شارفت جلسات مجلس الوزراء المخصّصة لمناقشة مشروع الموازنة على نهايتها. ولذلك لم يعد من مجال لتأخير الإجراءات «غير الشعبية». وقد أتت المفاجأة من عند وزير الاتصالات، الذي اكتشف أن الواتسآب يشكّل أحد أسباب خراب الهيكل. ولذلك اقترح وضع رسم عليه، ووافقه مجلس الوزراء مجتمعاً. وعلى المنوال نفسه اقترحت الحكومة وضع رسم على السجائر، ليُبحث اليوم إمكان فرض رسم جديد على المشتقّات النفطية، كما اقتراح رفع الضريبة على القيمة المضافة. جلسة مجلس الوزراء أمس، وتلك التي ستليها، فيهما الكثير من الاقتراحات التي تكشف أن الحكومة متمسّكة بسياساتها التي أدّت إلى الأزمات التي يعاني منها لبنان، فضلاً عن فتح الباب أمام الخصخصة (إدارة المرفأ)، والتقشّف المضرّ (وقف النفقات الاستثمارية مثلاً)، وزيادة الضرائب والرسوم على الاستهلاك، وتحميل الطبقات الدنيا مسؤولية الخروج من الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد، ورفض أي إجراء إصلاحي جدي، وتحريم المسّ بامتيازات الأثرياء.وجدها مجلس الوزراء. اكتشف أخيراً أن تطبيق «واتساب» هو سبب الأزمة المالية - الاقتصادية، وربما النقدية، ففرض رسماً على الاتصالات عبر الانترنت. تلك الفكرة العبقرية، كان وزير الاتصالات يمهّد لها عند كل مناسبة. أرقام شركتي الخلوي تقول إن العائدات لم تنخفض بأكثر من 2 في المئة، فيما الأموال التي تحوّل إلى الخزينة تراجعت 18 في المئة من جرّاء المصاريف التشغيلية والرأسمالية التي ارتفعت أكثر من 32 في المئة. لم يرَ مجلس الوزراء ذلك، لكنه وافق وزير الاتصالات على ضرورة أن يضع رسماً على استعمال «واتسآب» وأخواته، علّها تؤدي إلى إيرادات للخزينة. وعليه، قرّر المجلس اقتراح فرض رسم بقيمة 20 سنتاً على أول مكالمة يُجريها المشترك عبر الانترنت يومياً، على أن تكون الاتصالات التي تلي غير خاضعة للرسم. ذلك يعني أنه في حال أقرّ مجلس النواب هذا الاقتراح، فإن كل مشترك يستعمل تطبيقات الاتصالات الصوتية عبر الانترنت سترتفع فاتورته بنحو 6 دولارات شهرياً، تضاف إلى المبالغ المضخّمة التي يدفعها للخزينة جوراً لمجرد استعماله الهاتف الخلوي. وهكذا فإن المشترك المقيم في لبنان والذي يدفع فاتورة اتصالات ربما هي الأعلى في العالم ويتوقّع تخفيضها، سيجد نفسه أمام رفع جديد للأسعار، خلافاً لأي منطق اقتصادي أو حقوقي.
تقنياً يؤكد أكثر من خبير اتصالات أنه تستحيل معرفة ما إذا كان الهاتف الذي يصرف «داتا»، يصرفها على الاتصالات أو على تصفّح الانترنت أو أي شيء آخر، أضف إلى ذلك عدم وجود نظام فوترة يسمح بتحديد هذه المكالمات المدفوعة وتحديد كلفتها في الفاتورة. مع ذلك، فإن وزير الاتصالات أكّد لنظرائه إمكانية تحديد الاتصالات عبر الانترنت عبر تقنية تسمح بالتمييز بين استعمال الإشارة (Signal) واستخدام النص، مشيراً إلى أنه يحتاج إلى بعض الوقت والمعدات ليصبح الأمر قابلاً للتطبيق. علماً أنه تبيّن أن هذا الرسم سيوضع في الفترة الأولى على الاتصالات المنفّذة عبر داتا شركتي الخلوي، لا عبر الـ«واي فاي»، بسبب الحاجة إلى آلية قانونية مختلفة للسماح لتحديد الاتصالات التي تتم عبر شبكة «أوجيرو» وشركات الخدمات. بعد أن يتحقق ذلك، سيُحسم الرسم من اشتراك الانترنت الذي يقدم خدمة الواي فاي، إن كان منزلاً أو شركة أو مكاناً عاماً. تلك الفكرة البديعة، يتوقع أن تحصّل نحو 219 مليون دولار سنوياً، قدّرت على اعتبار أن نحو 3 ملايين مشترك من أصل 4.5 ملايين مشترك بالهاتف الخلوي، يستخدمون تطبيق الواتسآب. لكن إلى حين إدخال الاتصالات عبر الواي فاي في ذلك النظام، فإن التوقّعات بأن ينخفض دخل هذا الرسم نحو 40 في المئة.
الرسم الثاني الذي اتفق عليه هو الرسم على السجائر، فقد تقرّر أن يضاف رسم بقيمة 2000 ليرة على كل علبة سجائر مستوردة مقابل 750 ليرة على السجائر المحلية. لكن هذا القرار لن يُطبق دفعة واحدة، بل على مراحل، لسببين، الأول قطع الطريق على التجار الذين بدؤوا بتخزين الدخان بالفعل، وثانياً للتأكد من تأثيره على مسألة التهريب. هنا، لا بد من الإشارة إلى أن الهدف ليس تخفيف الفاتورة الصحية أو الوقاية من الأمراض. الهدف هو حصراً تحصيل الإيرادات.
تبقى الضريبة على القيمة المضافة التي لم يتم حسمها أمس، ويتوقع أن يصدر القرار بشأنها اليوم، حيث تدور الاقتراحات حول ثلاث:
- زيادة الضريبة على الكماليات إلى 15 في المئة، وزيادتها تدريجياً إلى 15 في المئة على باقي الأصناف الخاضعة للضريبة، على أن يُطبق نصف هذه الزيادة في عام 2021 ونصفها الآخر في عام 2022 (اقتراح الرئيس سعد الحريري).
- زيادة الضريبة إلى 15 في المئة على الكماليات، وإمكانية زيادة هذه النسبة بعد ثلاث سنوات (لجنة الخبراء).
- زيادة الضريبة إلى 12 في المئة على كل السلع الخاضعة للضريبة حالياً.
ضريبة البنزين بدورها لم تُحسم، مع ترجيح احتمال أن تنضم المشتقات النفطية إلى لائحة السلع التي أخضعت لضريبة 3 في المئة على الاستيراد في موازنة عام 2019. (اقتراح كتلة لبنان القوي)، علماً أن هذه النقطة لا تزال عالقة على قاعدة أن الزيادة ستكون بمعدل 750 ليرة على الصفيحة، وهي زيادة يعتبرها بعض الوزراء متدنية، ويسعى إلى رفعها. مع الإشارة إلى أن مسألة وضع رسم مقطوع بقيمة 5000 ليرة قد سقطت من الحسابات، وكذلك حصل مع اقتراح وضع حد أدنى وحد أقصى لسعر الصفيحة.
نهاية خطة الكهرباء: الدعم 1800 مليار بدلاً من 850 مليار ليرة


لكن مقابل هذه المساعي لزيادة الإيرادات وخفض العجز، الذي لم يوضع له أي تقدير، يتجه المجلس إلى تثبيت إعطاء دعم لكهرباء لبنان بقيمة 1800 مليار ليرة لتغطية عجزها. وهو ما اعترض عليه وزراء القوات، انطلاقاً من أن هذا الدعم يتعارض مع خطة الكهرباء التي أقرها مجلس الوزراء السنة الماضية. فالخطة تشير إلى أن عام 2020 سيشهد خفض العجز إلى حدود 574 مليون دولار، وهو مبلغ بعيد جداً عن المبلغ الذي أصرّ عليه تكتل لبنان القوي، واعتبرت الوزيرة أنه قد يكون غير كافٍ. تسليم مجلس الوزراء سلفاً بتخطي بنود خطة سبق أن أقرها يفتح الباب عملياً على تخطي بنود أخرى. وفيما برّر الحريري زيادة الدعم بتأخر دفتر الشروط، داعياً إلى إقراره في اللجنة الوزارية تمهيداً لرفعه إلى مجلس الوزراء، طالب عدد من الوزراء بتقرير يوضح أين أصبح تنفيذ الخطة، خاصة أنها لا تتعلق بمسألة المعامل فقط.
وفي ما وصف بالإجراءات الإصلاحية، تقرّر تركيب ماسحات ضوئية (Scanners) على الحدود لضبط التهريب، والطلب من جميع المؤسسات والمرافق العامة عدم القيام بأي إنفاق استثماري إضافي، إلا بعد موافقة مجلس الوزراء، وتحويل الفائض بهذه المؤسسات بشكل شهري إلى الخزينة اللبنانية، على أن تكون مدة هذا القرار سنة. وستصدر عن مجلس الوزراء تسمية بهذه المؤسسات والهيئات، علماً أن الحديث كان تطرق إلى كازينو لبنان وشركتي الخلوي والريجي ومرفأ بيروت.
كما أقرّ مجلس الوزراء مبدأ خصخصة إدارة المرفأ، إضافة إلى مؤسسات أخرى ستصدر فيها لائحة. كذلك أقر إلغاء ودمج بعض المؤسسات والمرافق العامة «التي لا لزوم لها ويمكن الاستغناء عنها أو ضمّها إلى وزارات أخرى» كمؤسسة ضمان الاستثمارات وضمان الودائع والمؤسسة العامة للزراعات البديلة وغيرها.

وقف الإنفاق الاستثماري في الخلوي لمدة سنة!


وبحسب وزير الإعلام جمال جراح، تم تكليف وزير المالية إجراء جردة بعقارات الدولة تمهيداً لاتخاذ قرار حول الاستفادة منها. كما أقر قانون برنامج على 3 سنوات بقيمة 470 مليار ليرة، لتنفيذ المشاريع الاستثمارية التي أقرت في مجلس النواب والبالغة قيمتها 3.3 مليارات دولار. كما كُلّف وزيرا العمل وشؤون مجلس النواب متابعة القانون المعروف بضمان الشيخوخة، وهو سبق أن أقره مجلس الوزراء وأرسل إلى مجلس النواب. وطُلب كذلك من الوزراء تقديم اقتراحات بشأن مسودّة الدراسة المقدمة من البنك الدولي حول الإصلاحات. وكذلك تقرر إعطاء 5% دعماً للمصانع على الصادرات الإضافية، فإذا كان هذا المصنع يُصدّر هذا العام بقيمة مليون دولار، وصدّر في العام المقبل 1.2 مليون، يحصل على دعم 5% على المائتي ألف الإضافية.
وبالرغم من أن الجلسة وُصفت بالهادئة إلا أنه تخللها إشكالان: الأول يتعلق بمسألة التوظيف المخالف لقانون سلسلة الرتب والرواتب، والثاني يتعلق بالجهة التي تعد خطة للتعامل مع مسألة النازحين. ولما كان المجلس يميل إلى تكليف اللجنة الوزارية المختصة رفع تقرير بذلك، وهو ما أصر عليه الوزير وائل أبو فاعور، اعترض وزير شؤون النازحين، رافضاً التعدي على «صلاحياته».
كم أصبح العجز المقدّر؟ لا أحد يملك الجواب، لكن وزير المالية الذي احتسب خفّض بند الإيرادات في موازنة عام 2019 نحو ألف مليار، ربطاً باتفاق مع مصرف لبنان على الاكتتاب بسندات الخزينة بفائدة 1 في المئة على عشر سنوات، أعاد التأكيد على أن هذا الاتفاق سينفّذ في موازنة عام 2020. وهو ما شكّك فيه البعض، فيما اعترض عليه البعض الآخر، كالوزير عادل أفيوني الذي اعتبر أنه من الأفضل وضع رسم محدّد على أرباح هذه المصارف، علماً أن حاكم مصرف لبنان سبق أن أكّد لقناة «أو تي في»، يوم 23 أيلول الماضي، أن أحداً لم يفاتحه بشأن مساهمة مصرف لبنان في خفض خدمة الدين العام.
أحد الوزراء يجزم أن كل ما يجري في مجلس الوزراء لا يعبّر عن تحسّس المجلس للأزمة النقدية والمالية الخطيرة التي وصلت إلى حافة الانهيار. أما أحد الخبراء الاقتصاديين، فقد أشار إلى أن ما اتخذه المجلس من قرارات، لا هدف له سوى الابتعاد عن الإجراءات الحقيقية المطلوبة لإنقاذ الوضع وأولها إعادة هيكلة الدين وفرض الضريبة الموحّدة التصاعدية.