منذ بداية عام 2019، تعمل هيئة إدارة قطاع البترول بالتكليف. أعضاؤها الستة، انتهت ولايتهم في نهاية عام 2018، لكن لا عُيّنت هيئة جديدة ولا جُدّد للهيئة القديمة. هذا أمر بدأ يؤثر سلباً على عمل الهيئة ووظيفتها. فهي أمام الشركات العالمية التي بدأت بالتنقيب أو المهتمّة بالمشاركة في الدورة الثانية للتراخيص، هيئة غير أصيلة، وبالتالي لا تطمئن المستثمرين بشأن الثبات الإداري في لبنان، بوصفه الحدّ الأدنى للاستقرار. فالشركات قد لا تهتمّ بوجود وزير أصيل من عدمه لكنها في ما يتعلّق بالهيئة التي تعمل معها بشكل مباشر، فهي سبق أن عبّرت عن قلقها من غياب الاستقرار. اللافت أنّ الانزعاج ليس خارجياً فحسب. أعضاء الهيئة أنفسهم بدأوا يتململون من المراوحة. هم دخلوا هيئة مركّبة على قاعدة 6 و6 مكرر، وهذا يعني أن رئاسة الهيئة يُفترض أن تؤول إلى كل منهم. أيّ تعديل في هذه الصيغة يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء، أمّا فرض أمر واقع عنوانه العضو العوني هو الرئيس حتى إشعار آخر، فلا يبدو أنه يرضي الأعضاء الآخرين، حتى العونيين منهم.

عندما انتهت مدّة الهيئة، كانت الحكومة الأولى للرئيس سعد الحريري في فترة تصريف الأعمال. استعان الوزير الأسبق للطاقة سيزار أبي خليل باستشارة من مجلس شورى الدولة، سمحت بإبعاد الجمود عن الهيئة. إذ طلب أبي خليل من الأعضاء الاستمرار بالقيام بمهامهم، على قاعدة استمرارية المرفق العام، إلى حين يتّخذ مجلس الوزراء القرار بشأنها، إمّا بالتجديد لأعضائها أو تعيين آخرين. الاستمرارية، لم تنعكس على طريقة إدارة الهيئة، أي توزيع الرئاسة على الأعضاء الستة كلّ لسنة. صودف أن الرئيس في السنة السادسة هو وليد نصر، فبقي نصر رئيساً في فترة التكليف، ولا يزال.
المرسوم الصادر في 4 كانون الأول 2012، (نُشر في الجريدة الرسمية في 13 كانون الأول) كان قد أشار إلى ما يلي: تكون مدّة مجلس إدارة هيئة إدارة قطاع البترول ست سنوات قابلة للتجديد لمرّة واحدة. وتكون رئاسة مجلس إدارة الهيئة مداورة لمدة سنة واحدة وفقاً للتسلسل الأبجدي المرتكز إلى أسماء عائلات الأعضاء وفقاً للآتي:
- عاصم أبو ابراهيم رئيساً لمجلس الإدارة للسنة الأولى من تاريخ نشر مرسوم التعيين.
- ناصر حطيط رئيساً للسنة الثانية.
- كابي دعبول رئيساً للسنة الثالثة.
- وسام الذهبي رئيساً للسنة الرابعة.
- وسام شباط رئيساً للسنة الخامسة.
- وليد نصر رئيساً للسنة السادسة.
المرسوم الذي لم يسبق له مثيل، ثبّت بشكل قانوني قاعدة الأولوية للمحاصصة الطائفية لا للكفاءة. في هذه الحالة، لم يكن مهمّاً أن يملك العضو المعيّن مهارات قيادية أم لا يملك. تلقائياً كلّ واحد من الأعضاء الستة، بصرف النظر عمّا إذا كان بارعاً في اختصاصه (كلّ عضو في الهيئة هو رئيس وحدة متخصّصة)، هو رئيس للهيئة لمدة سنة.

حزب الله يسحب التجديد
استمرّت هذه الآلية لست سنوات. في آذار الماضي، وبعد تشكيل الحكومة الثانية للحريري، رفعت وزيرة الطاقة السابقة ندى بستاني مشروع قرار إلى مجلس الوزراء تطلب فيه التجديد لأعضاء الهيئة. لكنّها ما لبثت أن استردّت طلبها. تردّد حينها أن أحد الأعضاء أقنعها بعدم الاستعجال. بالنتيجة لم يُجدَّد للهيئة ولا عُيّن بديلٌ لها. استمر الوضع على ما هو عليه حتى تشرين الأول الماضي. في الجلسة الأخيرة للحكومة السابقة (21 تشرين الأول)، أُقرّ التجديد لأعضاء الهيئة. بدا ذلك مفاجئاً حتى بالنسبة إلى الأعضاء المعنيين، الذين سمعوا بالتجديد لهم عبر الإعلام. لكن لم يصمد القرار أكثر من يوم واحد. في 22 تشرين الأول، جُمّد القرار. وأفادت قناة «أل بي سي آي» أن قرار التجميد كان بناء على طلب من الوزير محمد فنيش، الذي استمهل مجلس الوزراء يومين من أجل البحث في استمرارية العضو الشيعي ناصر حطيط.
استقال الحريري وبقي القرار مجمّداً. كثُر الحديث حينها عن خلاف بين حزب الله وحركة أمل بشأن حطيط. لكنّ المعنيين في الطرفين نفوا أن يكون لطلب التجميد علاقة بحطيط. قيل إن الاعتراض كان على إدراج ملف التجديد من دون أن يكون قد تم التداول بوضع الهيئة، فطلب التمهّل. آخرون اعتبروا أن الحزب أراد أن يتفاهم مع حركة أمل على الأسماء الشيعية المرشّحة لمناصب في الدولة، ومن بينها الهيئات الناظمة، قبل الشروع بالتعيينات. عند ذلك الحدّ، أُقفل الملف في حينها: حزب الله وأمل يدعمان بقاء حطيط في الهيئة، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى البتّ بالتجديد مجدّداً.

أمل وحزب الله مع استمرار حطيط في عضوية الهيئة


في التيار الوطني الحر، من يحمّل المسؤولية لحركة أمل. يعتبر أن إصرار الرئيس نبيه بري على بقاء حطيط، يؤدّي إلى مشكلة، فحطيط تخطّى السنّ القانونية لأعضاء الهيئة (ينصّ نظامها على أن لا يتخطى من يعيّن عضواً 58 سنة، بحيث لا يتخطى عمره بعد انتهاء مدته 64 سنة). لكن في المقابل، فإنّ مصادر أخرى تؤكّد أن الجميع متّفق على أن هذا الشرط محصور بالتعيين ولم تتمّ الإشارة إليه في معرض الحديث عن التجديد. لذلك، لا مشكلة في التجديد لحطيط.
من جهة أخرى، بدأت تتولّد قناعة عند كثر بأنّ التيار الوطني الحر مستفيد من الوضع الراهن، لأنّ عدم وجود هيئة أصيلة، أسوة بعدم وجود مجلس إدارة في الكهرباء أو هيئة ناظمة للقطاع، تعزّز صلاحيات وزير الطاقة. وتفصيلاً، يهمّ التيار أن يبقى الرئيس الحالي لهيئة البترول، المحسوب من حصته، رئيساً للهيئة في زمن الاستكشاف، ثم في زمن دورة التراخيص الثانية في نهاية نيسان. يغمز هؤلاء من قناة الصورة الأخيرة لرئيس الجمهورية على متن باخرة الاستكشاف. يقولون: أنْ تضم الصورة الرئيس السابق للتيار ووزير الطاقة المحسوب على التيار ورئيس الهيئة المحسوب على التيار، إنما يعزّز الفكرة التي يُراد تعميمها بأن التيار هو الأب الشرعي لقطاع النفط والغاز في لبنان. على هذا المنوال، فإنّ التجديد للهيئة، سيعني انضمام عاصم أبو ابراهيم إلى الصورة، وهو ممثل للحزب الاشتراكي، أو ناصر حطيط المدعوم من حركة أمل (لو جدّد للهيئة في بداية العام الماضي).

تناقضات سياسية
هذا ليس كل شيء. كثُر الحديث منذ نحو عام عن رغبة التيار الوطني الحر في استبدال عدد من أعضاء الهيئة المسيحيين، وبالتالي عدم حماسته للتجديد، إلّا أن ذلك نقضته موافقة التيار على التجديد في الجلسة الأخيرة للحكومة السابقة. طلال إرسلان من جهته يرفض التسليم ببقاء ممثل للاشتراكي في الهيئة، يريد أن يكون شريكاً في التسمية. «القوات» سبق أن سعى بدوره إلى الدخول إلى «جنّتها»… بالنتيجة كل ذلك يؤثر على عمل الهيئة التي ينتظرها الكثير من الاستحقاقات في الفترة المقبلة، والتي يُفترض أن تكون جاهزة لخوضها. هنا، تؤكد مصادر تقنية على أولويّتَين: وجود أعضاء أصيلين في الهيئة والتجديد للأعضاء الحاليين. تقول المصادر إن الأعضاء الحاليين أسسوا للكثير من آليات العمل، إن كان مع الوزارات المختلفة أو مع شركات النفط، وبالتالي، طالما أن القانون يسمح، فإنّ الأولى التجديد لهم. تصل هذه المصادر إلى حدّ الإشارة إلى أن استبدال هؤلاء يمكن أن يؤخّر عمليات الاستكشاف ومن ثم تطوير الحقل. ذلك، ليس رأياً عاماً. آخرون يؤكّدون أن إدخال بعض الدماء الجديدة، سيكون له تأثير إيجابي على الهيئة، لكن الأمر يحتاج إلى دراسة للآليات والأولويات.
بغضّ النظر عن الوسيلة، ثمة إجماع على ضرورة الخروج بسرعة من مرحلة تصريف الأعمال. لكن هل هذا يعني الاستمرار بالوضع الشاذ المتمّثل بوجود 6 رؤساء للهيئة، ينام واحدهم رئيساً اليوم ويصحو مرؤوساً غداً؟ طبعاً لا أحد يتوقع أن تتحوّل الأمور باتجاه «الشخص المناسب في المكان المناسب» أو الأكفأ يتسلّم رئاسة الهيئة. صار المرتجى، بأقل تقدير، هو العودة إلى المحاصصة السابقة: توزيع رئاسة الهيئات والمؤسسات على الطوائف. فعلى سبيل المثال، إعطاء رئاسة هيئة النفط لطائفة مقابل إعطاء رئاسة هيئة أخرى لطائفة أخرى، وهكذا دواليك. المداورة الطائفية في هذه الحالة قد تكون ضرورية، أمّا المداورة في رئاسة هيئة واحدة، في زمن شديد الحساسية في ما يتعلق بمستقبل قطاع النفط والغاز، والحاجة إلى التفاوض مع دول وشركات معنيّة، فلن يكون تأثيرها إلا سلبياً.