في تطوّر لافت على التحقيق في قضية اختلاس أموال من مصرف لبنان، والتي يشتبه الادّعاء العام السويسري بأن حاكم المصرف رياض سلامة وشقيقه رجا أدّيا دور البطولة فيها، دخل الملف في منعطف مهم، يمكّن من الاستنتاج بأن التحقيق بات أقرب من أي وقت مضى من الإطباق على رأس السلطة النقدية. فقد علمت «الأخبار» أن المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، بعث عبر وزارة العدل بطلبات إلى السلطات القضائية في كل من سويسرا وفرنسا وبريطانيا، يطلب فيها تجميد أموال رياض ورجا سلامة ومساعِدة الأول ماريان الحويك، إضافة إلى الحجز على جميع ممتلكاتهم، لمصلحة الدولة اللبنانية. وقد أرسل عويدات طلباته عبر وزارة العدل.[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
التحقيق المفتوح في سويسرا، منذ كانون الثاني الماضي، لا يزال مستمراً رغم البطء الذي يعتريه، نتيجة تغيّر عدد من القائمين في التحقيق من جهة، كما نتيجة الإجراءات المتبعة من قبل النيابة العامة الاتحادية، والتي تتطلّب وقتاً طويلاً للتدقيق في كل خطوة قبل الإقدام عليها، كما للثبت من الوثائق والمستندات. وتستمر النيابة العامة السويسرية بإرسال طلبات تعاون إلى النيابة العامة التمييزية، سائلة الحصول على معلومات أو وثائق. وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن السويسريين حصلوا من لبنان على كل ما طلبوه في الأشهر الماضية، وأن فريق النيابة العامة الاتحادية يعكف على دراسة ما تلقّاه من بيروت، «وهو ما يحتاج إلى وقت طويل نتيجة وجوب الالتزام بآليات قانونية للتدقيق من جهة، وبسبب تشعّب الملف وتعقيده من جهة أخرى». ويجري الحديث عن عدد هائل من التحويلات التي أجراها الشقيقان سلامة ومساعِدة حاكم «البنك المركزي»، بهدف تبييض الأموال التي يشتبه الادعاء العام السويسري في اختلاسها من مصرف لبنان.
في المقابل، بدأت النيابة العامة الاتحادية السويسرية، منذ بداية الشهر الجاري، بتلبية طلبات النيابة العامة التمييزية اللبنانية، لكن بوتيرة أقل سرعة مما يقوم به الجانب اللبناني. ويعبّر مسؤولون سويسريون عن خشيتهم من عدم المضي في الملف في لبنان حتى النهاية. ويُدرك السويسريون أن الضغوط السياسية في لبنان تزداد بهدف إقفال التحقيق، بذريعة أن الاستمرار فيه سيؤدي إلى المزيد من الانهيار النقدي والمالي، نظراً إلى الدور الذي يؤديه حاكم مصرف لبنان، وقدرته الكبيرة على تعميق الأزمة التي تعاني منها البلاد. من جهة أخرى، يتحدّث «خبراء في الشأن المصرفي» عن أن سويسرا تريد بالدرجة الأولى الحفاظ على «سمعة مصارفها»، خاصة لجهة السعي إلى إزالة وصمة كونها الملجأ الأبرز لتبييض الأموال حول العالم.
طلبُ الحجز على أموال الشقيقين سلامة والحويّك وممتلكاتهم، مردّه إلى الاشتباه في أنها أموال مختلسة من مصرف لبنان، بقرار من رياض سلامة، جرى تبييضها عبر مصارف في سويسرا وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية. كذلك يُشتبه في أن الأموال المختلسة جرى استخدامها بعد عمليات تحويل معقّدة لشراء عقارات في عدد من الدول، وهو ما دفع بعويدات أيضاً إلى طلب الحجز على جميع ممتلكات الثلاثي.
وتجدر الإشارة إلى أن غالبية وسائل الإعلام في لبنان لا تزال تعتّم على التحقيق، رغم أهميته. لكنّ فريق سلامة الإعلامي جهد أمس لنفي معلومات نشرتها «الأخبار»، عن توقيف ماريان الحويك في مطار بيروت، علماً بأن عملية احتجازها لعدة ساعات بهدف الحصول منها على وثائق ومستندات وأجهزة اتصال، موثّقة بأوامر قضائية. وتُعد الحويك شخصاً «ذا أهمية» للتحقيق في سويسرا، كما للتحقيق في لبنان، مع اختلاف الإجراءات القضائية المتبعة في البلدين. فعلى سبيل المثال، يرفض المدعي العام الاتحادي السويسري اعتبار الهاتف الشخصي للحويك مصدراً للأدلة، فيما لا يمنع القانون اللبناني الاستناد إلى محتويات الهاتف في التحقيق.