في التقويم الأخير أن هناك شبه إجماع غربي على ضرورة تشكيل حكومة جديدة في لبنان يمكن أن تساهم في ضخ بعض الحياة، وتساهم في إعطاء ثقة أكبر بأي خطة إصلاحية سياسية ومالية. وهذا العنوان بات متصدراً الأولويات التي ينصبّ الجهد الدولي عليها. ورغم أن العواصم المعنية تدرك أن تشكيل حكومة جديدة يتطلب تفاهمات إقليمية ودولية بالحد الأدنى، وقد لا تتوافر كل شروطها، إلا أنها باتت على ثقة بأن الحكومة الحالية لن تستطيع تأدية أي دور فعّال في هذه المرحلة. وهذا يفترض استغلال مرحلة ما قبل الانتخابات الأميركية لفعل أي شيء قد يتبلور أكثر وينضج بعد حصولها وتبيان اتجاهاتها.
مسألة تغيير الحكومة لم تَحسم إمكان عودة الحريري، رغم ميل الفرنسيين له
في الوقت ذاته، فإن مشكلة تغيير الحكومة لم تَحسم بعد إمكان عودة الرئيس سعد الحريري إليها، رغم ميل الفرنسيين له. وإذا كانت السعودية غير معنية بمجيئه أو عدمه، كان واضحاً لدى مراجعيها عدم الرهان عليها بتقديم أي مساعدة مالية حتى لو كان الحريري رئيس الحكومة. لأن السعودية لا تزال على موقفها الذي يتماشى مع موقف واشنطن المتشدد تجاه المسار الذي سلكه لبنان حتى الآن، وبرفض أي حكومة لبنانية تضم حزب الله.
مهما كان الاتجاه الذي ترسو عليه نتيجة اتصالات باريس، فإن مسلّمة أساسية تحدث عنها ماكرون، ولاحقاً لو دريان، تتعلق بأداء السلطة اللبنانية وما هو مطلوب من لبنان. صحيح أن الأميركيين متشددون بتشكيل حكومة من دون حزب الله، لكن هذا ليس البند الوحيد على جدول أعمال المتابعين للتطورات اللبنانية. أداء السلطة اللبنانية ومرافقها العامة الأساسية في هذه المرحلة، بات محكاً أساسياً في أي محاولة حل. وإذا كانت الحكومة عرفاً هي التي تتحمّل وزر هذا الأداء كونها السلطة التنفيذية، فإن كل العواصم المعنية وموفديها يعرفون تماماً أن ما يجري في لبنان لا يتعلق حصراً بالحكومة، بل بكل القوى السياسية داخل الحكومة الحالية وخارجها، وقد سبق لهم أن كانوا في المسؤولية. فباريس سبق أن حددت شروطها لسيدر وما يتطلّبه من لبنان، وخصوصاً أمام الرأي العام الدولي المعني بتأمين الأموال للمؤتمر. وما باتت تتحدث عنه علانية كما صندوق النقد وغيرهما هو حجم الفساد والاهتراء والهدر، خلافاً لتبريرات يتناوب عليها نواب ووزراء حاليون وسابقون ومراجع رسمية سياسية ومصرفية. كذلك فإن الصورة التي يقدمها لبنان اليوم محلياً، وقد انكشفت أمام كل عاصمة معنية بالشأن اللبناني، تتعلق بحجم التفاهمات التي تجرى حالياً بين قوى سياسية لشدّ عصبها وتقاسم الحصص، وكأنها تسابق الوقت لتأمين استمراريتها في الإدارات والمؤسسات العامة قبل أي تحوّل مفصلي. وهذا متداول على الصعد المحلية والخارجية والدبلوماسية في شكل واسع، بعدما شهد الأسبوع الفائت محاولات لمّ الشمل بين الرئيس نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وتحصيلهما أكبر حصة ممكنة في كل المرافق العامة، وكلاهما يحاول قضم كل ما يمكن قضمه، قبل الوصول الى ساعات الاستحقاق. المشكلة أن هذه القوى السياسية تتصرف في طلبها المساعدة من الخارج، وكأن لا أحد يعرف ما تفعله في يومياتها السياسية والمالية من دون الأخذ في الاعتبار حجم الانهيار المؤسساتي، وكأن البلد بألف خير، ولا إفلاس وشيكاً ولا انهيار واقعاً. هذا بعض ما حرصت فرنسا في توجّهها الجديد على إبرازه، فرمَت الكرة في ملعب المسؤولين اللبنانيين بضرورة تحمّل مسؤولياتهم، في موازاة عملها الإقليمي والدولي للجم الانهيار.