دولار، بزيادة نسبتها 72.6%، وانخفض العدد عام 2020 إلى 720 موظفاً والرواتب إلى 36.3 مليون دولار.


14 مليون دولار حوافز في 2018!
رغم انخفاض الإيرادات، استمرت «ألفا» و«تاتش» في دفع حوافز بملايين الدولارات ولم يتضح ما إذا تم ذلك بناء على نتائج مؤشرات الأداء. وقد دفعت «تاتش» حوافز قيمتها 9.5 مليون دولار مقابل 5.5 مليون دولار في «ألفا» خلال 2018 في ولاية الوزير السابق جمال الجراح.


صندوق عجائب جمال الجراح
لفت تقرير ديوان المحاسبة إلى ما يسمى صندوق مشروع MIC Venture Holding الذي أنشئ عام 2018 بمبادرة من وزير الاتصالات جمال الجراح لدعم الشركات الناشئة من خلال صندوق استثماري للاتصالات يدعم الشركات الناشئة الناشطة في مجال التكنولوجيا والاتصالات. وقد ساهمت شركتا الخلوي في الشركة التي تُدير الصندوق مناصفة برأس المال البالغ 20 ألف دولار بداية، إضافة إلى الاستثمار بالمبالغ التي تُحدّدها الوزارة. وبالنتيجة، اقتطع الجراح نحو 9 ملايين دولار لدعم الصندوق، قبل أن يؤدي تردّي الأوضاع الراهنة إلى قرار الشركتيْن بموافقة وزارة الاتصالات وقف الاستثمار في صندوق الدعم.


فضيحة «قصابيان»
بدأت قصة مبنى «قصابيان» عام 2012 حين استأجرت Mic2 العقار 1633 من منطقة الشياح العقارية الذي تملكه «الشركة اللبنانية للتعمير والإنماء - قصابيان إخوان» لمدة عشر سنوات. وقد تقاضت الشركة 2.2 مليون دولار كبدل إيجار سنوي على أن ترتفع قيمته بنسبة 6% كل عام. وكمختلف عقود الشركتين التي تنطلق من قيمة معينة ثم ترتفع وتضاف إليها «أشغال مستجدّة»، وبعد تصريح شركة «تاتش» بمعاينة العقار وموافقتها عليه من دون تحفظ، وجدت في ما بعد أثناء قيامها بأعمال هندسية داخلية أن العقار بحاجة إلى أعمال إضافية! هذه الأعمال كبّدت الخزينة مبالغ طائلة فاقت السبعة ملايين دولار خلال 4 سنوات (2012-2015) إضافة إلى خسائر مالية أخرى دُفعت لصالح شركة دار الهندسة للإشراف ومبالغ أخرى لصالح "parallel contracting sal لقاء إعادة الترميم. لاحقاً ونتيجة نشوء نزاع بين «تاتش» والمالك، تعذّر الانتقال إلى المبنى ولم يستخدم مطلقاً رغم ملايين الدولارات التي أنفقت عليه!


بدعة «باورتك»
رغم أن الصيانة تدخل في صلب مهام شركتيّ الاتصالات من خلال الاستعانة بالكادر البشري في القسم التقني، إلا أن أغلب هذه الأعمال عُهّد إلى شركات معينة وفق عقود خارجية ومن دون اتباع إجراءات تنافسية، ما نتج منه هدر ملايين الدولارات من الأموال العامة. وأبرز هذه العقود هو العقد مع شركة «باورتك». فخلال عام 2018، عرضت الشركة على وزير الاتصالات استبدال معدات كالمولدات والبطاريات وأجهزة التبريد وغيرها بمعدات جديدة لقاء استلامها صيانتها لمدة 10 أعوام ولقاء مبلغ سنوي يعادل 13.8 مليون دولار، وصل إلى 19 مليون عام 2020 وبلغ 54 مليون دولار عام 2021، منها نحو 47 مليون مصاريف للمازوت. بناء على تجربة ألفا «الناجحة»، شجّع وزير الاتصالات جمال الجراح شركة «تاتش» على أن تحذو حذو «ألفا» في إبرام عقد مع «باورتك»، مشيراً إلى توفير هذه الشركة 15% من التكلفة. إلا أن «تاتش» تقدمت من الوزير بتاريخ 22/10/2018 بتقرير عرضت فيه إمكانية تخصيص وحدة من فريقها الخاص للقيام بأعمال الصيانة نفسها إضافة إلى إمكانية خدمة شركات أخرى عبر بيع هذه الخبرات. كذلك أفادت عن ورود اعتراضات من 4 شركات حول تلزيم الصيانة في شركتيّ الخلوي بالتراضي مطالبة بإعادة النظر في العقد. وذكر التقرير أن وزير الاتصالات ألحّ عليها على إتمام العقد مع «باورتك»، موعزاً إلى «تاتش» بإلغاء صفقة شراء المولدات التي كانت بصدد إجرائها. هكذا، أتمّت «تاتش» العقد مع «باورتك».


توصيات الديوان
خلص تقرير ديوان المحاسبة إلى مجموعة من التوصيات خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان والحديث عن إعداد خطة تعاف بالتنسيق مع صندوق النقد. والإصلاح الأول في قطاع الاتصالات، كما يعقب الديوان، يكون بتفعيل دور الهيئة الناظمة وإنشاء شركة اتصالات لبنان. أما بقية التوصيات فجاءت كما يلي:
- حصر الإنفاق في هيئة أوجیرو ضمن الأطر التعاقدية ولغاية تسيير المرفق العام. والالتزام بالمسار العام الحالي لوقف التوظيف، ودراسة إمكانية الخروج عن هذا المسار في ما بعد وفقاً للحاجات ووفق الأصول القانونية ومن دون تدخلات سياسية. كذلك ترشيد وضبط الرواتب والمكافآت.
- العمل بشكل فوري على وضع وإقرار خطة استراتيجية لإدارة قطاع الخلیوي في لبنان تأخذ في الاعتبار زيادة إيرادات الدولة وتحسين جودة الخدمة وتحفيز القدرة التنافسية للاقتصاد.
- اعتماد المناقصات المفتوحة والشفافة والعلنية في جميع النفقات التشغيلية والرأسمالية، وعرض المشاريع على رقابة الديوان المسبقة.
- خفض النفقات المضخمة وغير الضرورية لتحقيق إيرادات إضافية للخزينة العامة عبر: إلغاء المصاريف الرعائية والاحتفالات، ضبط وخفض النفقات الدعائية، خفض نفقات إيجار المواقع، الاستعانة بالفريق الفني والتقني لدى الإدارة لتنفيذ أعمال الصيانة، خفض النفقات التي يمكن معالجتها تقنياً بمعزل عن أسعار السوق مثل اعتماد «رومینغ وطني» لحلّ مشكلة المحطّات المتوقّفة بسبب نقص مادة المازوت، كونه يتيح لمشتركي أي شبكة باستخدام الشبكة الثانية عند انطفاء المحطة الخاصة بالشبكة الأولى، فضلاً عن اعتماد نظام التشارك في المحطات الذي يخفف الكلفة، تقاسم أو دمج البنية التحتية بين الشبكتين، خفض مصاريف السيارات والمحروقات، تنظيم عمل وكلاء التوزيع عبر اعتماد السياسة المقررة من خلال مزايدة أو مناقصة شفافة وعادلة وتنافسية واعتماد عمولة متقاربة بين الوكلاء.


زيادة في المشتركين... تراجع في الإيرادات
رغم ارتفاع عدد المشتركين من ثلاثة ملايين إلى أربعة ملايين، تراجع مجمل إيرادات «ألفا» و«تاتش» نتيجة هدر هذه المداخيل على إنفاق رأسمالي وتشغيلي بلغت نسبته 128% ما بين 2010 و2018. علماً أن متوسط دخل المشترك في الشركتين، أو ما يسمى بـ ARPU، بلغ 29 دولاراً، وهو من بين الأعلى عالمياً ويتجاوز ثلاثة أضعاف الأسعار في دول مشابهة للبنان.