يندر العثور على سياسي أو مصرفي مقتنع بأن التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان سيفضي إلى نتيجته المرجوة. منذ أكثر من عام، يتعرّض مشروع التدقيق للعرقلة، بما يحول دون انطلاقه. فبعد نحو 11 شهراً على إصدار قانون تعليق السرية المصرفية، لغرض التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي، لا تزال شركة «ألفاريز أند مارسال» تواجه عقبة تلو أخرى، بما يؤدي إلى تأخير بدئها بالمهمة الموكلة إليها. آخر تلك العقبات برز قبل يومين، مع انتشار معلومات عن امتناع مصرف لبنان عن تزويد الشركة بمعلومات طلبتها منه.

المصرف أصدر أول من أمس بياناً قال فيه إنه زوّد الشركة المكلّفة إجراء التدقيق بنحو «900 ميغابايت» من البيانات. وأضاف أنه «بتاريخ 11/11/2021، طلب وزير الماليّة من مصرف لبنان إبداء الرأي بعدد من الإيضاحات المطلوبة من شركة (“A&M”)، حول المعلومات الموضوعة بتصرّفها. تأكيداً على المنحى الإيجابي في التعاطي مع شركة (“A&M”)، يقوم مصرف لبنان حالياً بدراسة الملاحظات وتقديم الإيضاحات المطلوبة، بغية تذليل أيّة عقبات قد تعترض قيام شركة (“A&M”) بمباشرة أعمالها».
مصرف لبنان يقرّ في آخر بيانه بأن الشركة لم تباشر عملها بعد. ففي الواقع، هي لا تزال في مرحلة جمع البيانات والوثائق، بعد طول مماطلة في قبَل المصرف. وبعد حصولها على الوثائق، ستباشر عملية التدقيق لتقدّم تقريرها الأولي في غضون 12 أسبوعاً، بحسب العقد الموقع بينها وبين الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارة المال.
أمس، استدعى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزير المال يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان، وعقد معهما اجتماعاً بحضور الوزير السابق سليم جريصاتي، ناقش فيه عون «الصعوبات التي تواجه مؤسسة ألفاريز أند مارسال في عملية التدقيق المحاسبي الجنائي في حاكمية مصرف لبنان». وبحسب مصادر المجتمعين، تحدّث عون بنبرة عالية مع خليل وسلامة، مصرّاً على وجوب منح الشركة كل ما تطلبه، لتتمكّن من مباشرة عملها. وقد أجاب خليل وسلامة بأن مصرف لبنان يتعاون مع الشركة، ويمنحها كل ما تريده، وبأن ما جرى أخيراً لا يعدو كونه تأخيراً تقنياً نتيجة حاجة الإدارة في مصرف لبنان إلى «بعض الوقت» لتجيب على الإيضاحات التي طلبتها الشركة.

يمتنع سلامة، منذ أكثر من 8 أشهر، عن تسليم كشوفات حساباته الشخصية إلى القضاء


مصادر متابعة للقضية لفتت إلى أن سلامة «يستقوي» بكون وزير المالية كان أحد مرؤوسيه، ويؤمن له الغطاء اللازم للمماطلة. وترى المصادر أن ما يجري هو نهج متعمّد، مذكّرة بأن مفاعيل قانون رفع السرية المصرفية تنتهي في اليوم الأخير من العام الجاري، ما يعني أن مصرف لبنان لن يزوّد الشركة - بدءاً من اليوم الأول من العام المقبل - بأيّ معلومة عن حساباته والحسابات المفتوحة فيه. وبرأي المصادر، فإن مصرف لبنان يستهلك الأسابيع الخمسة الفاصلة عن نهاية العام بتضييع الوقت، لحجب المعلومات التي يحتاجها المدققون لإتمام المهمة التي كلفتهم بها الحكومة.
في المقابل، ترد مصادر وزير المال مؤكدة غياب أي مماطلة، وأن كل ما تطلبه الشركة تحصل عليه.
ما قام به مصرف لبنان ليس سلوكاً طارئاً. فمنذ شباط الماضي يمتنع حاكم مصرف لبنان عن تزويد النيابة العامة التمييزية بكشوفات حساباته الشخصية المفتوحة في مصرف لبنان، بعدما طلب القضاء هذه الكشوفات بهدف التحقيق في قضية شركة «فوري» التي يُشتبه في أنها كانت واجهة لسلامة وشقيقه رجا، بما مكّنهما من الحصول على أكثر من 300 مليون دولار نتيجة عقد موقّع بين «فوري» ومصرف لبنان. وقد أحال سلامة الطلب القضائي على هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها، لتحقق في حساباته الشخصية، قبل أن يستعين بشركة «سمعان وغلام» لتدقق في تلك الحسابات. وقد أرسل سلامة نتيجة التدقيق الذي قامت به الشركة التي اختارها، إلى النيابة العامة، بدلاً من تسليمها كشوفات حساباته التي يحجبها عنها منذ 8 أشهر.
هذا السلوك ليس حِكراً على سلامة، إذ إن ثلاثة مصارف («عودة» و«البحر المتوسط» و«الاعتماد اللبناني») تمتنع بدورها عن تزويد القضاء بكشوفات حسابات رجا سلامة (شقيق الحاكم) التي طلبتها النيابة العامة التمييزية في الأسبوع الأول من الشهر الماضي، بموجب المادة السابعة من قانون السرية المصرفية. ورغم أن هذه المادة ترفع تلقائياً السرية المصرفية تجاه القضاء في جرائم الإثراء غير المشروع، إلا أن المصارف تمتنع عن تلبية الطلب، مُحاججة بأن تلك المادة القانونية مُلغاة! («الأخبار»، 23 تشرين الثاني 2021).
مصادر مالية معنية بالتحقيقات القضائية كما بالتدقيق الجنائي، ترى أن أي محاولة لمعرفة حقائق حسابات مصرف لبنان وحاكمه لن تصل إلى نتيجة، ما دام سلامة على رأس عمله والمتحكّم بالمنظومة المصرفية. فالأصول، بحسب المصادر، تقضي تنحيته للتمكن من الحصول على كافة الأدلة والمستندات التي يحتاج إليها التحقيق القضائي والتدقيق الجنائي.