التزم التيار الوطني الحرّ بـ«الحياد» حيال كمين الطيونة. وتصرّفت قيادته وكأنّ الأمر لا يعنيها، لا في السياسة ولا في الشارع. ورغم أن رئيس التيار الوزير السابق جبران باسيل لم يرسل كلمة سرّ إلى المسؤولين والمحازبين حول طريقة التعامل مع التطورات ولم يظهر تخبّط في وجهات النظر. بل بدا، للمرة الأولى، وكأنّ التيار كله يسير على خطّ واحد مناهض لحركة أمل، حتى ولو كان مَن في وجهها العدوّ السياسي الأول سمير جعجع. تعاملت غالبية العونيين مع التظاهرة التي دعت إليها حركة أمل وحزب الله على أن هدفها الأساس حماية الوزير السابق ومنع المحاكمة عنه. من البديهي، والحال هذه، أن يحتكم العونيون إلى غريزة العداء السياسي المطلق لما يمثله رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولوزير المال السابق شخصياً، كونه شكّل رأس حربة بري في معاركه ضدّ رئيس الجمهورية ميشال عون وقيادة التيار، فضلاً عن قناعة عونية بأن حزب الله، مجدّداً، «يغطّي تجاوزات بري وكتلته، وهذا أساساً محل نقاش بيننا وبين الحزب، بحسب مسؤول في التيار، فضلاً عن عدم الاقتناع بأن «تحقيق القاضي طارق البيطار يستهدف المقاومة أولاً وأخيراً».
وضع محازبو التيار كمين الطيونة في خانة الصدام بين «أميرَيْ حرب»

هكذا، ترك باسيل الجمهور يتصرّف على سجيّته، فوضع المحازبون كمين الطيونة في خانة «الصدام بين أميرَيْ حرب انفضحا اليوم أمام الرأي العام، وخصوصاً القوات اللبنانية التي يطلق مناصروها الرصاص على العزّل وتدّعي رفضها لأيّ سلاح غير شرعي»، وأن ما يجري «محاولة من أمل والقوات لشدّ عصب جمهورهما»، وأن «ما بين جعجع وبري هو حلف سياسي أقوى من أن يزعزعه اشتباك». هكذا دان التيار في بيانه الخجول أول من أمس استخدام السلاح ضد «متظاهرين لا نتفق مع مطالبهم»... وكفى الله المؤمنين شرّ القتال.
لكن، في ظل «التباهي» القواتي، على لسان عدد من نواب الحزب ومسؤوليه، بأن جعجع «حامي الشرقية ممن يتمتعون بفائض قوة»، وبأن «الطير المعادي لا يمكن أن يمر من فوق عين الرمانة»، ثمّة من يرى أن «رمادية» التيار لم تربحه الشارع المسيحي الذي انحاز «وجدانياً» إلى القوات وخسّرته، في الوقت نفسه، نقاطاً لدى حليفه الشيعي. وهو ما ترد مصادر التيار عليه بأن «استغلال المواطنين واستخدامهم دروعاً بشرية ووضع الأهالي والأحياء تحت مرمى النيران كلّ ذلك ليس عملاً يُعتدّ به حتى لو كان مُربحاً في الميزان الشعبي». وتؤكد، خلافاً لما تشيعه معراب، بأن «أهالي عين الرمانة أنفسهم خبروا جعجع وحروبه الخاسرة التي لم تأت سوى بالدماء والدمار للمجتمع المسيحي، وبالتالي ألاعيبه هذه مكشوفة وسترتدّ عليه».

بخجل، دان التيار الوطني الحرّ كمين الطيونة. موقف رمادي قد لا يربّحه مسيحياً وربما يستنزف من رصيده شيعياً


لذلك، أصرّ نواب عونيون على تحييد مبدأ «العدالة» الذي أرادت حركة أمل منه التظاهر لإطاحة البيطار، وتذرّعت به القوات لتكرار مشهد الحرب. فغرّد نائب الأشرفية نقولا الصحناوي: «البلطجة مرفوضة سواء ممّن يدّعي الهجوم أو ممّن يدّعي الدفاع، القوي هو من يجنّب منطقته الفتنة، لا من يزعم حمايتها بإطلاق النار من وسط أهلها. من الجبل، إلى شرق صيدا، لم يتعلّم البعض. لعن الله الفتنة، وسامح من أشعلها وجعل من المواطنين دروعاً بشرية له». وكتب النائب إدي معلوف: «هيداك منعرفو غدّار ومجرم ومفتن ومنباع، وواضح انو يلي صار من هندستو وإخراجو، بس انو المنظمين مش قادرين يمنعوا المتظاهرين من الضرب والتكسير والشتم والتعدي على الممتلكات؟ استفزاز الناس ما ببرر القتل أبداً، بس بيخلق حجة، ولو هزيلة، للمجرم تيتخبا وراها».
تغريدات النائبين كما بيان التيار وتصريح باسيل كلها حملت في طياتها كلمة «...ولكن» التي حتّمتها الأحقاد مع حركة أمل. مصادر قيادية في التيار أكدت أن «موقفنا واضح بضرورة استكمال التحقيقات ورفع الحصانات، والتحذير في الوقت عينه من الاستنسابية وتسييس التحقيق». لكنّ قيادة التيار تدرك، من جهة أخرى، أن «البصم عالعمياني» للبيطار لن يجنّبها وصول «الموسى». ولهذا السبب بالذات، سبق لباسيل أن حذّر من حرف التحقيق عن مساره، وضرورة تحديد هُوية الطرف الذي أدخل النيترات وخزّنها، وهُوية سارق النيترات من العنبر ووجهة استخدامها، ومحاسبة المسؤولين عن الإهمال الوظيفي لا الاقتصاص من بعض النواب والوزراء لدواعٍ سياسية بحتة».