انعقد في فندق الكومودور في بيروت، بعد ظهر أمس، لقاء موسّع لمجموعة من القوى والمجموعات والشخصيات الناشطة في الحراك الشعبي. اللقاء الذي شارك فيه حوالى مئة شخص عقد بعيداً عن الاعلام. وقد مُنعت «الأخبار» من الدخول إلى الفندق أو تصوير الاجتماع أو مقابلة المشاركين. وقال منظّمون إن «المنع» تمّ لأسباب تخصّ المجتمعين الذين يبدو أنهم ليسوا في وارد الكشف عن لقاءاتهم للعلن في هذه المرحلة، خشية استغلال ذلك بما يسيء إلى أهدافهم.حضر اللقاء جمع كبير من القوى المشاركة في الحراك، يتقدمها الحزب الشيوعي وحزب الكتلة الوطنية وتحالف «وطني» ومجموعات من «بيروت مدينتي» و«لحقي» وعدد كبير من الشخصيات الناشطة في الحقول السياسية والاقتصادية والاعلامية والثقافية، إضافة إلى ناشطين في العمل الجماهيري من الذين ينشطون في الحراك في بيروت وبقية المناطق اللبنانية.
استمر الاجتماع ساعات عديدة، تخللته مداخلات لقسم كبير من الحاضرين حول ورقة سبق أن أُرفقت مع الدعوة وتتضمن نصّاً تحت عنوان «المرحلة الانتقالية: الرؤية والبرنامج».
تنشر «الأخبار» نص هذه الورقة كما أُعد قبل الاجتماع، وفيها:

مقدمة:
يعيش لبنان منذ ما يقارب الشهر حالة ثورية غير مسبوقة، حالة هزّت شرعية المنظومة السياسية الحاكمة لمصلحة شرعية شعبية، عبّرت عن نفسها بوضوح في كل المناطق والساحات. لقد أكد الشعب اللبناني، وعلى مدار ايام الانتفاضة المستمرة، إصراره على رفض السياسات المعتمدة من قبل من يتحكم بالبلد. لقد كسر قواعد السلطة السائدة منذ الطائف حتى اليوم، وسلوكيات منظومة الفساد والمحسوبية والريعية والتبعية التي هيمنت على الحكم، تحولت اليوم إلى إدانة واضحة لكل من تبوّأ المناصب الرسمية. أما المعالجات المطروحة من قبل السلطة المتهالكة فلن تنفع، ولن يصلح الترقيع في السلطة، أو الإجراءات، أو اللجوء إلى قوانين مفصلة على مقاس من هم في السلطة وارتكاباتهم، فلقد تجاوزوا حدود السماح. وها هو البلد يدخل اليوم في أتون أزمة سياسية واقتصادية خطيرة نتيجة ما صنعت أيديهم.
في المقابل، إننا اليوم أمام فرصة كبيرة لتحقيق إنجاز تاريخي سيشكّل بداية لبناء الدولة، الدولة التي عبث بها كل من توالى على السلطة منذ الاستقلال حتى اليوم، ومنع قيامها. إننا اليوم في مرحلة انتقالية حاسمة لما تحمله من بذور التغيير والانطلاق نحو المستقبل الذي يحلم به اللبنانيون. وهو ما يتطلب تظهير رؤيتنا وبرنامج عملنا لهذه المرحلة، إضافة الى تأمين أوسع تحالف سياسي واجتماعي حول برنامجها. إن المأزق الذي يعيشه لبنان على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ناتج عن طبيعة نظامه السياسي. لذلك فإن الحل لا يمكن أن يكون بعيداً عن أسباب المأزق. فطالما المشكلة واضحة، فليكن الحل باتجاه معالجة أساس المشكلة.
لقد أصبح الانتقال نحو آفاق جديدة تمهد لتغيير طبيعة النظام السياسي ضرورة ملحّة للولوج الى تلمّس المخرج المطلوب للمأزق السياسي الذي أوقعت السلطة فيه البلد. وهو ما يطرح عملية انتقالية ملحّة تمنع الانهيار الكلي.

أولاً: الانتفاضة وطروحاتها:
من خصائص الانتفاضة الحالية تركيبها المتنوع على الصعد الاجتماعية والطائفية والمناطقية والسياسية والفكرية والجندرية والعمرية، مع الغلبة الكبيرة لجيل الشباب. ومن هذه الخصائص أيضاً، التصميم النضالي العالي، والقدرة على ابتداع أساليب نضالية متجددة.
إن هذه الانتفاضة تعبّر عن معارضة جذرية للنظام السياسي القائم، وتدعو الى تغييره باتجاه آخرَ مدني ديمقراطي حديث، يقوم على العدالة الاجتماعية واحترام كرامة الانسان من خلال:
● رفض الطائفية، والتأكيد على المواطنة والانتماء الوطني، ورفض المتاجرة السياسية بالانتماءات الدينية والمذهبية والمناطقية.
● رفض الزبائنية والمحاصصة، والمطالبة باعتماد معايير الكفاءة والنزاهة والعدالة وحدها.
● رفض السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية للحكومات المتعاقبة القائمة على التبعية والارتهان، والمطالبة بالعدالة في توزيع الأعباء وبفرض العمل وبالضمانات الاجتماعية والصحية، واسترجاع المال العام المنهوب.
● وضع حد لاستبعاد الشباب والنساء وسائر الفئات المهمشة في دائرة الاهتمام والمشاركة في القرار الوطني.
● التطلع إلى بناء الدولة الحديثة الوطنية والمدنية والديمقراطية.

ثانياً: لماذا المرحلة الانتقالية؟
منذ ثلاثين عاماً حتى اليوم تقوم قوى السلطة بمصادرة الحياة السياسية، فهي الموالاة وهي المعارضة. أما الخلافات والصراعات بين أطرافها فلا صلة لها بالتوجهات أو البرامج السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية التي تهم المواطنين، بل هي تدور حول الحصص وتقاسم مغانم السلطة. كما تمارس قوى السلطة فرض هيمنتها على مؤسسات الدولة والمجتمع وهيئاته المختلفة. هكذا قامت تلك القوى باحتكار القرار في الدولة والمجتمع، وأصرّت على إلغاء الرأي الآخر. فغابت كل أنواع الحوار، وغابت الحياة الديمقراطية الحقيقية. أما اليوم، وبعد نجاح الانتفاضة الشعبية العارمة في كسر قرارات السلطة، وفي هزّ شرعيتها لمصلحة الشرعية الشعبية، فقد دخل لبنان مرحلة جديدة عنوانها الأساسي التسوية الرئاسية سقوطاً أو بقاءً، لكن ضمن شروط سياسية مختلفة عن السابق، وفي الحالتين دخول لبنان مرحلة انتقالية فرضتها الانتفاضة وعنوانها الاساسي كسر الاحتكار التاريخي للسلطة، والإعلام، ومؤسسات الدولة، والنقابات، وسائر هيئات المجتمع المهيمن عليها من قبل قوى سلطوية تابعة ومرتهنة للداخل أو الخارج.
إن أسلوب السلطة في المماطلة والتسويف وعدم الاستجابة لمطالب الانتفاضة، ومحاولات بعض أطرافها ركوب موجتها لتنفيذ أجندات خارجية وتوتير الصراعات الطائفية والمذهبية لتشويهها وحرفها عن مسارها، أفسحت وتفسح في المجال أمام كل التدخلات الخارجية، المرفوضة من قبل الانتفاضة، فاللبنانيون قادرون على معالجة مشاكلهم الداخلية في ما بينهم بعيداً عن هذه التدخلات، وعلى مواجهة الضغوطات الاقتصادية والمالية الهادفة لحرف الانتفاضة عن أهدافها الحقيقية بالانتقال بلبنان من دولة المحاصصة الطائفية الى الدولة الحديثة الوطنية والمدنية والديمقراطية.

ثالثاً: برنامج المرحلة الانتقالية
ان القضايا التي حملتها الانتفاضة ووضعتها أمام الشعب اللبناني لاقت تجاوباً كبيراً جداً من اللبنانيين على اختلاف مناطقهم وانتماءاتهم السياسية والاجتماعية والدينية. وقد أكدوا تصميمهم على العمل من أجل تثبيت هذا الواقع المستجد لميزان القوى، وعبور المرحلة الانتقالية بنجاح وأمان نحو التغيير، لذلك يجب على اللبنانيين التحلي بالوعي وبالنفس الطويل، واستكمال خوض المواجهة بدون كلل أو ملل، والتصدي لأي محاولة لإجهاض الانتفاضة أو تقسيمها أو حرفها عن مسارها، أو جرّ البلاد إلى الصراع الأهلي، والفوضى، فضلاً عن مواجهة الضغوط الاقتصادية والتدخلات السياسية والخارجية.
وذلك من خلال:
● تشكيل حكومة انتقالية وطنية تحظى برضى الانتفاضة والشعب، ومن خارج المنظومة الحاكمة السياسية والاقتصادية، وتلتزم بإنقاذ البلد وببرنامج عمل للمرحلة الانتقالية، وتعمل بشفافية كاملة تحت رقابة الانتفاضة والشعب اللبناني عموماً.
● استمرار الانتفاضة طوال المرحلة الانتقالية، مع اعتماد أساليب تحرك متنوعة تتناسب مع الظروف والتطورات المستجدة.
● إنشاء هيئات على المستويين الوطني والمحلي لدعم الانتفاضة والمساهمة في الرقابة على أعمال الحكومة، تتشكل من الفاعليات والهيئات الممثلة لمختلف قطاعات المجتمع المؤيدة للانتفاضة، وصاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير المطلوب.
● تشكيل منابر متعددة من أصحاب الاختصاص تقوم بتقديم الاقتراحات والدراسات التي تساعد الانتفاضة على تطوير عملها، كما تشارك في أعمال الرقابة على أداء الحكومة، (منبر اقتصادي ومالي، اجتماعي، حقوقي، تربوي، صحي، عمالي، إعلامي...).
● بناء حركة نقابية مستقلة تدافع عن المصالح الحقيقية لمن تمثل، وترفع رايات الديمقراطية والانقاذ. ورفع هيمنة السلطة عن سائر هيئات المجتمع المحلي والأهلي والبلدي.
استمرّ الاجتماع ساعاتٍ عدة تخللته مداخلات لقسم كبير من الحاضرين


رابعاً: الحكومة الانتقالية الوطنية:
● هي حكومة انتقالية لمدة محددة تعبّر عن توجهات الانتفاضة، وتحظى بثقتها وبثقة الشعب اللبناني عموماً، بعيداً عن الدعوات إلى إعادة تشكيل الحكومة الجديدة على أساس المحاصصة بين أطراف السلطة، ووفق التوجهات ذاتها للحكومة المستقيلة تحت غطاء تغيير الوجوه أو المجيء بوجوه متخصصة.
● على الحكومة الانتقالية تولّي مهمة حماية لبنان من المخاطر المحدقة؛ خطر الانهيار وخطر الانزلاق الى الانقسام الأهلي والفوضى، فضلاً عن مواجهة المخاطر الخارجية أو الداخلية على الأمن والاستقرار والحريات.
● تُمنح الحكومة الانتقالية صلاحيات استثنائية لمساعدتها على إصدار التشريعات واتخاذ القرارات التي تتيح لها القيام بمهامها، وذلك ضمن مهلة زمنية محددة ترتبط بإنجاز برنامجها، وتنتهي بإجراء انتخابات نيابية وفقاً لقانون جديد.

خامساً: برنامج الحكومة الانتقالية
تطبيق الدستور تطبيقاً كاملاً، وذلك من أجل:
● إقرار قانون جديد للانتخاب خارج القيد الطائفي يقوم على النسبية والدائرة الواحدة مع تخفيض سن الاقتراع الى 18 سنة، ومع إنشاء مجلس شيوخ يتمتع بصلاحيات محددة (تطبيق المادة 22 من الدستور).
● إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق هذا القانون الجديد، وتحت الإشراف الكامل لهيئة قضائية لبنانية مستقلة.
● إلغاء الطائفية السياسية والتوزيع الطائفي لوظائف القطاع العام حسب (المدة 95، الفقرة «ح» من مقدمة الدستور).
● قانون جديد للبلديات على قاعدة النسبية، والعمل على تعزيز دور البلديات والاتحادات البلدية، وتحرير أموال الصندوق البلدي المستقل.
● تفعيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز دوره كشريك في القرار الاقتصادي والاجتماعي، وإعادة تشكيله بعيداً عن المحاصصات.
● إقرار قانون استعادة الأملاك والأموال العامة المنهوبة، ورفع الحصانة عن المسؤولين، رؤساء ووزراء ونواباً وكبار الموظفين. وإنشاء هيئة وطنية ذات صلاحيات تنفيذية وقانونية لمحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة تشمل: دراسة الملفات، ورفع السرية المصرفية، وتقديم المرافعات الى القضاء المختص، ويكون للهيئة مركز وموازنة وجهازان قضائي وإداري كافيان لتنفيذ مهمتها في أسرع وقت ممكن.
● إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية لتقوم بدورها بعيداً عن التدخلات السياسية، مع ضرورة تظهير جسم القضاء من الشوائب، بالاضافة إلى إعادة النظر بقانون تشكيل المجلس الدستوري، فضلاً عن رفع يد قوى السلطة وهيمنتها عن إدارات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وتقاسمها، وتطهيرها من المحسوبيات، وتفعيل دور هيئات الرقابة والمحاسبة، واعتماد معايير الكفاءة والنزاهة فيها، فضلاً عن محاربة كل أشكال الفساد والزبائنية.
● إنقاذ لبنان من الانهيار المالي والاقتصادي ومن خلال انتهاج سياسات نقدية ومالية واقتصادية جديدة، مختلفة عن السياسات الحالية التي أدت الى المأزق الراهن، ووضع سياسة جدية لتشجيع قطاعات الانتاج وتطويرها ورعايتها، والمحاربة الفعلية للتهريب ولإغراق الأسواق بالسلع المهربة أو المستوردة، فضلاً عن العمل من أجل:
● الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي، وتحديداً على القوة الشرائية لليرة اللبنانية، وعلى تعويضات العمال والأجراء، والموظفين في القطاعين العام والخاص في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وسائر الصناديق الضامنة، وعلى أموال صغار المودعين بالليرة اللبنانية في المصارف.

أصبح الانتقال نحو آفاق جديدة تمهّد لتغيير طبيعة النظام السياسي ضرورة مُلحّة


وحل معضلة الدين العام وتراكمه من خلال نظام ضريبي جديد يؤمن موارد مستدامة للدولة، ويقوم على رفع الضرائب على الأرباح والريع والفوائد، واستحداث الضريبة على الثروة، وزيادة معدلاتها على توريث الثروات الكبرى.
● وضع ضريبة استثنائية على المصارف لاستعادة الأموال التي حصلت عليها من خلال الهندسات المالية التي قام بها المصرف المركزي في السابق، يضاف الى ذلك إعادة النظر بمشاريع الخصخصة، وبالمشاريع المشكوك في جدواها، وبتلك التي تفوح منها روائح العملات وتقاسم المغانم، مع ضرورة كسر الاحتكارات المتحكمة بالاستيراد والأسواق والأسعار.
● اعتماد سياسات اجتماعية جديدة تحدّ من معاناة أصحاب الدخل المحدود، وتحديداً فئات الشباب والنساء والأكثر فقراً، من بينها:
● سحب ما سمّي الخطة الإصلاحية للحكومة المستقيلة وسائر مشاريع الشركات والخصخصة الواردة في مؤتمر «سيدر»، منعاً لتبديد ما تبقى من مؤسسات الدولة لمصلحة مراكز القوى السلطوية التي استفادت في فترات سابقة من عمليات السطو على المال العام، علماً بأن الموافقة عليها، من قبل الحكومة المستقلة، شكّلت خضوعاً لإملاءات الصناديق الدولية وللضغوط والارتهان إلى الخارج.
● إعطاء الأولوية لتأمين فرص العمل، ولا سيما للشباب، وتلبية مطالب الفئات والقطاعات المظلومة والمهمشة.
● تأمين التغطية الصحية الشاملة لكل المواطنين.
● تعزيز نوعية التعليم الرسمي والجامعات اللبنانية مع التشديد على استقلاليتها، وإجراء انتخابات ديمقراطية لإعادة تشكيل اتحاد طلبتها وإطلاق عمله.
● وضع خطة لتأمين حق السكن لذوي الدخل المحدود، بإشراف الدولة (وبالاستفادة من مشاعاتها ومشاعات البلديات...). وخطة للنقل العام (تستند إلى استخدام القطارات والباصات... الخ).
مراقبة اسعار السلع والخدمات الأساسية، والتدقيق في قانونية هوامش الأرباح.
● حماية أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وسائر أموال الصناديق الضامنة.
● حماية البيئة، من خلال إعادة النظر بمشاريع معالجة مشكلة النفايات والصرف الصحي، والترخيص للمقالع والمرامل، بالتشاور مع الجمعيات البيئية.