الضوء الأخضر الأميركي فتح الباب أمام وصول الغاز المصري إلى لبنان بأقصى سرعة. كل العقبات التي كانت تحول دون ذلك لسنوات طويلة، أزيلت دفعة واحدة، برغبة مصرية وأردنية بمساعدة لبنان، وبدفع من «الخطر الاستراتيجي» الذي يشكله فتح خط إمداد طاقوي من إيران إلى لبنان على المصالح الأميركية. البيت الأبيض تدخّل لاستثناء خط الغاز من العقوبات على سوريا. صحيح أن الطلب الرسمي لم يُقدم بعد إلى وزارة الخزانة الأميركية، لكن ذلك صار تفصيلاً وينتظر بلورة الإطار القانوني للطلب، والتأكد إن كان يجب أن يكون طلباً مشتركاً توقّعه مصر والأردن ولبنان، أو أحادياً توقّعه الدولة التي تبيع الغاز أو الكهرباء.ذلك التفصيل لم يمنع المضيّ قدماً بتحويل «الحلم» المجمّد منذ عام 2011 إلى واقع. ولذلك، فتحت طريق الشام، بمباركة أميركا وحلفائها في بيروت، أمام أول وفد رسمي لبناني، وبعدها عُبّدت الطريق أمام اجتماع تقني في عمّان، ضم وزراء الطاقة في الأردن وسوريا ولبنان ومصر. الاجتماع دخل في التفاصيل التقنية والفنية، وضرب مواعيد لكل مرحلة وتحميل كل دولة مسؤولية إنجاز الشق المتعلق بها، بما يجعل البدء بضخ الغاز إلى معمل دير عمار ممكناً خلال شهرين، على ما يؤكد وزير الطاقة ريمون عجر.
لم يتناول الاجتماع مسألة نقل الكهرباء من الأردن إلى لبنان، أولاً لأن الوزراء الذين شاركوا في الاجتماع ليسوا كلهم هم وزراء كهرباء، وثانياً لأن عوائق عديدة تمنع الاستفادة من هذه الفرصة، التي يمكن أن تؤمن نحو 270 ميغاواط، قريباً. فقد أعلن وزير الطاقة السوري وجود عدد كبير من الأبراج المتضررة في الجنوب السوري، والتي لا يمكن البدء بتأهيلها قبل إجراء المصالحات. علماً بأنه حتى بعد إنجاز هذه الخطوة، فإن نزع الألغام من تلك المناطق قد يحتاج إلى ستة أشهر. وعليه، فإن التركيز في الاجتماع الذي جمع غجر ووزيرة الطاقة الأردنية هالة زواتي ووزير النفط السوري بسام طعمة ووزير البترول المصري طارق الملا، وضمّ عدد كبيراً من الخبراء، كان على بحث استجرار الغاز، حيث تبيّن، خلافاً لما يتردّد، أن الأنابيب في سوريا سليمة، وهي تستعمل حالياً، علماً بأن شركة أمن خاصة تعمل على حماية الخط والمحافظة عليه.
مع ذلك، فقد تقرر، في نهاية الاجتماع، مراجعة الاتفاقيّات الموقّعة بين دول خط الغاز، وعلى وجه الخصوص اتفاقيات شراء الغاز الطبيعي واتفاقيات العبور. وفي ما يتعلق بلبنان، فسيكون معنياً بمراجعة بنود اتفاقية شراء الغاز من مصر التي أقرّت ووقّعت في عام 2009 ولا تزال سارية المفعول، تمهيداً لتحديثها، على أن يتم ذلك بالتعاون بين وزارة الطاقة اللبنانية والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، خلال فترة ثلاثة أسابيع تبدأ من تاريخ اجتماع عمّان. كذلك، حُدّدت المهلة نفسها لمراجعة بنود اتفاقية العبور الموقّعة بين مصر وسوريا، وأسبوع لمراجعة اتفاقية العبور بين مصر والأردن. كما طلب من كل دولة، باستثناء مصر التي أكدت جاهزية بنيتها التحتية لنقل الغاز فوراً، أن تتأكد من البنية التحتية للغاز لديها، خلال مهلة محددة:
ــــ سيقوم الأردن، خلال أسبوعين، بإعداد تقرير عن المتطلبات الفنية للخط لديه، علماً بأن الوفد الأردني أوضح أن الخط جاهز لنقل الغاز، إلا أن مشكلة واحدة تواجهه هي عدم وجود محطة قياس الكميات على الحدود الأردنية السورية، والتي فككت بُعيد بدء الحرب السورية (عند مرور خط الغاز بين بلدين يوضع عدّاد على كل جهة لقياس الكميات وإجراء المقاصّة عند الحاجة). وإذ تمّت الإشارة إلى أن إعادة تركيب المعدات قد تحتاج إلى ستة أشهر، اقتُرح أن يصار إلى تركيب محطة قياس متحركة، تسمح بالإسراع في بدء إجراءات نقل الغاز.
ــــ سيعمد كل من الأردن وسوريا إلى الكشف على الوصلة الواقعة بين محطتَي القياس المتقابلتين على الحدود الأردنية السورية، والتي يبلغ طولها 600 متر.
خط الغاز السوري جاهز... والوصلة الأردنية بحاجة إلى تأهيل


ــــ في سوريا، ستتأكد المؤسسة العامة للنفط والشركة السورية للغاز من المتطلبات التشغيلية للخط، على أن يُقدّم تقرير بالعوائق، إن وجدت، خلال أسبوعين. وقد أكد الوفد السوري أن البنية التحتية لنقل الغاز جاهزة، باستثناء الوصلة الواقعة بين محطتَي القياس في الأراضي السورية والأردنية، علماً بأن الجزء الممتد في الأراضي السورية، ولا سيما بين محطة دير علي في الجنوب ومحطة الريان في حمص (يخرج منها 12 خطاً للغاز نحو مختلف الاتجاهات) تعمل بشكل طبيعي، وتنقل الغاز من الشمال إلى الجنوب، أي من مكامن الغاز في حمص (نحو 200 حقل) إلى المنطقة الصناعية في دير علي. وبالتالي، عند البدء باستجرار الغاز المصري، سيتم تحويل اتجاه الغاز، فيحوّل إلى محطة دير علي، على أن تُنقل الكمية نفسها من محطة الريان إلى شمال لبنان. وبحسب المعلومات، فإن الوصلة بين الريان والحدود اللبنانية تواجه مشكلة يؤكد الجانب السوري أنه يمكن حلّها. فخط الغاز الذي يمتد تحت الأرض يخرج منها كل نحو ثلاثة كيلومترات، حيث توجد معدات لقياس الضغط والتأكد من عدم وجود أي تسرّب، علماً بأنه في حالة اكتشاف أيّ تسرب يقفل الصنبور أوتوماتيكياً، وتُعزل الوصلة الممتدة بين صنبورين. تلك المعدّات التي تقيس الضغط وتقفل مكان التسرب سرقت أثناء الحرب، لكن بحسب الوفد السوري، يمكن تعويض ذلك بالعمل اليدوي، بحيث تتم مراقبة الخط بشرياً، وهو ما يجري، حالياً، في أكثر من منطقة.
ــــ على لبنان، بدوره، التأكد من جاهزية البنية التحتية وتقديم تقرير بالعوائق إن وجدت خلال أسبوعين (لم يتم الكشف على الأنبوب منذ سنوات). لكن تبيّن أن لبنان لا يملك القدرة التقنية ولا الخبرة لفحص الخط، ولذلك يتوقّع أن يجري التعاقد مع شركة مصرية للقيام بهذا العمل، علماً بأن الجانب المصري عرض إمكانية تنفيذ أعمال الفحص عن طريق الشركة الفنية TGS مشغلة خط الغاز العربي في الأردن، وبالتعاون مع الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي. كذلك، يرجح التعاقد مع الجانب المصري لتشغيل خط الغاز في لبنان، كما سبق أن حصل في عام 2009.

لبنان يبدأ التفاوض مع مصر لتحديث اتفاقيات الاستجرار والنقل والتشغيل


في ذلك الحين، لم يوقّع لبنان اتفاقية واحدة مع مصر، بل كانت ثلاث اتفاقيات، الأولى تتعلق بشراء الغاز، والثانية باستجراره والثالثة بتشغيل منشأة الغاز في الشمال. ولذلك، فإنه يفترض أن يتم تيويم هذه الاتفاقيات والاتفاق على السعر وطريقة الدفع خلال ستة إلى ثمانية أيام، بالتعاون مع البنك الدولي الذي سيتكفل بتمويل هذه الاتفاقية، علماً بأنه لم تتضح آلية التمويل بعد. هل يدفع لبنان ويكتفي البنك الدولي بكفالته، أم تسدّد قيمة الاتفاقية مباشرة من البنك الدولي. وفي كلتا الحالتين على الدولة اللبنانية أن تحسم أمرها. ولذلك، يفترض فور الانتهاء من النقاشات التقنية، أن يرسل وزير الطاقة نتيجتها إلى الحكومة اللبنانية، التي عليها أن تقرر الآلية التي يجب اتباعها للدفع، ومن ثم إعداد مشاريع قوانين وإحالتها إلى المجلس النيابي، ليصار إلى إقرار الاتفاقيات بشكل قانوني، وبما يسمح بالبدء بتطبيقها.



من يجرؤ على تمديد عقد البواخر؟ | بين الغاز المصري والفيول العراقي: 18 ساعة تغذية ممكنة
إنجاز الاتفاق مع مصر سيسمح باستجرار حاجة معمل دير عمار المقدّرة بــ 600 مليون متر مكعب، أي ما يساوي 65 ألف قدم سنوياً، بما يوفر نحو 130 مليون دولار سنوياً، بالمقارنة مع تشغيل المعمل على الديزل. وبالتوازي، سيسمح ذلك بتحويل الكميات المستجرّة من العراق إلى معامل الزهراني (450 ميغاواط) والزوق والجية الجديدين (270 ميغاواط) وتشغيلها جميعها لمدة سنة كاملة بدلاً من أربعة أشهر (يفترض أن تغادر باخرتا شركة كارادينيز لبنان نهاية أيلول، كما أبلغت وزارة الطاقة). وعليه، فإنه، إضافة إلى 200 ميغاواط يمكن أن تؤمّنها المعامل المائية شتاءً، يمكن الحصول على تغذية تصل إلى 14 ساعة يومياً، من دون الحاجة إلى الحصول على أموال من مصرف لبنان.
لكن ما يتجاهل المعنيون طرحه خوفاً من ردود فعل قاسية، هو إمكانية زيادة التغذية أربع ساعات إضافية، من خلال الاتفاق مع «كارادينيز» على الإبقاء على الباخرتين في لبنان ونقلهما إلى الشمال، حيث يمكن تشغيلهما على الغاز، بما يؤدي عملياً إلى إنتاج ما مجموعه 850 ميغاواط على الغاز (8 ساعات تغذية)، ويساهم في توفير نحو 250 مليون دولار، مقابل عدم خسارة أربع ساعات من التغذية.
أمام هكذا خطوة عدة عقبات، أبرزها الصراع السياسي الرافض لوجود الباخرتين من الأساس. وهو رفض كان مبرراً بسبب الارتفاع الكبير في إيجارهما، لكن مع مرور ثمانية أعوام على وجودهما، ومع تكفّلهما، في أغلب الأحيان، بتأمين نصف الإنتاج، صار بالإمكان التفاوض مع الشركة لتخفيض قيمة الإيجار بشكل كبير، تمهيداً لنقل الباخرتين إلى الشمال، بما يجنب الأكلاف الإضافية التي ستضطر كهرباء لبنان إلى دفعها لتشغيل معامل صور وبعلبك والجية والزوق القديمين. لكن حتى لو تم التوافق السياسي ــــ التقني على الاستعانة بالبواخر وتشغيلها على الغاز، فإن الأمر يحتاج إلى موافقة الشركة، التي تدين الدولة لها بـ 200 مليون دولار، على توقيع عقد جديد، علماً بأن مفاوضات جدية معها ربما تؤدي إلى تخفيض قيمة الدين، والحصول على عقد يسمح بتأمين الكهرباء بسعر منافس. فإذا كانت كلفة فيول البواخر تقارب 9 سنتات للكيلوواط، ويضاف إليها نحو 5 سنتات بدل إيجار، فإن تخفيض الإيجار ثم استبدال الفيول بالغاز، سيسمح بأن لا تزيد الكلفة الإجمالية للكيلوواط على 9 سنتات (إيجار وفيول).