ولو أن بو صعب ينفي الأمر، إلّا أن كثيرين باتوا على اقتناع بأن الجفاء بين الطرفين يخفي التنافس غير المعلن بين قائد الجيش العماد جوزف عون ووزير الخارجية جبران باسيل، على مقعد رئاسة الجمهورية طبعاً. ومع أن العماد عون لم يتحدّث علناً عن سعيه للوصول إلى سدّة الرئاسة، إلّا أن باسيل بات يتصرّف على هذا الأساس، مستنداً إلى اقتناع بأن الأميركيين قد يفضّلون مستقبلاً دعم قائد الجيش على حسابه، خصوصاً أن زيارات الاخير متكرّرة إلى الولايات المتحدة، فيما يقابل الأميركيون باسيل بالجفاء. ومن هنا «تجري محاولات تقليم أظافر القائد، ومن ضمنها السعي لتغيير مدير المخابرات العميد طوني منصور».
واشتدّ الصراع في الأيام الماضية، على خلفية عودة العميل عامر الفاخوري إلى لبنان واعتقاله، وبعد أن تبيّن أن أحداً ما نزع اسمه عن لائحة البرقية المنقولة رقم 303، وتوقيف عميد في الجيش قام بمرافقته إلى المديرية العامة للأمن العام قبل اعتقاله، إذ إن ما يتردّد وسط أروقة الجيش يوجّه اتهامات واضحة لمقرّبين من باسيل، بقيادة الحملة ضد قائد الجيش ومنصور، «لا سيّما المساهمة في نشر صور الفاخوري مع عون في السفارة اللبنانية في واشنطن، أو نشر خبر حول توقيف العميد أ. ي. مع صورة منصور بدل صورته».
وزاد الطين بلّة، الغداء الذي استضاف فيه باسيل مجموعة من العمداء المتقاعدين يوم الجمعة الماضي، في عزّ ما اعتبره الجيش حملة ضده، ونشر باسيل صورة للغداء مع تعليق. وفيما بدت الخطوة استفزازاً لقائد الجيش ومعه النائب شامل روكز، وضع وزير الدفاع في اتصال مع «الأخبار» الأمر في سياق «النقاش مع الضباط المتقاعدين حول موازنة 2020، وليس استهدافاً لأحد».
من مآخذ الجيش على بو صعب أنه «لم يدافع عن حقوق العسكريين في الموازنة»
أما اعتكاف بو صعب عن توقيع بريد الجيش، فيردّه الوزير إلى «التأخير والمماطلة التي تمارس من قبل الجيش في تقديم مشروع المراسيم التطبيقية لقانون الدفاع المتأخرة منذ 36 عاماً لوزارة الدفاع، حتى يتمكن الوزير من رفعها إلى مجلس الوزراء وإقرارها». ويؤكّد الوزير أنه يمتنع عن التوقيع منذ أسابيع، وأنه لن يعود إلى التوقيع قبل حصول الوزارة على مشروع المراسيم التطبيقية. وفيما ينفي بو صعب أن يكون موضوع الأزمة المالية التي حصلت مع متعهدي الطعام للجيش لها علاقة بتوقيعه، يشير لـ«الأخبار» إلى أنه يوقّع كل البريد الضروري لتسيير شؤون العسكر وحاجاتهم، لكنّه لا يوقّع بريداً غير مستعجل. ويؤكّد بو صعب أن أزمة المتعهدين حُلت، وسببها متأخرات منذ العام 2018 لم تدفعها وزارة المالية (يقول وزير المال علي حسن خليل لـ«الأخبار» إن الأزمة انتهت والسبب هو تأخير إداري، وجرى تضخيم القضية وليس هناك أي موقف سياسي).
لكن على المقلب الآخر، يبدو قرار وزير الدفاع الأخير مرحلة في سياق من التراكم السيّئ في العلاقة، إذ إن الجيش يعتبر أن بو صعب لم يقم بدوره في الدفاع عنه وعن حقوق العسكريين خلال نقاش الموازنة، وأنه كان يمكن أن يؤثّر أكثر، لكنّه اكتفى بالتصريحات الإعلامية، وهو ما ينفيه بو صعب، مؤكّداً أنه «دافع عن حقوق العسكريين ووصل الأمر به أن يتساجل مع الوزير جبران باسيل في إحدى جلسات مجلس الوزراء حول الموضوع». ومن مآخذ الجيش على بو صعب، «استغلاله لملفّ الحدود البرية والمعابر غير الشرعية لخوض معركة إعلامية شخصية بدل الدفاع عن الجيش».