إذا صدق مصرف لبنان، فإن ذلك لا يعني إزالة كل العقبات من أمام التدقيق. بالرغم من أن قانون تعليق العمل بالسريّة المصرفية لم يُشِر إلى مسألة التوازي في التدقيق بين مصرف لبنان وباقي المؤسسات حرفياً، إلا أن ربط القانون بالقرار الذي أصدره مجلس النواب، رداً على رسالة رئيس الجمهورية، كان العقبة التي رُميت في وجه التدقيق عمداً. فتلك عبارة لم تُساهم سوى في عرقلة التدقيق أو إضافة الغموض إليه، بما يُعزز هامش المناورة للفريق المتضرر. إذ أن القرار المذكور كان أشار إلى أن تخضع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة بالتوازي للتدقيق الجنائي».
مع ذلك، فإن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل سعت إلى حسم الموقف سريعاً. وبناء على طلب رأي من قبل وزارة المالية، أفتت بأن التوازي لا يعني التزامن، بل يعني خضوع الحسابات للتدقيق بطريقة متشابهة.
كان بديهياً، في إطار الحرب غير المعلنة الدائرة بشأن التدقيق، أن لا يسلّم حزب المصرف برأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، الذي يؤكد أن «التوازي لا يعني التزامن، بل يعني خضوع الحسابات للتدقيق بطريقة متشابهة». ولذلك، سارع عدد من النواب لتعديل الدفة عبر توجيه سؤال إلى الحكومة يعتبرون فيه أن «التدقيق في حسابات مصرف لبنان لن يكون له النتيجة المتوخّاة إذا لم يتم ربطه بتدقيق بالتوازي والتزامن مع التدقيق لدى الوزارات والإدارات وهذا أمر بديهي».
لم تُجِب الحكومة على السؤال بعد، لكن وزير المالية أوحى أنه يتبنّى هذا الموقف. ففي كتاب موجّه إلى رئاسة الحكومة في 10 آذار الحالي، قدم غازي وزني استعادة تاريخية لمسار التدقيق، قبل أن يطلب في النهاية «الحصول على موافقة استثنائية من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء لتوسيع التفويض المعطى له لإحياء العقد مع شركة «ألفاريز» أو التعاقد مع شركة أخرى عند الاقتضاء».
لكن على أي أساس كان وزير المالية يتواصل مع «ألفاريز» طالباً منها استئناف العمل في مصرف لبنان؟ وهل يشكل ذلك الكتاب تراجعاً أمام الضغط الذي عبّر عنه السؤال النيابي؟ يعتبر وزني أن الأمرين مختلفان، مشيراً إلى أنه بالتوازي مع سعيه لاستكمال التدقيق في مصرف لبنان، يريد تفويضاً للعمل على توسيع نطاق التدقيق ليشمل حسابات الوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والمؤسسات والصناديق والمؤسسات العامة». وبالتالي فإن طلب التفويض الإضافي لا يتعلق بالتدقيق في مصرف لبنان ولا يستهدف إطلاق التدقيق في المؤسسات كلها دفعة واحدة. وأكثر من ذلك يعتبر وزني أن التدقيق في المصرف المركزي هو عملية لم تتوقف، وكل المطلوب هو استئنافها بالشروط التي سبق أن اتُّفق عليها سابقاً. أما التفويض الجديد، فيطلبه للتوقيع معها على توسيع نطاق التدقيق ليشمل المؤسسات الأخرى إذا وافقت الشركة (تؤكد المعلومات أنها لم تبدِ حماستها لذلك)، وفي حال رفضها فإنه يطلب تفويضه التفاوض مع شركة أخرى.
لكن مقابل كل ذلك، ثمة من توقف عند طلب وزير المالية تفويضاً جديداً قبل أن يحسم الأمر مع «ألفاريز». كذلك شككت مصادر مطلعة في أن يكون الكتاب الموجّه إلى رئاسة الوزراء جزءاً من سياق لا يؤدي سوى إلى عرقلة التدقيق وإدخاله في مزيد من الدهاليز.
من جهتها، ردّت رئاسة الحكومة على كتاب وزني، أول من أمس، مؤكدة توجيهات الرئيس حسان دياب بوجوب عدم التأخر في المضي قدماً في التدقيق الجنائي كما القيام بما يلزم لتذليل جميع ما يثار من عقبات، مهما كان مصدرها، تحول دون بلوغ هذه النتيجة. وبناء عليه، طلبت رئاسة الحكومة من وزير المالية تحديد موقف شركة «ألفاريز» لناحية موافقتها على التعاقد للقيام بعملية التدقيق الجنائي. وفي حال أبدت موافقتها، توضيح ما إذا كان العقد المنوي توقيعه معها سيشمل التدقيق في الوزارات والمؤسسات العامة والمجالس والصناديق والمصالح المستقلة.
رئاسة الحكومة تسأل عن الموقف النهائي لـ«ألفاريز»
أما بشأن طلب وزير المالية تفويضاً جديداً، فقد طلبت منه أن يوضح بداية إذا كان التفويض المطلوب لا يشمله قرار مجلس الوزراء في 26 آذار 2020 (تكليفه القيام بما يلزم من إجراءات مع مصرف لبنان ومع الجهات ذات الصلة بهدف القيام بعملية تدقيق محاسبية مركّزة). وإذا كان ذلك هو المطلوب، دعت رئاسة الحكومة وزير المالية إلى بيان التصور والآلية والبرنامج المنوي اعتمادها في عملية التدقيق تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء وللقانون رقم 200.
ينطلق المشككون في إمكانية إجراء التدقيق في ظل السلطة الحالية من تجربة الأشهر السابقة: عشرات الكتب والقرارات والمراسيم والقوانين التي، تحت عنوان فتح الباب أمام التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، لم تساهم سوى في المزيد من العرقلة. بدليل أنه مع مرور عام منذ القرار الأول لمجلس الوزراء، لا تزال النتيجة حالياً: لا شيء.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا