انفجار 4 آب، «حادثة ضخمة استثنائية»، بحسب وصف الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله. ضخمة إلى درجة أنّ كشف الحقيقة بشأنها، يلامس حدود بقاء «الكيان». هذه لحظة مصيرية في بلد لم يشهد في تاريخه المُعاصر حدثاً مُشابهاً. لذلك، رفع نصر الله التحدّي، مُعلناً أنّ «الموضوع الآن لا يتعلّق برئيس وعهد، ولكن بالدولة ككلّ كيف ستتصرف. الجميع يحمل نوعاً من المسؤولية تجاه المحاكمة والمحاسبة». بدا نصر الله جازماً وهو يؤكّد أنّ «طريقة التعامل مع فاجعة من هذا النوع لا يجوز أن تُسيّس، وكيفية تعامل مؤسسات الدولة والطبقة السياسية معها (ستنتج) نتاجاً مصيرياً». ففي حال لم تتمكّن الدولة والطبقة السياسية، أكانت في السلطة أم في المعارضة، «من التوصّل إلى نتيجة في الملفّ وتُحاكم المُرتكبين، يعني أنّه لا يوجد أمل ببناء دولة ولا إمكانية لمواجهة فساد وتقصير. الموضوع بهذا الحجم. هذه حادثة لا يُمكن أن يُمَرّ عليها، يجب أن تُعرف الحقيقة ويُحاكم من هو مسؤول عنها من دون أي حمايات، وأي تصرّف آخر يعني أنّ هناك أزمة كيان».

تكلّم نصر الله كمن يقطع الطريق على أي محاولة لحماية مُشتبه في ارتكابهم أو تغطيتهم الجريمة، أكان مُباشرةً أم غير مباشرةً. فقال إنّه «لا يُسمح أن تتم حماية أو تغطية أحد. لا يجوز أن يكون التحقيق والمحاكمة على الطريقة اللبنانية المعروفة التي تُلحظ فيها التوازنات اللبنانية. فمثل العملاء، المسؤول عن الانفجار لا دين له، والمحاسبة تتمّ على أساس ما قام به». فأمام هول الحادثة، «هناك إجماع على أنّه يجب أن يحصل تحقيق تامّ وشفّاف ونزيه وشامل، ويجب أن يُنزل أشدّ أنواع العقاب العادل بحقّ من يتحمّل مسؤولية في الحادث». واقترح نصر الله أن يكون الجيش اللبناني، بما أنّ كلّ القوى تعتبره «المؤسسة الضامنة للسيادة، فإذا كان موثوقاً لدى كلّ اللبنانيين، تفضلوا كلّفوه بالتحقيق». ويوجد خيار ثان، «القيام بتحقيق مُشترك، حيث إنّ الجهاز الأمني أو العسكري الذي تثقون به يكون موجوداً. رغم أن رأيي أنّ الخيار الأول كافٍ».
يُقدّم نصر الله خيار التعاون مع الجميع، وتوفير الخيارات «الأريح» لكلّ القوى السياسية، لضمان إجراء تحقيق عادل، ولا سيّما بعد أن انتظر الفريق المُعادي للمقاومة في لبنان أن يأتيه «الدعم الدولي» يوم السابع من آب، مع إعلان المحكمة الدولية حُكمها في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، فشاء «القدر» أن يُقرّب الموعد إلى 4 آب. انفجار كاد يمحي بيروت عن الخريطة، خلّف أكثر من 150 قتيلاً و5000 جريح ونسبة هائلة من الدمار، تشبّثت به أحزابٌ وشخصيات كانت تُمثّل في الماضي جزءاً من تحالف «14 آذار»، لتُحوّله إلى مادة ضغط على المقاومة واتهامها بأنّها هي المسؤولة عن التفجير، مرة عبر الزعم بوجود مخزن أسلحة للحزب في المرفأ، ومرة أخرى بزعم أن الـ2750 طنّاً من «نيترات الأمونيوم» تعود لحزب الله.
الأمين العام للحزب نفى «نفياً قاطعاً حازماً جازماً أن يكون لنا شيء في المرفأ. لا مخزن ولا سلاح ولا بندقية ولا قنبلة ولا رصاصة ولا نيترات (...) هناك مظلومية استثنائية في اتهام حزب الله قبل التحقيق ومن دون أن يكون أحد قد عرف شيئاً بعد. نحن جزء من المقتولين والمجروحين، فقد سقط من جمهورنا شهداء وجرحى». ما أزعج نصر الله أنّه - عادةً - في مثل هذه الحالات الاستثنائية «الكلّ يُجمّد نزاعاته وصراعاته وحساباته الخاصة، ويتعاطى من منطلق أخلاقي لتجاوز الكارثة، وبعدها يُمكن أن تُفتح دفاتر الصراعات من أول وجديد. ما حصل في لبنان للأسف الشديد أنّه منذ الساعة الأولى للفاجعة، خرج بعض وسائل الاعلام المحلية والاقليمية وقوى سياسية ليحسم أنّ انفجار العنبر الرقم 12 عبارة عن مخزن لصواريخ حزب الله. لماذا؟ ليقولو للشعب اللبناني إنّ الذي دمّر بيوتكم وميناءكم وأرزاقكم وجرح منكم الآلاف هو حزب الله. مستوى عال من الظلم والتجنّي. هذا اسمه حرية اعلامية؟ وتعبير عن الرأي؟». ثمّ جرى الانتقال إلى المستوى الثاني من التحشيد، عبر «تحميل حزب الله المسؤولية، لأنّه يُسيطر على المرفأ وكلّ ما يجري تحت سيطرته. هذا كذب»، قال نصر الله جازماً. وأكّد أنّ «المقاومة تعرف مرفأ حيفا أكثر من مرفأ بيروت، لأنّ هذا جزء من معادلة الردع واستراتيجية الدفاع عن لبنان، ومسؤولية حزب الله الأساسية هي المقاومة». أعاد الأمين العام التأكيد أنّ حزب الله «لا يُدير المرفأ ولا يُسيطر عليه، ولا نعرف ماذا كان يجري داخله وما هو موجود فيه». المشكلة أنّ كلّ فريق لديه مشكلة مع فريق آخر، استغل المناسبة لإجراء جردة حساب. «لا أريد الدخول في سجال مع أحد، لأنّنا مُصرّون على أنّ اللحظة هي لحظة تعاطف وتعاون ولملمة الجراح ورفع الأنقاض وحسم مصير المفقودين ومساعدة الجرحى. حقائقنا وموقفنا قويان، ولكن سنؤجّل السجال لأنّ الأولوية للتعاون». أما بعض التحليلات «التي تحاول البناء على آمال فيها الكثير من الأوهام، فلطالما سعى الناس خلف سراب وتبيّن لهم أنّه سراب».

المقاومة تعرف مرفأ حيفا أكثر من مرفأ بيروت لأنّ هذا جزء من معادلة الردع


في مقابل السجالات السياسية الداخلية، لفت نصر الله إلى «اللهفة الشعبية في كلّ المناطق، والحضور السريع لكلّ الهيئات الشعبية، لأنّ هذا الموضوع أكبر من قدرة الدولة على مواكبته. هذا التعاطف والألم عند الناس، وبأنّ أحداً لا يشمت بالآخر والكل يعتبر نفسه معنياً، هذا دليل حياة وأخلاق وضمير». فنحن في كلّ المعايير «أمام فاجعة كُبرى، والانفجار كان عابراً للمناطق والطوائف».
أما المشهد الثاني «الإيجابي»، فهو مواقف الدول العربية والاقليمية والغربية التي أبدت تعاطفاً كبيراً مع الشعب اللبناني، «كما الاعلان عن تقديم مساعدات رغم أنّ البلد محاصر. وهذا كان مطلبنا منذ البداية، أنّه إذا كانت لديكم مشكلة معنا فحاصرونا نحن فقط». أما الأبرز في كلّ التضامن الدولي، فـ«كانت زيارة الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون). نحن ننظر بإيجابية إلى كلّ مساعدة وزيارة في هذه الأيام، خصوصاً إذا أتت في إطار مساعدة لبنان أو لمّ الشمل والتعاون والحوار بين اللبنانيين». وأضاف نصر الله أنّ هذا الأمر «يفتح فرصة أمام لبنان، دولة وشعباً، للخروج من حالة الحصار والشدّة التي كان يُعاني منها»، مُعتبراً أنّ التعاطي الدولي مع الحادثة «فرصة يجب أن يستغلها اللبنانيون، ونبحث عن الفرص التي قد تكون قد ولّدتها المأساة».
ماذا عن الذين يُراهنون على سقوط المقاومة في هذه المرحلة؟ جواب الأمين العام لحزب الله: «لن تحصلوا على أي نتيجة». فالمقاومة «بقوتها وبموقعها الوطني والاقليمي، أعظم وأشمخ من أن ينالها بعض الظالمين، الكذّابين، المُزوّرين للحقائق، الدافعين إلى حرب أهلية».