رغم أنّ لجنة الإدارة والعدل النيابية أنجزت دراسة اقتراح قانون استقلالية القضاء الذي اعتبره المحامون خطوة إيجابية سيقومون بدرسها ووضع ملاحظاتهم عليها، على أن تُعاد سريعاً الى المجلس النيابي، ليتمّ إقرار القانون، إلا أن مجلس نقابة المحامين أعلن استمرار «الانتفاضة» حتى تصحيح الخلل مع القضاء. لقد خلُص المحامون إلى أنّ استمرار الإضراب هو الحلّ الوحيد على الرغم مما يتسبب به من تعطيل في المرفق القضائي، كاشفين عن إنشاء مرصد للمخالفات من قبل القضاء والموظفين والمحامين، معلنين الرفض التام لتخطّي القوانين وخاصة المادة ٤٧ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والمواد 75 و77 و79 من قانون تنظيم المهنة. وأطلقوا نداء لتداعي أركان العدالة من قضاة ومحامين ومساعدين قضائيين لإنقاذ مرفق العدالة.هذه الخطوة التي يراها قسمٌ من المحامين حبل الخلاص الوحيد الذي بقي أمامهم لإعادة النهوض، يعتبرها القسم الآخر الضربة القاضية التي تتلقّاها العدلية. إذ إنّ البلاد تعيش أسوأ أيامها اقتصادياً. ويرى المحامون المعارضون للإضراب أنّ تعطيل العدلية يتسبب في «خراب بيوتهم» وإيذاء موكليهم، لكون إضراب المحامين وامتناعهم عن حضور جلسات القضاة يؤخران المحاكمات أيضاً.
النقيب خلف سرد لـ«الأخبار» رحلة معاناة المحامين مع القضاء. يقول إنّ الإضراب ليس وليد اللحظة، بل نتيجة تراكم سبّبه سوء حال القضاء. ويرى نقيب المحامين أنّ بعض القضاة لديهم مشكلة لناحية وجود خلط بين السلطة والسلطان. ويتحدث عن مخالفات وتجاوزات تُصيب رسالة المحامين، معتبراً أنّ هذا الإضراب «إذا حقق هدفه فسيضع حجر الزاوية لاسترداد الدولة وبناء القضاء، إذ إنّ هذه المعركة الأساسية التي تقودها نقابة المحامين هي لإعادة الثقة بالقضاء». ورداً على سؤال إن كان وقف الدعاوى وإطالة أمد توقيف الموقوفين وتجميد الدعاوى ضد المصارف، ألا يُعتبر خدمة للسلطة، ردّ بأن ما يقوم به هو «نضال لتمكين هؤلاء الناس وإعطائهم حق الدفاع بكل حرية من دون أيّ إذعان لأيّ ضغط أو أيّ تجاوز». وقال خلف إنه متفهّم لتبعات وقف الدعاوى وتعطيل مصالح المتداعين، «لكن الحقيقة أنني أدافع عن هذه الحقوق».
هل كُسِرَت الجرة بين نقابة المحامين ومجلس القضاء الأعلى؟ وماذا عن الكباش بين النقيب ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود؟ يقول خلف إنّ هناك قنوات فُتِحت في هذا الخصوص، إلا أنّه يؤكد أنّه لن يتراجع قبل تحقيق الأهداف التي بدأ من أجلها الإضراب.
قبل أيام، عُقد لقاء عام للمحامين في القاعة الكُبرى في بيت المحامي. جاء اللقاء في سياق الإضراب، حيث قدّم النقيب جردة حساب، واضعاً المحامين في تفاصيل المستجدات. وإذ أعاد خلف شرح أسباب انتفاضة المحامين التي أُعلِنت في الثامن من حزيران للمطالبة بتصحيح العلاقة مع القضاء، إلا أنه لم يُغفل أنّها في جوهرها مرتبطة بالشأن الاقتصادي والاجتماعي. ورغم أن إضراب المحامين مستمرّ منذ أكثر من 25 يوماً، وتحديداً منذ ما بعد توقيف المحامي رامي عليق، أكد خلف استمراره لحين تصحيح القضاء العلاقة مع نقابة المحامين والتوقّف عن تخطّي قانون تنظيم مهنة المحاماة، إذ يرى المحامون أنّ المسّ بكرامة المحامي بصفته المدافع الأول عن الناس، سيمتدّ إلى كرامات باقي المواطنين. وكشف النقيب عن خطوات تصعيدية متتالية سيُعلن عنها تباعاً من دون كشف تفاصيلها. وعلمت «الأخبار» أنّ هناك محاولات لتوسيع الإضراب ليطال نقابة المحامين في الشمال.
وبالعودة إلى إعلان النقيب خُطوات جديدة لانتفاضة المحامين، ومنها إطلاق مرصد العدالة في نقابة المحامين، كشف أنّ هذا المرصد يعمل من خلال منصّة إلكترونية تمّ استحداثها من قبل مركز المعلوماتية في النقابة، يُسجِّل المحامون عليها ــــ بواسطة هواتفهم الذكيّة ــــ كلّ المخالفات التي يتمّ رصدها أثناء تأدية مهنتهم في قصور العدل وخارجها. هذه المخالفات تفرزها النقابة ليتمّ من بعد ذلك ملاحقتها وفقاً للأُصول وأمام المراجع المُختصّة.